كتب ابراهيم احمد
تشهد سلوكيات وتوقعات المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط تغيرات متسارعة، في الوقت الذي يتطلع فيه تجار التجزئة إلى المضي قدماً في مواكبة الاتجاهات الناشئة بين أوساط العملاء، وفقاً لما جاء في دراسة حديثة صادرة عن “أورينت بلانيت للأبحاث”، الوحدة المستقلة التابعة لـ “مجموعة أورينت بلانيت”، وشركة “جلال وكراوي للاستشارات الإدارية”. وأفادت نتائج الدراسة بأنّ الحدود الفاصلة بين نموذجي التسوق الإلكتروني والتقليدي غير واضحة المعالم، حيث يتجه المستهلكون في الوقت الراهن إلى الدمج بين النموذجين خلال تجارب الشراء، الأمر الذي يفسر استمرار تواجد متاجر التجزئة التقليدية على الرغم من النمو المطرد الذي يشهده قطاع التجارة الإلكترونية إقليمياً. وبالمقابل، أشارت الدراسة إلى أنّ تجاهل أهمية التواجد على شبكة الإنترنت يمكن أن يؤثر بصورة سلبية على تجار التجزئة.
ولفتت الدراسة إلى أنّ تجار التجزئة يضعون تركيزهم بالدرجة الأولى على تعزيز تجربة العملاء، في محاولة للارتقاء بقدراتهم التنافسية ضمن الأسواق المستهدفة واستقطاب انتباه شريحة أوسع من المشترين. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة، يشهد الوقت الراهن تراجعاً ملموساً في مستويات الولاء للعلامات التجارية، حيث يميل المستهلكون في كثير من الأحيان إلى الابتعاد عن شراء علاماتهم التجارية المفضلة وتبني خيارات أخرى تضمن تحقيق قيمة أفضل مقابل المال. وتأتي نتائج دراسة “أورينت بلانيت للأبحاث” و”جلال وكراوي للاستشارات الإدارية” متوافقةً مع رؤى واستنتاجات “ماكينزي” (McKinsey)، شركة الاستشارات الإدارية العالمية، والتي أشارت إلى تزايد إنفاق المستهلكين في الشرق الأوسط على التسوق الإلكتروني، بالتزامن مع تنامي الوعي وتزايد الاهتمام بتحقيق القيمة مقابل المال، فضلاً عن انخفاض مستويات الولاء للعلامات التجارية. وتماشياً مع الاتجاه الجديد، أصبحت العلامات التجارية تعتمد بشكل أكبر على تبنّي النماذج الذكية والقائمة على البيانات لتقديم تجارب تسوق متكاملة تحقق رضا العملاء.
وأفادت نتائج الدراسة بأنّ معظم أعمار المتسوقين عبر الإنترنت غالباً ما تتراوح بين 25 و44 عاماً، على الرغم من الاتساع المطّرد في نطاق شريحة عملاء التسوق الإلكتروني. وترى شركات التجزئة أن الإعلانات المدفوعة تعتبر إحدى الأدوات الفعالة للوصول إلى هذه الشريحة المستهدفة، فضلاً عن الاستفادة من المزايا الإضافية التي توفرها المنصات الإعلانية، مثل عرض المنتجات وإعادة التسويق والإعلانات التسويقية. وبالمقابل، تتيح توصيات المنتجات المخصصة والقائمة على تكنولوجيا “الذكاء الاصطناعي” عبر المنصات الإلكترونية فرصة هامة لتجار التجزئة لضمان الحصول على أفضل النتائج، وهو ما أكدته “مايكروسوفت” (Microsoft) و”وبيه.إس.إف.كيه” (PSFK) في كتابهما الصادر بعنوان “دليل اتجاهات البيع بالتجزئة 2020” (Retail Trends Playbook 2020).
