هذا هو التعريف الأكثر قبولا للفيروسات فى الوقت الراهن، بعد أن اختلفت الآراء حولها، فهل هى أحد صور الحياة أم أنها مركبات عضوية تستطيع التفاعل مع الكائنات الحية؟ هذا الارتباك فى تعريف الفيروسات مصدره طبيعتها المختلفة عن باقى الكائنات الحية الميكروبية، مثل البكتيريا، التى تتكون من خلية مكتملة تمتلك كل آليات الحياة وتستطيع التكاثر والبقاء طالما كانت الظروف البيئية المحيطة بها موائمة لذلك. أما الفيروسات فهى جسيمات معدية دقيقة لا تستطيع التكاثر إلا من داخل خلية حية لأحد الكائنات الأخرى مستخدمة آليات الحياة الموجودة داخل هذه الخلية والتى يفتقدها الفيروس. وتستطيع الفيروسات على مختلف أنواعها أن تعدى كل أنواع الكائنات الحية، الحيوانية أو النباتية، وهذه العدوى هى الشرط الأساسى لتكاثر الفيروسات واستمرارها.بدأ التعرف على الفيروسات تاريخيا عام 1892 حينما وصف العالم الروسى ديمترى ايفانوفسكى عدوى تسببها كائنات غير بكتيرية لنبات التبغ، بعد أن تمكن من إثبات وجود العدوى بعد مرور أوراق التبغ المطحونة عبر مرشحات أصغر من كل أنواع البكتيريا. إلا أن الطفرة الكبرى فى علم الفيروسات بدأت عام 1931 مع اختراع الميكروسكوب الإلكترونى والذى مكن الباحثون من الحصول على صور حقيقية للفيروسات، وفتح الباب أمام تطور علوم تصنيفها البيولوجى، ودراسة تركيبها الجزيئى والبروتينات والانزيمات اللازمة لتكاثرها.الفيروسات جسيمات متناهية الصغر تتكون من شريط (مزدوج أو مفرد) من الحمض النووى، الذى يشكل المادة الوراثية للفيروس، يحيطه غلاف بروتينى، وبعض الفيروسات لها غلاف خارجى دهنى. ويتم تصنيف الفيروسات طبقا لنوعية الحمض النووى المكون لمادتها الوراثية (ريبوزى أو دى أوكسيريبوزى)، وهيكل شريط الحمض النووى (مزدوج أو مفرد). وتستطيع الفيروسات انتاج انزيمات هامة لعملية تكاثرها مثل انزيم البوليمراز. تبدأ دورة حياة الفيروس بالتصاقه بجزيئات محددة على سطح الخلية المستهدفة بالعدوى، يتبعها اختراق الفيروس لجدار الخلية ثم تخلص الفيروس من غلافه البروتينى، من خلال انزيمات محددة، لتحرير الحمض النووى للفيروس داخل الخلية والذى يبدأ فى استخدام آلياتها الحياتية لإعادة إنتاج المادة الوراثية للفيروس (الحمض النووى) وبروتيناته، ثم خروج هذه المنتجات من الخلية للالتصاق بخلية أخرى واختراقها وتكرار نفس العملية مرات عديدة.هناك أنواع من الفيروسات تسبب تغيرات مرضية واضحة فى الخلايا المصابة بالعدوى تتراوح بين انفجار الخلية وهلاكها وبين موتها المبرمج عبر فترة من الزمن. وهناك أنواع أخرى لاتسبب تغيرات واضحة فى الخلايا المصابة وتبقى فى حالة كامنة داخلها. وتتراوح الآثار المرضية للفيروسات من الالتهابات الحادة والمزمنة إلى ظهور الأورام السرطانية. ومن الجدير بالذكر فى هذا السياق أن التغيرات المرضية، الناجمة عن العدوى الفيروسية، على المستوى الخلوى أو النسيجى تنشأ إما عن طريق تأثيرات مباشرة للفيروس على المكونات العضوية للخلية، وهو ما يطلق عليه “الفيروسات المسببة للاعتلال الخلوى”، أو نتيجة تفاعلات بين الفيروس وجهاز المناعة فى جسم المصاب، تؤدى إلى تحفيز مسارات بعينها وتنشيط أنواعا محددة من الخلايا وإفراز وسائط كيميائية مختلفة، وفى هذه الحالة تكون تلك التفاعلات ونتائجها هى المسؤولة عن التغيرات المرضية المصاحبة للعدوى.