أخبرتني ان بداخلها شجرة ظليلة تأوي إليها كلما شعرت بالوحدة.. سألتها : أبداخلك ؟!..أجابت : نعم .. فكرة مجنونة و لكنها الحقيقة ؛ بداخلي شجرة هى مؤشر يضبط لى أغلب أموري .. ارتمي تحت ظلالها من جفاء الايام .. استشعر فروعها و أوراقها و هى ترسل الى أعماقي النسمات كأنها تداعبني .. أسألها فتجيبنى .. اتمنى لو يكتشف الآخرون الشجرة التى بداخلهم .
تركت صديقتي مع فكرتها المجنونة وما ان خلوت بنفسي سألتها اليس بداخل كل منا شجرة كهذه ؟. و الله فكرة تبعث على الراحة و التأمل ، و لربما دمرت الوحدة والشعور بالغربة بداخلنا؛ لما لا نزور أعماقنا ،ولما لا تكون حقا رحلة إلى دواخل النفس البشرية .. نبحث فيها عن تلك الشجرة و نتفانى في رعايتها .. فهى ينبوع من السعادة و فلتر لكل ما يؤرقنا .. فشجرتي أوراقها فضة ذهبت إليها ذات يوم ساخطة متذمرة باكية .. فهدأت من روعي و اصطحبتنى في مدينتها .. كانت الطرقات شديدة البريق و الأزهار الملونة على جانبي الطريق ؛ شعرتُ أنى أطوف فى حضرة جمالها الأخاذ .. و كان هناك نهر رقراق يزين المكان وجدت قربه بعض الفتيات ؛ استقبلنني بابتسامة ساحرة ، قالت إحداهن : أخواتك في الله “حنان” و “رحمة” و “بسمة” و “نجدة” و “عبادة”.. ما أجملهن .. وقدمت نفسي : “شجون” فردت إحداهن : ” بل فرح ” ثم اردفت مسرعة : ” فرح لا شجون” وأطلقوا علي اسم ” فرح” .
وسبحت معهن..سعادةٌ لم أعهدها من قبل ..ولكن كان علي أن أعود .. وتركوني على وعد بتكرار اللقاء؛ وقبل عودتي من داخل أعماقي مررت بشجرتي الجميلة الرائعة فهمست فى أذني : ” ابذلي شيئا من الجهد لإسعاد نفسك بنفسك ولاتجعلي الألم يتراكم ..ولا تسمحي لأحد أن يُنصِّبَ نفسه قاضيا عليك”
أولا بأول راجعي ذاتك .. فلتري الهواء لتصبح الشفافية تنير وجهك .. و منذ ذلك اليوم و مراجعة الذات بالنسبة لي شيء مقدس خاصة و قد قرأت يوما انها تعنى كفاءة النفس البشرية و قدرتها على ممارسة التأمل الداخلى لطبيعتنا الإنسانية و فهم الهدف الأسمى من وجودنا على هذه الأرض فضلا عن علاقتها الوطيدة بضميرنا الإنساني .
والحق أننى لم أعد أتخيل الحياة دون صديقاتى المقيمات على نهري السابحات في دمي ؛ فاما “حنان” و “رحمة” فالإنسان بدونهما أقرب للوحوش ؛ أما عن “بسمة” فهى أجمل وأيسر صدقة .. فالتبسم فى وجه الآخرين صدقة و تذكرة مرور لقلوبهم؛ وأما عن “نجدة” فهى إغاثة الملهوف و تجد حلاوتها في التو واللحظة وأنت تعيد الاطمئنان والسكينة للقلوب فتشعر برضا الله يحتويك ؛ وأما عن “عبادة” فلم يخلقنا الله الا من أجلها . وفحواها الشعور بالحماية الربانية ؛ وأما عن النهر الرقراق فهو الطهارة والنقاء ؛واما عن شجرتي الجميلة فهي الحب في الله ؛ فانا وكل أحبابي نستظل بها من عناء الدنيا و نطمع ان يظلنا بظله يوم لا ظل الا ظله.
وذات يوم اردت ان اعمم تجربة الغوص في أعماق دواخلنا والبحث عن تلك الشجرة التى فى الواقع ما هى الا انعكاس لمكنونات أنفسنا وعقلياتنا وعناصر شخصيتنا . فانتهزت مناسبة وجمعت الأخريات و أفصحت حينها عن فكرتي العاقلة جدا ؛على وعد من الحاضرات أن يخضن التجربة . فماذا حدث؟ قالوا دخلت فلانة المشهورة جدا بالنميمة وأذية طوب الأرض تبحث عن الشجرة التى بداخلها فافترستها حيوانات ضارية لم تكن تدري انها تلقي لها بلحوم الآخرين فتربت بداخلها ولم تعد من رحلتها ” يا الله نصيبها”. وهمست أخرى في أذني خضت التجربة منذ فترة و خرجت بأعجوبة و الان أجاهد نفسي بعد أن وضعت شتلة جميلة بداخلي ستغدو شجرة ظليلة بإذن الله