“محاذير للأسرة للتعامل مع النشء ودور الوالدين في التنشئة”
عمرو الورداني: غياب الدعم الأسري للشباب يؤدي إلى انضمامهم للتيارات المتشددة
الاخبارية – عادل ابراهيم
ناقش “د.عمرو الورداني” أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية في لقائه ببرنامج “هنا العاصمة” بعض الأمور الهامة التي تخص التعامل مع النشء، ودور الوالدين في عملية التنشئة، والمحاذير التي يجب أن يتجنبوها حتى لا تؤثر سلبًا على النشء.
وفي محاولة من “د.عمرو الورداني” لتوضيح علاقة الكبار بالكلام عن مشكلة تتعلق بالنشء، ذكر أن في وحدة الإرشاد الأسري بدار الإفتاء المصرية -وهي وحدة معنية بالبحث- وجدوا أن 80% من المشاكل الأسرية سببها أخطاء في التنشئة، فعلى سبيل المثال عندما يمارس زوج العنف مع زوجته نجد بعد التحليل أن هذا الشخص كان يُمارَس العنف إما مع أمه أمامه، أو معه شخصيًا، أو مع أخته، فصار العنف بشكل من الأشكال جزءًا من تكوينه الشخصي، لذلك فهو يمارسه. وأضاف أنه بالبحث نجد أن هذا الشخص الذي لديه عنف لفظي ونوع من القباحة اللفظية كان يُمارَس أمامه هذا في التنشئة كما أنه يُمارَس عليه أيضًأ، لذلك فهو يعتبر أن جزء من أجزاء تخلُّصْه من عقدة عدم استطاعته التعبير عنه أن يستخدم هذه الألفاظ.
وأفاد أن هذا الشخص كان من الممكن أن يتعامل بشكل أفضل إذا قابله شخص يستطيع أن يُعدِّل مساره السلوكي. فهناك أساس في السلوك وهو أن “السلوك ظِل وليس أصل”؛ فالسلوك ظِل لما نتبناه من مشاعر ومهارات وأفكار، فإذا كانت الأفكار سوداء فمن المؤكد أن سلوكنا سيكون أسود، إذن فالسلوك ظِل لما في بواطننا، والباطن هو الأساس.
واستكمل “د.عمرو الورداني” حديثه موضِّحًا أننا نعرف من مهارات التواصل (Communication Skills) أن العين مغرفة القلب، فما في القلب يظهر على العينين، فإذا دخل للشخص شيئًا ما في اللاوعي لن تستطِع أن تمنعه من الظهور في أي وقت من الأوقات. ولذلك أخطاء التنشئة تسمَّى “الإرث الأسود والثقيل” الذي نحمله ولا نعرف بأي طريقة ولا بأي منتج سيظهر.
وصرَّح أن كثيرًا ما اشتكى له المترددين على الاستشارات الأسرية من أنهم لا يعرفون لماذا يفعلون ذلك، وبعد البحث معهم يقولون أن السبب الذي قاله لهم يرجع إلى أنهم في أثناء التنشئة اطَّلعوا على العورات في سن مبكر فأصبح عندهم تلصص جنسي، وصاروا مُهيَّأين لفكرة الخيانة.
وعن سبب تأثر النشء بشكل كبير بالألعاب التكنولوجية العنيفة الرائجة حاليًا، فلقد أرجعه “د.عمرو” إلى أن ما يرونه فيها يكون خاليًا من بعض أخطاء التنشئة التي نرتكبها معهم، فيحاول النشء أن يقوم بالتنشئة الذاتية؛ فينشِّئ نفسه بنفسه، فيشاهد العنف كي يبني في خياله أنه قادرًا على أن يكون بهذا العنف فيقدر على حماية نفسه من كل المخاطر التي يتعرض لها بسبب عيوب التنشئة.