وتشير أبحاث متخصصة إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المنطقة الأسرع نمواً بين أسواق التجارة الإلكترونية، مدفوعةً بمعدل نمو سنوي قدره 25 في المائة. ويعود النمو المطّرد بالدرجة الأولى إلى عوامل عدة، أبرزها سهولة التسوق وسرعة التسليم إلى جانب تنوع خيارات الدفع والقدرة على التحقق من جودة المنتج من خلال التقيييمات والتصنيفات المدرجة من قبل العملاء الآخرين قبل إتمام عملية الشراء. وتعتبر دولة الإمارات الأكثر تقدماً في مجال التجارة الإلكترونية على المستوى الإقليمي، تليها المملكة العربية السعودية. وتوقعت دراسة متخصصة حول التجارة الإلكترونية أجرتها شركة “فيزا إنك” (Visa Inc) في يونيو 2019 بأن يحقق قطاع التجزئة في دولة الإمارات، بشقيه التقليدي والإلكتروني، نمواً ملموساً في الإيرادات بما يصل إلى 63.8 مليار دولار بحلول عام 2023. وبالمقابل، صنفت شركة “ديلويت” (Deloitte) في تقريرها السنوي الصادر بعنوان “القوى العالمية في تجارة التجزئة”، كل من “مجموعة اللولو” و”شركة ماجد الفطيم القابضة” في دولة الإمارات من بين أفضل 250 شركة استطاعت تحقيق أقوى معدلات النمو خلال السنة المالية 2017.
وقال نضال أبوزكي، مدير عام “مجموعة أورينت بلانيت”: “تشهد منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط تطورات متسارعة، ما يؤكد الحاجة الملحّة لتحديد الاتجاهات الناشئة، لا سيّما التجارة الإلكترونية. وتتنامى حالياً أهمية تبنّي منهجيات واضحة تضمن توظيف التكنولوجيا الرقمية في استقطاب العملاء وتعزيز الولاء للعلامات التجارية ضمن الأسواق المستهدفة. ونضع على عاتقنا مسؤولية متابعة المتغيرات المتلاحقة واستكشاف التطورات الحاصلة إقليمياً، في سبيل خلق وعي أفضل حول واقع ومستقبل السوق، مع تسليط الضوء على الاستراتيجيات الجديدة والممارسات الناجحة ضمن مختلف القطاعات الحيوية.”
وأضاف أبوزكي: “يساهم التحوّل الرقمي المتسارع في جعل الابتكار جزءاً لا يتجزأ من آلية استقطاب العملاء وأداةً فاعلة للتسويق وتفعيل قنوات التواصل الفعال مع الفئات المستهدفة. لذا، بات يتوجب على الشركات التركيز على مواكبة الاتجاهات الناشئة، في خطوة من شأنها تعزيز وتوسيع نطاق علاماتها التجارية وزيادة المبيعات وتحسين مستويات ولاء العملاء، فضلاً عن الارتقاء بمكانة منتجاتها وخدماتها ضمن الأسواق. وتدرك شركات تجارة التجزئة في منطقة الشرق الأوسط طبيعة التطورات الجارية في الأسواق الإقليمية، ما يدفعها إلى مواصلة تحقيق أداء استثنائي ونمو مطّرد على مستوى العالم.”
من جهته، قال عاصم جلال، الشريك المؤسس لشركة “جلال وكراوي للاستشارات الإدارية”: “لا يمتلك المستثمرون ضمن قطاع تجارة التجزئة التقليدية خياراً سوى الارتقاء إلى مستوى توقعات العملاء وتقديم تجربة متميزة لهم عبر تبنّي أحدث منهجيات التسويق وتوظيف قنوات البيع المتعددة والشاملة، من أجل الحفاظ على أعلى مستويات المنافسة مع رواد التجارة الإلكترونية الإقليمية والعالمية. وتتطلب قنوات التسويق المتعددة تبني استراتيجية جديدة تتماشى مع متطلبات المستهلكين الجدد الذين يتسوقون عبر قنوات مختلفة. كما تحتاج أيضاً إلى إعادة هيكلة العمليات وإعادة تدريب الموظفين، إضافة إلى مواكبة التطورات التكنولوجية، والتي تشمل عادةً تصميم وإطلاق تطبيقات الهاتف المحمول.”
وقالت ندى إسماعيل، مديرة تطوير الأعمال الإقليمية في “شركة جلال وكراوي للاستشارات الإدارية”: “تؤكد نتائج الدراسة بأنّه يتوجب على الشركات اليوم عدم تجاهل أهمية التجارة الإلكترونية ودورها المحوري في تعزيز مستوى المبيعات، ما يحتم ضرورة إيجاد طرق مبتكرة للمزج بين المنصات المختلفة لتزويد العملاء بتجربة تسوق سلسة وكسب ولائهم ورضاهم. وتحول المستهلكون في الوقت الراهن إلى متسوقين عبر منصات متعددة، حيث يتجهون إلى التسوق في المتاجر التقليدية ومواقع التجارة الإلكترونية على السواء. وتفيد الدراسات المتخصصة بأنّ تجار التجزئة التقليدية، ممن تبنوا نهج شامل ومتعدد خلال بيع منتجاتهم، نجحوا في تحقيق نتائج أفضل خلال تخفيضات “الجمعة السوداء” و”إثنين الإنترنت”. إذ قام الكثير من العملاء، والذين حرصوا على التحقق من المنتجات في المتاجر قبل انتهاء المبيعات، بشرائها عبر الإنترنت باستخدام تطبيق الهاتف المحمول أو موقع الويب أثناء العروض الترويجية، لتجنب الازدحام في المتاجر وتوفير عناء تأمين مواقف للسيارات في ظل الإقبال الكثيف على مراكز التسوق.”
وأشارت الدراسة، التي أعدتها “أورينت بلانيت” و”جلال وكراوي”، إلى أن متاجر التجزئة في منطقة الشرق الأوسط تستكشف اليوم طرقاً جديدة للتكيف مع السلوكيات المتغيرة للمستهلكين، والتي تتميز عادة بمستويات عالية لاستخدام التقنية الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، كشفت تجارب التسوق وفعاليات البيع بالتجزئة مثل “الجمعة السوداء” و”الجمعة الصفراء” و” الجمعة البيضاء” وغيرها من عروض البيع بالتجزئة، بأنه في الوقت الذي يتزايد فيه إقبال الناس على شراء حاجياتهم عبر الإنترنت، تواصل المؤسسات التجارية ومتاجر التجزئة التقليدية النمو والازدهار.
ويشير مصطلح “ويب برومينغ” (Webrooming) إلى قيام المتسوق بتصفح المتاجر الإلكترونية والاطلاع على منتجاتها واستعراض التقييمات الخاصة بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية قبل أن يقرر شراء منتج مماثل من المتجر التقليدي. كما يشير مصطلح “شورومينغ” (Showrooming) أيضاً إلى المتسوقين الذين يقومون بزيارة المتاجر التقليدية لرؤية المنتج ومن ثم الولوج إلى الإنترنت للحصول عليه بسعر أرخص. وقد يقوم البعض بهذه العملية وهم داخل المتجر، وذلك باستخدام هواتفهم المحمولة.
ونصحت الدراسة متاجر التجزئة التقليدية بتنفيذ استراتيجية القنوات الشاملة وتبني خطة تسويقية تتيح للمستهلكين مشاركة متكاملة ومستمرة مع العلامة التجارية باستخدام قنوات متعددة مثل المتاجر التقليدية وصفحات الويب وشبكات التواصل الاجتماعية والتطبيقات الذكية والهواتف المحمولة، بما في ذلك المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف المحمولة والمتاجر التقليدية، وذلك في سبيل الحفاظ على تنافسيتها ضمن الأسواق المستهدفة. ولفتت الدراسة أيضاً إلى أن إحدى المزايا الرئيسية للقنوات المتعددة تتمثل في قدرتها على توفير تجربة استهلاكية فريدة للمتسوقين.
واختتمت الدراسة التي أعدتها “أورينت بلانيت للأبحاث” و”جلال وكراوي للاستشارات الإدارية” بالتأكيد على أنّ الشعبية المتنامية لتطبيقات الهاتف المحمول الخاصة بتسوق الاحتياجات المنزلية في المنطقة تكشف عن اتجاه جديد يشير إلى أن المتاجر لم تعد قادرة على تجاهل دور التجارة الإلكترونية، وأن حضور هذه المتاجر على الإنترنت أو في سوق تطبيقات الهاتف المحمول أو امتلاك تطبيق خاص بها للهاتف المحمول سيضيف قيمة كبيرة لأعمالها، مع ضمان توفير أعلى مستويات الراحة للعملاء والمتسوقين. وخلصت الدراسة إلى أن العلامات التجارية تعمل على تعزيز تجربة المستهلكين في كل نقطة تواصل وتفاعل معهم، سواء أكان ذلك في منصة رقمية أو في متجر تقليدي.