من الواجب إعادة تفكيك الاصطلاح المخادع بمسمى ” ثورة 25 يناير”؛ بعيداً عن الوجدانيات والرومانسيات السياسوية؛ عبر انشغال العقل السياسوي والأكاديموي بطرح الأسئلة المنهاجية حول توافر ما يجعل من المتيقن أن ما حدث كان “ثورة” بالتعريف الاصطلاحي؟ وليس حركة احتجاح؟.
فإذا كانت “25 يناير” ثورة؟ فما هو المشروع النظري الذي أنتجه العقل النخبوي ليوضح البنية الفكرانية لانطباق اصطلاح الثورة على ما حدث؟
حقا لا يوجد مشروع فكري سياسوي لبغبغات النخبة؛ لأنها نخبة مسطحة العقل شعبوية الوجدان من نوعية “صبيان الشوارع” وشباب متعطلي المقاهي؛ ولربما لم يقرأ الواحد منهم كتاباً مغايراً لكتب الدراسة؛ وهاتان لا تصنعان ثورة وإنما فوضى؛ ولولا حفظ الله مصر بوساطة رجالات جيشها العظيم ومؤسستها العسكرية الوطنية لضاعت البلاد وتشتت العباد.
“الثورة” لها شرطٌ واحد لتكون ثورة؛ هو أن تكون تعبيراً عن فكرة نبيلة؛ والفكرة يكون لها مشروع محدد؛ محكوم بنبل غاية تلك الفكرة التي تنتج الثورة. فإذا فُقِدَت هذه الشروط صارت “فوضى… لا ثورة”. وبدل أن تعيد البناء تقوم بتدمير ما هو قائم بتجاهل قاعدتي: “فقه الضرورات”؛ و”درء المفاسد أولى من جلب المصالح“.
ووفق هاتين القاعدتين الراسختين؛ ينبغي قراءة ما جرى تطبيقه من سيناريوهات المفاسد السياسوية خلال السنوات السابقة في المنطقة الموصوفة كذباً بالثورات؛ وهي أبعد ما تكون عن الفعل الثوري المنضبط بالغاية الإنسانوية السامية؛ ومناقضة لآليات فعل التثورن الذي استقر تطبيقاً وتاريخاً.
تجارب الثورات التي قامت بتنفيذها المؤسسات العسكريتارية الوطنية (23 يوليو/تموز1952م ) كان مستهدفها تحرير الأوطان من الاحتلال الاستعماري القديم؛ فتحقق لها ما أرادت؛ وبدأت تجارب التنمية التي أصابها القصور والاعتلال بفعل التحديات الخارجية التي استنزفت الكثير من جهودها (حرب 1967، و1973م أنموذجاً).
ونتيجة تحولات النسق السياسوي في “الدولة الوطنية” من المواجهة للآخر إلى المهادنة (اتفاقية السادات أنموذجاً)؛ تخلَّق النمط الاقتصاد سياسوي الطفيليوي التابع للآخر(مرحلة مبارك أنموذجاً)؛ فتعقدت المشكلات وتوفرت بيئة القلق الاجتماعوي بالزيادات المفرطة في الإنجاب؛ والتعليم الضحل الببغائي النمط؛ وضمور فرص العمل؛ وهامشوية التجمعات الحزبوية؛ مع غياب المشروع السياسوي المتطور بوجهه الاقتصادوي المتجاوز لنوعية اقتصادات العشوائية.
لذلك توفرت البيئة التي درستها مكاتب التفكير الاستراتيجوي في دول المركز الأميركي لتبدأ توظيف الأسلحة الناعمة في تدمير الدولة الوطنوية من الداخل بفيروسات الاحتجاجات التي شكلت نمط الوباء والتي ضربت المنطقة ( سوريا والسودان واليمن وتونس ومصر أنموذجاً)؛ بجانب العراق وليبيا بالغزو العسكريتاري الأميركي والأوروبي/ الناتو؛ وتسليمهما لقوى التخريب الداخلية (جماعة حسن الساعاتي البناء المتسننة وفصائل الاسلام المتشيعة أنموذجاً)!!