وذكر أهم عيوب التنشئة التي نرتكبها مع أولادنا، فكان أول عيب هو: “رفع سقف التوقعات”، وهو المسؤول عن تهميش أغلب أولادنا. وقال أن الحاصلون على نسبة تتراوح من 60~95% هم ناجحون، ولكننا نجعل النجاح مشكلة، فكل الناجحين إن لم يكونوا أوائلًا يتحولون إلى أشخاص مهمشين. والشخص الحاصل على المرتبة الأولى هو الشخص الذي يستحق التقدير والاحترام، ويستحق المكانة، فتحول النجاح نفسه إلى مشكلة. وعندنا كثير من الأولاد لديهم لامبالاة ولا يحتاجون للنجاح فيتحول النجاح إلى عبء، ولذلك لماذا كنا نستغرب من كَمّ الانهيارات العصبية التي تحدث أثناء الثانوية العامة؟! وأعرب “د.عمرو الورداني” عن أمله في أن يعالج النظام الجديد هذه المسألة. وأضاف أننا نتعامل مع النشء على أنه لابد أن يلتحق بكليات القمة، وإلا كان إنسانًا ناقصًا وآدميته ناقصة، ونحطم كل مكونات الذات عنده ومنها العقل.
وأوضح أن واجب الوقت الآن أن نتطور، ولا يمكن أبدًا أن يستمر تطور هذا الوقت ثم لا نستطيع أن نعيش هذا التطور. أن من بقايا حكمة آل لقمان أن يكون “المؤمن عالِمًا بشأنه مدركًا لزمانه”، فلابد إن كان المؤمن مؤمنًا حقًا أن يكون مدركًا لزمانه. وقال أننا عشنا مع تيارات ترفض الواقع والعصر والمجتمع فأدَّى ذلك إلى كثير من الإحباط الذي نراه الآن.
وأضاف “د.عمرو الورداني” للأخطاء التي تُرتَكَب في التنشئة ما يسمَّى ب “التفويت أو التفريط في صناعة الذكريات مع الأطفال”، وأوضح أنه شيئًا مؤلمًا، فالشباب عندما يسمعون هذا الكلام سيشعرون بالتأثر الشديد لأن آبائهم لم يحضروا معهم حفل تخرجهم من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الإعدادية والثانوية مثلًأ، ولم يحضروا معهم البطولات الرياضية التي شاركوا فيها. فالمشكلة في الحقيقة أنهم لم يطلبوا أن يكون الأب أو الأم موجودين معهم ولكنهم بعد ذلك سيذكرون هذه المواقف ويشعرون أنهم “إنسان من الدرجة الثانية” لأنهم لو كانوا أهم من العمل عند الأب، أو أهم من البيت أو الأصحاب عند الأم كانوا سيحضرون معهم البطولة الرياضية التي يشاركون فيها.
وحذَّر من أنه إذا ظل الشاب طول الوقت يبحث عن السند والدعم ولم يجده سيضطر إلى أن يبحث عنهما في أي مكان. ونلاحظ أن بعض التيارات التي اختطفت أولادنا فعلت ما يسمَّى ب “الأسرة البديلة”، مثل تيار الجماعة الإرهابية التي قامت بإنشاء ما يسمَّى بالأسرة وفي داخل كل أسرة أخ أكبر لكي يتم احتضان الطفل بشكل كامل.
وفي نهاية اللقاء أضاف “د.عمرو الورداني” من ضمن الأخطاء في التنشئة أن “يكون المُنَشِّئ بديل عن ابنه” فيقوم بكل المهام الحياتية ويجعل ابنه مُنَحَّى ولا يمارس أي عمل من أعمال العيش والحياة والخبرات، فيصبح الابن عالة. وختم حديثه قائلًأ: دائمًا نقول أن النخل لا يُنتِج إلا إذا ابتعد عن النخلة الأصلية تسعة أمتار، وهذا معناه أننا لابد أن نحافظ على استقلال أولادنا وعلى خصوصيتهم، وألّا نمحو شخصيتهم. �p�n��