أن السياسة الخارجية المصرية، بعد ثورة الثلاثين من يونيو يمكن وصفها بأنها أصبحت أكثر شبابًا، وهو ما ظهر في زيارات الرئيس السيسي الخارجية لأكثر مناطق العالم، خاصة في أفريقيا، لاسيما بعد تقصير مطول في التمثيل الوزاري والرئاسي فيما قبل 30 يونيو.
استقلالية القرار الوطني ورغبة المصريين أن يكون القرار مستقلاً، وبالتالي القيادة السياسية تعبر عن مكنون أو مجموع الشعب المصري برغبته ألا تكون العلاقة المصرية الخارجية حصرياً لصالح هذا الطرف أو ذاك، فلذلك هناك تنوع في العلاقات المصرية ما بين الشرق والغرب والشمال والجنوب
أن استقلال القرار الوطني كان التحدي الكبير أمام الدولة المصري في أعقاب ثورة 30 يونيو، وحققت مصر مرادها بصورة كبيرة، وضرب المثل بالعلاقات المصرية الأمريكية
على الرغم من أن العلاقات المصرية الأمريكية شهدت تطورًا كبيرًا خلال عهد الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي، والأمريكي دونالد ترامب، إلا أن مصر رفضت بشكل قاطع عدة مطلب أمريكية من بينها طلبًا أمريكيًا بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في الصحراء الغربية على الحدود مع ليبيا. كما رفضت مصر الخضوع للتهديدات الأمريكية بخفض المساعدات المقدمة إلى مصر على خلفية قيادتها جهود دبلوماسية للحفاظ على القدس عاصمة للدولة الفلسطينية،
أن مصر جنت ثمار سياستها الخارجية الجديدة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن وترأس لجنة مكافحة الإرهاب بالمجلس، وترأس القمة العربية، والجمع بين عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي ورئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية المعنية بتغير المناخ، واختيارها لرئاسة الاتحاد الأفريقي اعتبارا من أول 2019 كما توثقت علاقات مصر بدول العالم وقواه الكبرى، وانعكس ذلك على إقدام العديد من الدول على دعم مصر ومساندة مشروعها الوطني سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
في معركة الاستقلال السياسي باسترجاع سيادته، فقد بقي عليه أن يخوض معركة الاستقلال الاقتصادي، باعتبار أن نتيجة هذه المعركة وحدها الكفيلة بضمان التحرر الكامل للامة المغربية. غير أن دراسة الحالة الاقتصادية والمالية “لا تكون كاملة وصحيحة، إلا إذا وضعت في سياق الظروف السياسة التي تحيط بها” في معركة الاستقلال السياسي باسترجاع سيادته، فقد بقي عليه أن يخوض معركة الاستقلال الاقتصادي، باعتبار أن نتيجة هذه المعركة وحدها الكفيلة بضمان التحرر الكامل للامة المغربية. غير أن دراسة الحالة الاقتصادية والمالية “لا تكون كاملة وصحيحة، إلا إذا وضعت في سياق الظروف السياسة التي تحيط بها”
في هذا الإطار، تبرز العديد من الأسئلة المهمة حول طبيعة الدور الذي لعبه المجتمع المدني في سياق مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو، وهل كان دوره هو الدافع للخروج على النظام ومطالبته بالرحيل؟ وكيف يمكن تقييمه بعد الثورة؟ وهل بالفعل بات إحدى آليات التحول الديمقراطي واحداث تغيير سياسي؟ وفى إطار الحديث عن الشباب، يلاحظ الكتاب ان الحركة الطلابية اتسمت بزخم شديد خلال فترة 30 يونيو وما بعدها نتيجة للتفاعل مع الأحداث السياسية التي مرت بها مصر. والسؤال الآن: ما مستقبل الحركات الثورية والشبابية بعد جل تلك التحديات التي تواجهها؟ في إطار العوامل السابقة، إن مهمة الحركات الثورية في مرحلة بناء الدولة ليست بالسهلة، في ظل افتقارها للخبرة السياسية والايديولوجية الواحدة، واختلاف المصالح وهو الأمر الذي يحتم عليها اللجوء إلى الانخراط في العمل السياسي من جديد والاستفادة من تجربتها السابقة ومحاولة تلافى سلبياتها.
في هذا السياق تبنت الحكومة مجموعة من سياسات الإصلاح والتطوير في شتى المجالات. ففي المجال الاقتصادي، وإضافة الى المشروعات العملاقة عملت الحكومة على توليد مصادر مالية جديدة وتحقيق الانضباط المالي. وتطرح هذه السياسات مفهوما للدولة وهو الدولة التنموية التي تقود قاطرة التنمية وتقوم بأدوار اقتصادية واجتماعية وتنهض على تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص
ويشير هذا التوجه الى تعاظم دور الدولة في المرحلة القادمة. بأن ثورة يوليو كانت لها نتائج كبيرة على الحياة الاقتصادية في مصر حيث تم إنشاء القطاع العام، فضلا عن إنشاء منظومة الدعم التي كانت تستهدف في الأساس الفئات الفقيرة، إلا أن هذه المنظومة لم تحقق الهدف المرجو منها حيث كانت تحصل عليها جميع فئات الشعب؛ مما كان يتطلب إصلاح الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد، “وهذا ما حدث بالفعل عقب ثورة 30 يونيو 2013 حيث تم اتخاذ قرارات شجاعة من شأنها إيصال الدعم لمستحقيه”.