وهنا ينبغي نفي “اصطلاح الثورة” الشريف عن تلك الفعاليات المشبوهة:
** فما هي التجربة الأنموذج التي يمكن التفاخر بمنجزها منذ مرحلة الانتكاب بالربيع العبروي المتصهين؟ تأملوا ما حدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن؟
** ما هي نتائج “الفوضى الخلاقة” في كل تلك الدول وفق المفهوم السياسو/اقتصادوي الأميركي؟
** ما هي معدلات الهجرة والتشرد والموت في الفيافي والبحار ودول الجوار لمواطني تلك الدول المنتكبة؟
** ما مدى الحفاظ على الثروات الخاصة بكل تلك الدول من البترول والغاز والمعادن والأموال التي جري ويجري انتهابها؟
** ما دلالة تحقيق التوافق بين يوم “عيد الشرطة” المصرية الوطنية؛ أحد جناحي حمى الأمن الداخلي واليوم الخامس والعشرين المرتبط بغزو المقرات وفتح السجون وإطلاق اللصوص والميليشيات الجماعاتية في الشوارع؟
** هل أنتجت فوضى الربيع العبروي المتصهين أنماط حياة مستقرة؛ وأنشأت حكومات جديدة تلبي مشروعات التنمية المتأملة كذباً؟ أم أنها كانت فرصة للقفز على مقاعد السلطة من “جماعة حسن الساعاتي البناء” الصهيوماسونية؛ وكيلاً للرأسمال العولمي المتصهين في المنطقة؟!
إن الاختيار المشبوه ـ كما ذكرت ـ لموعد استعار لهيب الفوضى في يوم الخامس والعشرين من يناير لم يكن خبط عشواء؛ وإنما كان مدروساً ومرتبطاً بمخطط هدم أحد مرتكزي ثبات الدولة المصرية؛ وهو جهاز الشرطة المصرية في يوم عيدها الوطني (25 يناير) بغرض مسح ذكرى نضالها في مقاومة الاحتلال البريطاني.
لذلك فمن الضروري تفكيك الاصطلاح المخادع بمسمى “ثورة25 يناير”؛ بعيداً عن الوجدانيات والرومانسيات السياسوية؛ عبر انشغال العقل السياسوي والأكاديموي بطرح الأسئلة المنهاجية حول توافر ما يجعل من المتيقن أن ما حدث كان “ثورة” بالتعريف الاصطلاحي؟ وليس حركة احتجاح؟
فإذا كانت “25 يناير” ثورة؟ فما هو المشروع النظري الذي أنتجه العقل النخبوي ليوضح البنية الفكرانية لانطباق اصطلاح الثورة على ما حدث؟ وما هي بنية منظومة التثورن؟ وما هو معيار تحليل موازين القوى التي قامت بالثورة؛ وكذلك وزن القوى التي تستفيد من تلك الثورة؛ وماهي نوعية هذه القوى السياسوية التي تحتشد وما هي بنيتها التنظيموية بعيداً عن فضفاضية وترهل شعار “الشعب يريد”؛ وما مدى قدرة هذه القوة إذا كانت منتظمة في ممارسة الضغوط؛ وما هي آليات قدراتها الفاعلة سياسويا واقتصادويا واجتماعويا واستراتيجاويا؟!
الأسئلة المنهاجوية كثيرة؛ ولا تنفي القناعات بأن ما توصف بـ “نخبة 25 يناير” كانت أعجز ما تكون عن تقديم منشور نظرية ثورتها؛ لذلك ظهر تهافتها المجسد في شعار “عيش؛ حرية؛ عدالة اجتماعية”؛ والسؤال هو وفق أي منهج ونظام ونظرية؟
إن من تغيب عنه صور العجوز الأميركية في ميدان التحرير بمصر؛”هيلاري كلينتون”؛ وكذلك الجاسوس الصهيوني “إيلان تشايم جرابيل” الذي جرى القبض عليه؛ والمتصهين الفرنسي برنارد ليفي في ميادين القاهرة وليبيا وتونس والعراق لا يمكن أن يكون واعياً بحقائق سيناريوهات الربيع العبري؛ بكل الخراب الذي يحدثه في الأوطان كما يقال “بيدي لا بيد عمرو“!!
إنها ـ بوضوح لم تكن ولا تزال ليست أكثر من “فوضى مكروهة”. وقد فشل مخططها في هدم “مصر العظيمة” بجيشها الكبير القيمة والقامة… مهما كره المغيبون والمراهقون ذلك! فقد كذبوا ولا يزالون يكذبون؛ ويقولون وهم جلوس في مقاهي الثرثرات إن” 25 يناير” ثورة وما هي أبداً بثورة؛ فكركروا “حشيشة” كما تشاءون؟!!