- في زمن الملكية كانت الدولة شبه غائبة تماماً عن حياة البسطاء من أبناء الطبقتين المتوسطة والفقيرة، ولا تحدها حاضرة إلا في حياة أبناء الطبقة العليا المترفة فقط، وكان هذا الانحياز الطبقي من قبل النظام الملكي الفاسد، هو الحافز إلي حالة من حالات الإبداع والإبتكار خاصة الغالبية العظمى من أبناء الطبقتين المتوسطة والدنيأ، حيث وجدنا هؤلاء راحوا يدورون حياتهم الهامشية البسيطة بمعرفتهم الخاصة بعيداً عن النظام نجحوا في خلق اطار اجتماعي خاص بهم، رغم قسوة الوقت علي حياتهم إلا ان ذلك لم يرق للأغنياء فراحوا يحطموا أحلامهم حلم تلو الأخر وادخالهم حظيرة التابعية، وشهد الريف المصري في ذلك العهد ذلك الصراع الاجتماعي الذي اتصف بالقهر الجمعي للفقراء في شكل مهين لكل معاني الإنسانية، بدء هؤلاء البسطاء في اتباع اسلوب المهادنة تارة، وتارة أخري الي اسلوب المقاومة السلبية، وفريق اخر لجاء المقاومة العنيفة، ومرت الأيام حتي قام الضباط الاحرار بحركتهم المباركة التي كانت بداية طريق جديد للتغير الجذري في البناء الإجتماعي ولذلك اطلق عليها ثورة يوليو المجيد، اعلنت الدولة عن حضورها الكامل في حياة السواد الاعظم من الشعب، فكانت تلك الثورة هي نبراس لحركة واسعة من التنوير الفكري والثقافي والفني والعلمي بحضور للدولة في كل مناحي الحياة فتحول الشعب إلي أداة للبناء والتعمير والإضافة خاصة ابناء الطبقتين الدنيا والمتوسطة، تذكرت كل ذلك وانا اتابع نشاط (المصطبة) الثقافي والفني الذي لجاء اليه محموعة من الأدباء والفنانين في أحد مقاهي منطقة الدقي للاستمتاع باشعاهم وقصصهم وفنهم الراقي والانطلاق بحرية تامة في عرض إبداعهم الراقي بعين عن صالونات عقيمة اقامها ابناء الصفوة في المجتمع في ظل فشل وزارة الثقافة في عملية الاحتواء لكل هولاء المبدعين، وفكرة “المصطبة” ليست وليدة اللحظة ولكنها وجدت في صور عديدة ومقاهي مختلفة، واعتقد أن كبار كتاب مصر ومبدعيها هم من صنعوا ما عرف ب”(المقاهي الثقافية)، الا ان نشاط المصطبة الثقافي هو لون شعبي من ألوان الإبداع بحرية متناهية في فضاء يسع الجميع بصحبة الشاعر والناقد” السيد طه” وزميله اللدود “علي فاروق” بالإضافة إلي عازف العود المتالق “هاني رجب” الذي خلق جوا متميز للمصطبة الثقافية، والتي تعد ابداعا شعبيا في ظل غياب الدولة علي اداء دورها الثقافي، في ظل اعتلاء المناصب والكراسي في وزارة الثقافة اشخاصا لا تعنيهم اهمية تلك الوزارة في تشكيل وجدان الشعب وتنميته ثقافيا زسياسيا وفنيا في الوقت الذي تحاول فيه كيانات إقليمية هدم تلك الثوابت الوطنية والهوية المصرية لتتمدد في المجتمع المصري بفكرها وثقافتها وهويتها، من هنا لجاء الشعب الي ابتكار” المصطبة “وستظهر كيانات ثقافية عديدة مثل منتدي” ظل الصفصافة “التي تشرف عليه الشاعرة “وداد الهواري” ومنتدي “ايامنا الثقافي بالمنوفية” كل تلك الكيانات الثقافية ماهي الا رد تلقائي علي غياب الدولة الثقافي رغم تلك المنشأت التي كلفت النظام اموال طائلة من أموال هذا الشعب، إلا انها لاتقوم بما هي منوطة به من انشطة فعالة وتحتاج الي تدخل مباشر من الرئيس لإعادة هيكلة مناصبها الوظيفية لتعود الي سابق عهدها التنويري والثقافي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي تحية الي كل مبدع لم يقف علي اعتاب الصمت امام فشل مشروع وزارة الثقافة في احتواء كل المبدعين في انحاء الجمهورية.
كاتب مصري