القلب الواجف هو القلب المضطرب من الخوف والفزع، فالوَجْف أو الوجُوف: سرعة السير ،والوجيف نوع من سير الإبل والخيل كما جاء في” لسان العرب ” وأوجف دابته أي حثها على السير لذا نجد القرآن الكريم يستخدم هذا المعنى في قوله تعالى:” وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “سورة الحشر. والمعنى ” وما أفاءه الله على رسوله من أموال يهود بني النضير، لم تحثوا لتحصيله خيلًا ولا إبلًا على السير سريعًا وذلك كناية عن القتال ، ولكن الله يسلِّط رسله على مَن يشاء مِن أعدائه، فيستسلمون لهم بلا قتال . وفي نهج البلاغة لسيدنا على كرم الله وجهه “..فاتقوا الله تقية ذي لب شغل التفكر قلبه. وأنصب الخوف بدنه ( وأسهر التهجد غرار نومه وأظمأ الرجاء هواجر يومه .. وأوجف الذكر بلسانه..” أي حرك لسانه” وكأنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لايزال لسانك رطب بذكر الله” وقلوب يومئذ واحفة: شديدة الإضراب أي أنها تدق بسرعة من الخوف ،بل هي مضطربة في ذلك ، ويقولون عن العاشق الذي بلغ به العشق مبلغًا : أستوجف الحب قلبه أي ذهب به من شدة خفقانه .
وفي سورة النازعات التي وصفت فيها القلوب بالواجفة أي الفزعة التي ترتفع دقاتها من الرعب في حالة من الإضطراب والإنكسار والذل ..يقول العلماء إن هذا التحديد جاء بعد مقطع غامض واجف راجف يمنح المتأمل جوا من الإضطراب والسرعة والقلق من خلال جمل قصيرة ذات جرس موسيقي سريع قلق ينشىء هزة في الحس وتوجسًا في الشعور وتوقعات لشىء يروع ، وبالتالي فهي تشارك في إعداد الحس لتلقي ما يروع ويهول من أمر الراجفة والرأفة والطامة الكبرى ،فهزة القلب وإيقاظه هدف في ذاته يتحراه الخطاب القرآني .يقول تعالى: “وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ” فالآيات تقدم صورة تمثيلية مكتملة لمشهد من المفاجأة المفزعة التي تضطرب فيها كل الأشياء وتتحرك ثم يأتي تصوير حالة المتلقي المشاهد للرجفة وما يحيطها من فزع فيقول :
(7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ” تتسائل هذه القلوب أسئلة الفزعين المندهشين وهي أسئلة لا فائدة منها فقد أصبحت هذه القلوب أمام مصيرها الذي ظلت تنكره وترفضه إلا أنها تقر في هذه اللحظة بمصيرها : ” يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ”.
ومعلوم أنه إذا اضطرب القلب واختلت حركته وردود فعله أضربت معه كل الجوارح، وأسرع الجوارح إداركا لما يحدث ونقلًا للحقيقة البصر فجاء وصف أثر الحدث الجلل في قوله” أبصارها خاشعة” كأن البصر هنا بصر القلب وليس بصر كل الجوارح لأن الأمر تركز في هذه اللحظة في القلب الذي صار كأنه كل شىء فالأبصار ذليلة منكسرة لما تنتظره من حساب تعرف نتيجته لأنها لم تقدم له ،
وإذا عدنا إلى الآيات فإن الراجفة إسم فاعل يصف حالة الأرض في اهتزازها وزلزلتها يقول تعالى:” يوم ترجف الأرض والجبال ” وقد ذكر بعض العلماء أن الراجفة التي تهتز لها الاشياء هي الصيحة الاولى والرادفة هي الصيحة الثانية وقال بعضهم الراجفة هي الأرض والرادفة هي السماء وكلها معاني تحقق المعنى المقصود وهو جلال الحدث وشدته .
وقد صور القرآن الكريم أثر هذا اليوم العظيم على جوارح الإنسان كلها من سمع وصوت “وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا” وقلب “قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ “وبصر “أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ” وجلد بل وحركة الإنسان”وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ” وجسده بصفة عامة “فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ” “وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا”وعقله “يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ “إلا أن الوجه قد نال مساحة واسعة من هذا التصوير لأنه أكثر الأشياء التي يظهر عليها كل هذه التأثيرات على كل الجوارح فيقول تعالى :” يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ ” آل عمران ١٠٦ “وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا “طه ١١١ “فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ”الملك ٢٧
“وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ” القيامة ٢٢و٢٣و ٢٤و ٢٥” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ” عبس ٣٨و٣٩و٤٠و٤١ ” وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ، عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ، تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ” الغاشية ٢و٣ و٤ “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ” الغاشية ٨
هذا فيما يتعلق بيوم القيامة أما ردة فعل المكذبين للدين في الحياة الدنيا وهم يسمعون كلام الله فيصورها القرآن الكريم في قوله تعالى : “وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ ۖ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا” الحج ٧٢ أما الذين أمنوا والتزموا بما أمر ونهى فنرى أثر ذلك في قوله تعالى:(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ”