لا نمل ولا نكل من أن نذكر بماهية النشاط التعليمي الذي يشير في عموميته وكليته إلى صورة ما يخطط له المعلم المحترف من مجموعة المهام التي يؤديها المتعلمين، في شكل فردي أو جماعي على السواء، وهنا نؤكد بأن الأنشطة التعليمية إذا ما قدمناها كوجبات تعليمية تتضمن خبرات التعلم المستهدف إكسابها للمتعلم وجهًا لوجه أو عبر المنصات الرقمية؛ لذا فإن توظيف واستخدام أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أضحى أمرا مرغوب فيه لأسباب منطقية.
ويُعد مراعاة طبيعة المحتوى التعليمي أحد أهم المعايير التي ينبغي الأخذ بها عند اختيار أداة، أو تطبيق للذكاء الاصطناعي؛ لنستطيع أن نعمق الفهم، ونكسب الخبرات المتضمنة بهذا المحتوى، بل ونتمكن من أن نثري مجالات التعلم في مكونها المعرفي والوجداني والمهاري بصورة متكاملة.
وربط خبرات التعلم المنسدلة من المحتوى العلمي بالواقع المعاش، أو وظيفية الاستخدام الحياتي، أو العلمي، أو التقني، أو المهني، يستطيع أن يحققه الذكاء الاصطناعي بأدوات وتطبيقات دون أخرى؛ لذا بات الاختيار الصحيح لها مرهون ببعض المعايير الواجب مراعاتها في هذا الشأن.
ومقدرة المعلم على تفهم شروحات استخدام وتوظيف أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وإفهامها للمتعلم أيضًا، يُعد من معايير الاختيار؛ لتُؤدي المهام والممارسات بصورة تحدث التكامل المنشود؛ ومن ثم نتجنب إهدار الوقت، وأن ضعف المعرفة بالشروحات قد يجعلنا نعاني صعوبة في استثمار ما لدينا من مميزات وخصائص للأداة أو التطبيق الخاص بالذكاء الاصطناعي.
والتدريب والتجريب على أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي من قبل المعلم بات أمرًا مهمًا، واعتقد أنه يشكل معيارًا أوليًا للاختيار في ذات الوقت؛ حيث إن تمكنه من الاستخدام والتوظيف، يعينه على أن يخطط للأنشطة التعليمية بحرفية؛ إذ يساعد المتعلم في أن يؤدي كل مهمة من مهام تعلمه بسهولة ويسر؛ نظرًا للدعم والمساندة التي تقدمها الأدوات والتطبيقات، والتي أضحى المعلم والطالب مدركًا لأهميتها وكيفية تحقيق أقصى استفادة منها.
ومراعاة عامل الزمن من المعايير التي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان؛ لأن النجاح في تحقيق أهداف الأنشطة؛ ومن ثم تحقيق أهداف موضوع التعلم برمته يتوقف على فن إدارة الوقت؛ لذا يتوجب أن نتحكم في وقت استخدام وتوظيف أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي عند إعمالها في غمار الأنشطة التعليمية؛ ومن ثم نضمن عنصران رئيسان، هما اكتساب الخبرة والتعمق في مكونها.
وعلينا أن نهتم بمعيار سيناريو التنفيذ؛ لنتأكد بأن لكل متعلم دورًا منوطًا به في استخدام وتوظيف أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ كي نُعمل كافة العقول، ونستثير الأذهان، بمزيد من التعمق، في تناول جوانب الخبرة المستهدفة، وهذا يجعلنا نراعي بُعدان مهمان، هما التعزيز، والتغذية الراجعة؛ لندفع إلى تحقيق الغاية المنشودة، من ربط العملية التعليمية بالذكاء الاصطناعي، من خلال أدواته وتطبيقاته المتجددة.
وهنا ينبغي أن ندرك أهمية التقويم المستمر، لدور أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية؛ حيث نعمل على تعزيز نقاط القوة، ونحرص على تلافي نقاط الضعف، ونواصل التوجيه نحو تحسين أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ لتخدم بصورة أكثر وظيفية العملية التعليمية، كما أن نتائج التقويم توجهنا نحو الاختيار الصحيح والأفضل، حال توافر البدائل.
والهدف الرئيس من توظيف أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، يكمن في إكساب المتعلمين خبرات التعلم في مجالاتها المعرفية، والمهارية، والوجدانية، كما نأمل أن تزداد صقل الخبرات، من خلال التعمق فيها؛ حيث تتابع شغف المتعلم لمطالعة ومتابعة كل جديد؛ ومن ثم يتنامى حب الاستطلاع العلمي، الذي يفصح عما لدى الفرد من مواهب، ومهارات، يتفرد فيها، ناهيك عن استكشاف أسلوب التفكير، الذي يطغى عن الأساليب الأخرى لديه.
وفي هذا الإطار يمكننا أن نستخلص معيارًا آخر، يساعدنا في الاختيار الصحيح والمناسب لأحد أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحقل التعليمي، وهو ثبوت الفائدة منه؛ حيث يفتح للمتعلم بوابة التفكير بأنماطه المختلفة؛ ومن ثم تنمو مهارات التفكير العليا لديه، وتتفجر الطاقات الابتكارية؛ لتتدفق الأفكار تلو الأخرى، ويصبح لدينا لبنات لعلماء المستقبل في العديد من المجالات.
والوقوف على الفلسفة، أو الأساس، الذي صممت من أجله أدوات أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أرى أنه من المعايير التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند الاختيار، وهذا يكرس لفكرة جيدة نسميها بمنهجية الاختيار، وهو ما يعبر عن حالة الانضباط، التي تبعدنا عن مشكلات الاختيار العشوائي؛ كي لا نعاني من تبعاتها في الحقل التعليمي؛ ففي بعض الأحيان قد يلجأ المعلم لاختيار أداة أو تطبيق للذكاء الاصطناعي بغرض توفير الوقت، والجهد؛ لكن لا تحدث الثمرة المنشودة.
ما أجمل من أن نخلق بيئات تعليمية داعمة، ومحفزة للتعلم، تسهم بقوة في تنمية مهارات التفكير العليا، فيما نقدمه من خبرات تعليمية متنوعة، بما تشمله من بنى معرفية سليمة، ومهارات نوعية متفردة، ووجدانيات تستحق منا أن نغذيها على الدوام، بقيمنا النبيلة؛ لنصل لغايتنا الكبرى، المتمثلة في بناء إنسان صالح، قادر على المحافظة على وطنه، ويعلي من قدره ومقداره، ويستكمل مسيرة النهضة في مجالاتها المختلفة، مواكبًا التطور في صورته الشمولية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر