شكري: العالم خرج عن المسار الصحيح لأهداف باريس
تمويل الإصلاح .. محور التركيز في “شرم الشيخ” بعد سنوات من التجاهل!
الولايات المتحدة تعارض بشدة ..تعويض المتضررين!!
جهود مكافحة التغيرات المناخية.. غير كافية!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
أظهر تقرير جديد للأمم المتحدة حول تغير المناخ أن منحنى انبعاث غازات الاحتباس الحراري العالمية في حالة هبوط، لكن الجهود الدولية لا تزال غير كافية للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فقط بحلول نهاية القرن.
ووفقًا للتقرير، فإن التعهدات المناخية المجمعة لـ 193 طرفًا بموجب اتفاقية باريس يمكن أن تتجه بالعالم نحو 2.5 درجة مئوية من ارتفاع درجات الحرارة بحلول نهاية القرن.
كان تحليل العام الماضي قد أوضح أن الانبعاثات المتوقعة ستستمر في الزيادة إلى ما بعد عام 2030. ويُظهر تحليل هذا العام أن الانبعاثات لن تزداد بعد عام 2030، لكنها لا تُظهر الاتجاه الهبوطي السريع، الذي يقول العلم أنه ضروري خلال هذا العقد.
تقرير هذا العام هو الثاني من نوعه الذي تصدره الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ويقدم تحديثًا هامًا للتقرير التجميعي الافتتاحي الذي صدر العام الماضي. ورغم أن النتائج الإجمالية للتقرير صارخة، فإن هناك بصيص أمل.
التقرير الآخر يدور حول استراتيجيات التنمية طويلة الأجل منخفضة الانبعاثات، وينظر في خطط الدول للانتقال إلى انبعاثات صافية صفرية بحلول منتصف القرن.
ويظل الوصول إلى العديد من أهداف صافي الصفر انبعاثات غير مؤكد وتؤجِّل الدول إلى المستقبل ما يجب القيام به الآن. هناك حاجة ماسة للعمل المناخي الطموح قبل عام 2030 لتحقيق الأهداف طويلة الأجل لاتفاق باريس.
ويضيف التقرير أنه يجب على الحكومات إعادة النظر في خططها المناخية وجعلها أقوى لسد الفجوة بين الاتجاه الحالي للانبعاثات والهدف الذي يشير العلم إلى ضرورة الوصول إليه خلال هذا العقد.
كان سامح شكري، وزير الخارجية والرئيس المعين لمؤتمر COP27بشرم الشيخ: “سيكون المؤتمر لحظة عالمية فاصلة بالنسبة للعمل المناخي”. إن زيادة الطموح والتنفيذ العاجل أمران لا غنى عنهما لمعالجة أزمة المناخ. وهذا يشمل خفض الانبعاثات وإزالتها بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع من جانب القطاعات الاقتصادية، لحمايتنا من التأثيرات المناخية الأكثر شدة، والخسائر والأضرار المدمرة “.
وأضاف شكري: “التقرير التجميعي هو شهادة على أننا خرجنا عن المسار الصحيح لتحقيق هدف باريس للمناخ. هذه لحظة واقعية، ونحن في سباق مع الزمن. العديد ممن يُتوقع منهم القيام بالمزيد، بعيدون كل البعد عن القيام بما يكفي، وعواقب ذلك تؤثر على الحياة وسبل العيش في جميع أنحاء العالم. إنني أدرك أن هذه النتائج المثيرة للقلق تستوجب حدوث تحول كبير في COP27 “.
ويقدم تقرير الأمم المتحدة عن حالة العمل المناخي لعام 2022 تقييمًا شاملاً للفجوة العالمية في العمل المناخي عبر الأنظمة الأكثر تسببًا في الانبعاثات، مع تسليط الضوء على المواضع التي يجب أن يتسارع فيها التقدم في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتوسيع نطاق إزالة الكربون، وزيادة تمويل المناخ خلال العقد المقبل.
يستعرض التقرير التحولات التي ترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، التابعة للأمم المتحدة، أنها ضرورية للحد من ارتفاع حرارة الأرض، مثل التخلص التدريجي من استخدام الفحم في توليد الكهرباء، ووقف إزالة الغابات بشكل فعال.
قال التقرير إن هناك 40 مؤشرًا تم تقييمها، ولا يوجد أي منها على المسار الصحيح للوصول إلى أهداف 2030. توجد ستة مؤشرات تسير في الاتجاه الصحيح بسرعة واعدة ولكنها غير كافية، بينما يتجه 21 أيضًا في الاتجاه الصحيح ولكن أقل بكثير من الوتيرة المطلوبة. وتتجه خمسة مؤشرات في الاتجاه الخاطئ تمامًا، بينما لا تزال البيانات غير كافية لتقييم المؤشرات الثمانية الأخيرة.
ورغم التقدم البطيء، هناك بعض العلامات المشجعة. يتزايد اعتماد العالم على مصادر الطاقة الخالية من الكربون ومنها مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح. من عام 2019 إلى 2021، زاد توليد الطاقة الشمسية بنسبة 47% وطاقة الرياح بنسبة 31%.
كما بدأ التحول إلى السيارات الكهربائية (EVs)، حيث شكلت حوالي 9% من مبيعات سيارات الركاب عام 2021، أي ضعف العام السابق. وبلغت الحصة العالمية في مبيعات الحافلات الكهربائية 44% في 2021، حيث ارتفعت من 2% فقط في 2013، بزيادة تتجاوز 20 مرة في أقل من عقد من الزمان.
هذه النقاط المضيئة واعدة لكنها، وحدها، لا تحقق التحولات اللازمة للحد من ارتفاع حرارة المناخ. ورغم النمو في استيعاب مصادر الطاقة المتجددة، لم تشهد نسبة الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة الخالية من الكربون أي تغيير منذ عام 2000، لأن إجمالي توليد الكهرباء ارتفع على مستوى العالم.
يستمر توليد الكهرباء من الفحم في التوسع دون هوادة، رغم انخفاض نسبته في جميع أنحاء العالم، ولا تزال الكهرباء القائمة على الغاز الأحفوري في ارتفاع. وتعمل هذه الاتجاهات على تبديد المكاسب في الطاقة الخالية من الكربون.
والانتقال للمركبات الكهربائية يمثل جانبًا واحدًا فقط من تحويل أنظمة النقل، فلا تزال جهود التحول إلى وسائل نقل أكثر استدامة، مثل النقل العام أو المشي أو ركوب الدراجات، بعيدة عن المسار الصحيح.
ولتحقيق الأهداف المتوافقة مع 1.5 درجة مئوية، يجب على العالم:
• التخلص التدريجي من توليد الطاقة بالفحم بمعدل أسرع بست مرات، وذلك بإيقاف 925 محطة فحم سنويًا.
• تحسين كثافة استخدام الطاقة بمعدل أسرع خمس مرات للمباني التجارية وسبع مرات للمباني السكنية.
• تقليل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من إنتاج كل طن إسمنت بأسرع عشر مرات.
• التوسع، أسرع بست مرات، في وسائل النقل العام، ومنها المترو، وقطارات السكك الحديدية الخفيفة، وشبكات النقل السريع بالحافلات، في المدن الأكثر تسببا في الانبعاثات.
• تقليل معدل إزالة الغابات 2.5 مرة أسرع، بما يعادل تجنب إزالة الغابات بما يعادل جميع الأراضي الصالحة للزراعة بسويسرا سنويًا.
• التحول إلى أنظمة غذائية أكثر صحة واستدامة أسرع بخمس مرات، وذلك خفض استهلاك الفرد من لحوم الحيوانات المجترة إلى 2 برجر في الأسبوع بأوروبا والأمريكتين وأوقيانوسيا.
• التخلص التدريجي من دعم الوقود الأحفوري أسرع بخمس مرات، بما يعادل خفض الدعم بمتوسط 69 مليار دولار سنويًا.
الاستثمار في البحث والتطوير لتقنيات خالية من الانبعاثات؛ ووضع التزامات مناخية طموحة ومتابعتها؛ وتغيير السلوكيات والأعراف الاجتماعية في تسريع التقدم عبر جميع المؤشرات الأربعين.
فاتورة المواجهة
وتُقدر فاتورة مكافحة تغير المناخ بـ 4.3 تريليون دولار. وهذا المبلغ سيواجه الولايات المتحدة وغيرها من كبار ملوثي الغلاف الجوي بالكربون في قمة شرم الشيخ COP27.
هذه هي التكلفة الإجمالية المقدرة للتكيف والانتقال إلى الطاقة النظيفة، كما هو مقترح في خطط المناخ الوطنية لكل دولة بموجب اتفاقية باريس، وذلك فقًا لتحليل أجراه معهد الموارد العالمية في 19 أكتوبر. وطلبت 89 دولة على مستوى العالم تمويل عمليات علاج تغيرات المناخ، ومعظمها من البلدان الضعيفة وذات الدخل المنخفض.
حتى الآن، تمكنت الدول الغنية فقط من جمع حوالي 83 مليار دولار سنويًا لدفع ثمن ذلك، متخلفة عن هدفها المعلن وهو 100 مليار دولار على الأقل سنويًا بحلول 2020.
ويرى تقرير لتيم ماكدونيل على موقع كوارتز أنه “مع ارتفاع تكاليف تغيرات المناخ، تعد هذه الأرقام مصدرًا رئيسيًا للتوتر في شرم الشيخ. يطلب المزيد من الدول مساعدة مالية للتعامل مع تغير المناخ، مما يضيف ضغوطًا على الدول الأكثر ثراءً لدفع الأموال، حيث ساهمت هذه الدول بأكبر قدر من الانبعاثات. وبصفة مصر مضيفة الحدث، فقد وعدت بجعل تمويل إصلاح المناخ محور التركيز، بعد سنوات من التجاهل.”
ستكون الخسائر والأضرار قضية رئيسية في COP27
يقع تمويل المناخ في عدة فئات. الأولى تتعلق بأنشطة الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وعادة ما تنفق حكومات الدول النامية هذه الأموال على وضع وإنفاذ اللوائح البيئية، وتحسين الممارسات الزراعية، وبناء مرافق الطاقة المتجددة، وغيرها من أولويات خفض الكربون.
الفئة الأكثر إثارة للجدل في تمويل المناخ، والتي يتم تقديمها حاليًا على نطاق ضيق فقط، هي “الخسائر والأضرار”. هذه التكاليف ناجمة عن تأثيرات مناخية قاسية لا يمكن تجنبها في البلدان النامية. في عام 2015، كرس اتفاق باريس المبدأ القائل بأن جميع الموقعين “يدركون أهمية تفادي وتقليل ومعالجة” الخسائر والأضرار. لكنه لم يصل بدقة إلى تحديد مسؤوليات محددة لأهم الدول التي تسببت في الانبعاثات التي حدثت في الماضي، مما يسهل على هذه الدول التهرب من أي التزام مالي.
ومنذ ذلك الحين، ضغطت الدول المعرضة للخطر، بقيادة الدول الجزرية مثل جزر المالديف، لإنشاء آلية رسمية للأمم المتحدة لتقييم الأضرار وجمع التعويضات.
في يونيو، قدّر تحالف من 55 دولة -بين أكثر الدول عرضة للتأثر بالمناخ في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية -أنها خسرت ما لا يقل عن 525 مليار دولار، أي ما يعادل خمس الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2000، نتيجة لتغير المناخ.
ومن المتوقع أن يواجه جمع التعويضات معارضة قوية من دول مثل الولايات المتحدة، التي ضغطت بشدة ضد إنشاء صندوق رسمي “للخسائر والأضرار”. قام المفاوضون في قمة جلاسكو COP26بتأجيل أي قرارات نهائية بشأن نظام الخسائر والأضرار الرسمية، ولم تتم إضافة الموضوع رسميًا إلى أجندة مفاوضات(COP27) وهو أمر يتطلب موافقة جميع الدول في وقت مبكر من المحادثات.
لكن ليس من الواضح أن الولايات المتحدة مستعدة للتزحزح. نظرًا للتكلفة الهائلة، قال كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لشؤون المناخ، جون كيري، في سبتمبر، إنه لا يشعر “بالذنب” بشأن النقص في تمويل الخسائر والأضرار فلا يمكن لأي حكومة على وجه الأرض تحمل التعويض عن الحجم الحقيقي لتكاليف الخسائر والأضرار، حيث قال إنها تقدر بـ “تريليونات الدولارات“.
حاليًا، ربما تأمل أفضل الدول الضعيفة في الحصول على مدفوعات صغيرة لمرة واحدة من الدول المتعاطفة، ومعظمها في أوروبا. خلال COP26 كانت اسكتلندا أول حكومة تتعهد بتمويل الخسائر والأضرار، بمبلغ مليوني جنيه إسترليني. وتابعت بلجيكا والدنمارك بالتزامات مماثلة.
بالنسبة لراكيل موسى، سفير المناخ الخاص للأمم المتحدة من ترينيداد، لا يمكن اعتبار مؤتمر الأطراف ناجحًا دون إحراز تقدم ملموس بشأن الخسائر والأضرار.
يقول مونتيري من بنما إن كل عام يمر دون تعويض مناخي، تغرق البلدان الأكثر ضعفاً في الديون الناجمة عن تغير المناخ.
وتشير نينا جيفز، الباحثة البيئية، بمركز أبحاث كاتمان هاوس Chatham House إلى أن هذا الغموض قد يفتح أيضًا نافذة للمفاوضين لوضع تمويل الخسائر والأضرار في إطار المساعدات الإنسانية التي تقدمها الدول الغنية بشكل روتيني، وهذا قد يجعل زيادتها أكثر قبولا لدافعي الضرائب في الداخل.