غير أن عملية استعادة الدولة وكيانها تواجه في مصر في تقديري عددا من التحديات: التحدي الأول لكيان الدولة في أعمال العنف والإرهاب المنظمة التي طالت اغلب المحافظات، ويتمثل التحدي الثاني في تدهور الأوضاع المعيشية للفقراء ومحدودي الدخل وما يترتب على ذلك من اهتزاز لشرعية النظام.
ويتمثل التحدي الثالث في الحفاظ على استقلالية القرار الخارجي وإدارة علاقات إقليمية ودولية تقوم على أساس المصلحة الوطنية المصرية. ويتمثل التحدي الرابع في إدارة عملية انتقال إلى الديمقراطية تحقق المطالب الشعبية في المشاركة وضمان نزاهة الحكم.
وجاءت مسيرة البناء لتشكل منعطفا جديدا ضمن التحديات الكبرى التي اعتادت مصر على رفعها خاصة وأنها كانت بإجماع الشعب المصري بكل مكوناته على خوض رهان الوحدة الترابية وتجنيد الطاقات الوطنية على مختلف الأصعدة لقطع الطريق على خصوم الوحدة الترابية لمصر.
فإن التحولات الاقتصادية التي ألقت بظلالها القاتمة على الاقتصادات الإفريقية، وزادت الصراعات العرقية والحروب الأهلية، وأدت إلى انتشار آفات الفقر والجوع والمرض، وما تبعها من تحويل القارة إلى بؤر خطيرة للتوتر، يؤكد أهمية النظر إلى إفريقيا بعين جديدة، كبعد هام وخطير من أبعاد الأمن القومي العربي وتأسيس خارطة عالمية جديدة تقوم على احترام حقوق جميع البشر في الحياة، مثلهم في إفريقيا مثل سكان أوروبا وغيرها من دول الغرب المتقدم. وتأتى المحاولات واليقظة العربية لإفريقيا أخيرًا بعد صراع من دول الغرب على القارة البكر بثرواتها، فهناك فرنسا التي تنظر إلى منطقة الشمال الإفريقي كمركز لنفوذها التقليدي وإرثها الاستعماري، رغم حركات التحرر، والمنافسة الأمريكية على النفط الإفريقي، هذا بالإضافة إلى الصين التي بدأت مشروعها الضخم لأجل بناء وترسيه قواعدها في إفريقيا، بمشروع “الحزام والطريق” الذي أطلقته خلال السنوات الماضية.
وانطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية والسياسية بين المحور العربي والإفريقي، تنبهت الإدارة المصرية سريعًا لأهمية ذلك التلاحم، وهو ما برز بوضوح في مؤتمر الشباب بأسوان، والذي حمل عنوان التكامل العربي الإفريقي، فمصر بمكانتها المحورية والرائدة عربيًا، ومكانتها الإفريقية كرئيس للاتحاد الإفريقي رسميًا يعطيها تلك المساحة التاريخية والحضارية لتبقى قلب التلاحم بين العرب والإفارقة دون غيرها.
وتنطلق مصر صوب تنمية القارة السمراء، وقد اتخذت مبدأ تكافؤ الفرص، فالدولة المصرية لديها العديد من المشروعات الاستثمارية والأيدي العاملة الخبيرة إضافة إلى رجال أعمال كثُر، فيما تمتلك القارة السمراء أيضًا استثمارات ومشروعات تحتاج إلى خبرتنا الواسعة في تنفيذها، ولعل السد التنزاني الذي وقعت شركة “المقاولون العرب”
عقد إنشائه خير دليل على ذلك. وتطمح القارة الإفريقية نفسها إلى الاستثمارات العربية، فقد اعتبر جان بينح، رئيس الاتحاد الإفريقي السابق، أن الاستمارات العربية هي أفصل وسيلة لتخفيف حدة الفقر والتوترات، للحفاظ على أمن وسلامة المجتمعات الإفريقية وتحقيق النمو بها، وينظر الكثير من أبناء القارة السمراء إلى الاستثمارات العربية على أنها استثمارات شريكة لا أطماع فيها، وأنها تحقق توازن مصالح مشتركة لبناء الحضارة الإنسانية.
ولأن القارة الإفريقية هي مطمع استراتيجي لكل الدول القوية، تطمح لاستغلالها كعمق استراتيجي لها، نظراً للموقع الجغرافي المهم الذي يؤثر على حركة السياسة الدولية والإقليمية، وممرات الملاحة الدولية، وإطلالة إفريقيا على الممرات الملاحية الرابطة بين قارات العالم، فقد كان لها أثرًا واضحًا في تأمين صادرات النفط الخليجية، التي تعتمد بنسية 90% على عائدات النفط، وكذلك واردات السلع والخدمات، علاوة على أهمية سوقية حقيقية في مواجهة أي تحرك عسكري في المنطقة.
دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان