تجربة جديدة ومثيرة قام بها مجموعة من شباب الصعيد لنقد الأفعال الحياتية غير الحميدة داخل المجتمع الصعيدي.. التجربة جديرة بالاهتمام وتسليط الضوء، لأنها نابعة من الداخل، أى من عندهم هُم.. لم يفرضها عليهم لا كبير ولا صغير ولا قناة فضائية ولا إذاعية.
فقد شاهدت عبر فيسبوك فيديو مدته ٣ دقائق لصفحة يطلق عليها اسم “صعايدة معلهش”.. البطل في الفيديو يُدعي “غلبان”، والمعنى مباشر ومفهوم وواضح، يَطرق الباب عليه أحد المُنادين فى القرية ليخبره أن عليه واجباً في إحضار صينية لأهل أحد المتوفين.
وعادة صُنع طعام لأهل المتوفى هي سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال رسولنا الكريم لأهل بيته عندما استُشهد جعفر: (اصنعوا لآل جعفر طعامًا؛ فإنه قد أتاهم ما يشغلهم).
ولأننا غالبا ما نبالغ فى المظاهر دون الجوهر، فأصبح لزاما وواجبا على “غلبان” – بطل الفيلم – أن يُعد الطعام لأهل المتوفى، ولم نكتف بتحويل السنة إلى فرض، بل أصبح هناك مُناديا فى القرية يمر على الناس واحدًا تلو الآخر يُذكرهم بواجباتهم وبأن عليهم إعداد الطعام، ومن ثم تحولت السُنة غير الواجبة إلى تكليف شاق لا يُطيقه البعض ولا يتحمله.
وفى الفيديو يستكمل “غلبان” إعداد الطعام حتى أنه يجهز صينية مليئة بأوراك الفراخ، وعندما يذهب بها إلى “صاحب الواجب أو العزاء” فيجد لافتة مكتوبا عليها: “لا نقبل أى صينية عليها وراك.. نقبل لحمة فقط”.
ولذلك وتطبيقا للقانون يُبقى “صاحب الواجب” صينية “غلبان” بالخارج، ممنوع أن تدخل إلى الدوار الذي يستضيف المعزيين، لأنها خالفت الشروط والقوانين.
وينتهى الفيديو بكلمات شعرية عامية تقول:
“صينية وراك من بيت غلبان، تبقى أحلى من لحم خراف.
أهم حاجة نقدر بعض وبينا ما يبقاش على اللقمة خلاف اللحمة بتشبع والدُقة بتشبع، اللقمة بركة مش عدد أصناف”.
السخرية فى الفيديو مُبالغ فيها قليلا، لكنها مفهومة، فهناك بالفعل من يُثقل على الناس، لا يتقبل أعذارهم، وهناك من يحول البر والإحسان إلى واجب وفرض، ثم يغضب ويثور رغم أن هذا ليس من حقه.
وأعجبني أيضا رد الفعل على الفيديو من الصعايدة أنفسهم، فهناك من أنكر وجود ذلك فى الصعيد، ولكن هناك من كتب: “علشان كده احنا غيرنا نظام الصوانى ده خالص عندينا فى البلد.. وعملنا مطابخ فى الخيم والدواوين وبنطبخ أيام الواجب وكله بيدفع فلوس حاليا”.
التجربة رائعة وممتازة، ولأننا يجب أن نشجع كل ما هو إيجابى وليس فقط نقد كل ما هو سلبى، كان على أن أشير إليهم بأنهم على الطريق الصحيح ليستمروا نحو تغيير مجتمعهم للأفضل وشأنهم إلى الأعلى.