نعيش في شهر رجب المحرم ذكريات عدة كلها أحداث كان لها أثرها في تاريخ المسلمين ومنها حادثة الإسراء والمعراج ومعركة تبوك التي كانت أول لقاء عسكري بين الإسلام والغرب أو بين العرب والغرب بعد ظهور الإسلام وارتفاع رايته.كما شهد شهر رجب هجرة المسلمين إلى الحبشة وهي الهجرة الاولى للمسلمين وكذلك شهد وفاة النجاشي نموذج الحاكم العاقل والعادل ثم شهد شهر رجب فتح المسلمين لدمشق ومعركة الزلاقة التي أنقذت الأندلس من السقوط لتبقى الدوله الإسلامية في الأندلس ٤٠٠ سنه أخرى قبل سقوط آخر معاقلها .كما شهد شهر رجب تحرير المسلمين للقدس من الصليبيين بقيادة البطل صلاح الدين الأيوبي وأخيرًا شهد هذا الشهر في عامنا هذا وقف إبادة الفلسطينيين في غزة التي ظلت أكثر من عام أمام العالم أجمع في أبشع صور.
ثم إن هذا الشهر من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال أي أن العالم عليه أن يتوقف فيه عن صراعاته الدموية ليعطي لنفسه هدنة من غواية الشيطان والشراهة إلى الدماء .
إذا عدنا إلى معجزة الإسراء والمعراج فإننا نتوقف أمام معجزة هزت المجتمع المكي هزًا عنيفًا وما زال صدى هذه الهزة العنيفة يتردد حتى يوم الناس هذا ليس بين المسلمين وإنما بين ابناء العالم ممن يقفون على هذه المعجزة ،فهي المعجزة التي استقبلها القرشيين بالسخرية إلى درجة الصفير والتصفيق دلالة على دهشتهم مما وصل إليه هذا الدعي من الخرف والجنون”بحسب ظنهم” بل أسرعوا إلى سيدنا أبي بكر في شماتة لإبلاغة بما سمعوا موقنيين بأن أبي بكر العاقل الحكيم سيرفض ما يقوله صاحبه ويعود إلى دين آبائه مثلما عاد بعض المسلمين عن الإسلام فور سماعه عن هذه المعجزة إلا أن رد فعل سيدنا ابي بكر كان مفاجئا للقرشيين فبعد أن قالوا له إن صاحبك يزعم أنه أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ثم عرج إلى السماء وعاد في ليلته كذبهم فيما يقولون لكنهم قالوا له إنه يحدث الناس الآن عند البيت بما يدعي فقال لهم إن كان قال فقد صدق فأنا أصدقه في خبر السماء ينزال إليه من نهار أو ليل أفلا أصدقه في خبر كهذا، ثم ذهب إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ليسمع منه ويقول له صدقت ثم يسأله أن يصف بيت المقدس ليُسمع القرشيين وصفه فيصفه وكلما وصف شيئا قال له صدقت ـ فقد رآه ابو بكر في رحلاته- ليعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر هو الصدًيق فيصير اسمه “أبا بكر الصديق”.
ورغم أن الآيات البينات نزلت لتؤكد هذه المعجزة فتحولها من معجزة وقتية إلى معجزة أزلية يؤكدها القرآن الكريم وهو المعجزة الباقية فقد ظلت هذه المعجزة محل تكذيب المنافقين وشك الذين في قلوبهم مرض من المسلمين وتصديق المؤمنيين بل جاء من يقول بوقوع الإسراء دون وقوع المعراج تشكيكا فيما جاء في سورة النجم التي نزلت تؤكد المعراج وحدها حيث يقول: “ما كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ” ومن شكك في آية من القرآن الكريم فقد شكك في كتاب الله كله وجاء من يقول بأن الأمر لا يعدو أن يكون رحلة منامية أي بالروح دون الجسد وهو يغفل أنها لو كانت رحلة منامية لما كذبها المشركون وصفّروا وصفّقوا ولما ارتد بعض المسلمين لأن ما قاله الرسول صلوات الله وسلامه عليه فوق عقولهم وأكبر من إيمانهم ،فالعرب كانت تؤمن بالروى المنامية وتعتمد عليها في تصرفاتها ،وتاريخهم يمتلىء بالكثير منها كرؤيا عبد المطلب حفر زمزم مثلًا .
بقي أن نقول إن الله في تكريمه لرسوله بهذه الرحله أراد أن يحملنا مسئولية هذه الأرض المقدسة وهو ما أدركه السابقون وحرصوا على الوفاء به، وتدركه الأجيال جيلًا بعد جيل.