فقد أصدرت الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بيانا يرفض فيه رفضا قاطعا دعاوى دمج الديانات الثلاث ووحدة الأديان ويعلن فيه رفضه مجددا لما يسمى بالديانة الإبراهيمية وما يرتبط بها من بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، وهو بلا شك موقف يحمدون عليه وقد أشار البيان إلى خطورة تلك الدعاوى على الدين والدنيا.
إلا أنه جاء في البيان عبارات واستدلالات تحتاج إلى مراجعة حتى لا يعالج الخطأ بخطأ، فمما لا شك فيه أن دين الإسلام هو الدين الصحيح المقبول عند الله وكل دين سواه فهو باطل ومردود، وهذا توضيح وتعليق على بعض هذه العبارات:
?- اختلاف الناس في المعتقدات ليس فطرة طبيعية بل هو ضد فطرة التوحيد التي فطرهم الله عليها، قال الله عز وجل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا . فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا . لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ . ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).
?- الاستدلال على حرية اختيار العقيدة دون تبعات في الآخرة بقوله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) وبقوله (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) استدلال فاسد. لقوله تعالى (إلا من رحم ربك) في الأولى، فهو جعلهم مختلفين كونا لكن اختص برحمته أهل الإيمان فأهل الكفر غير مرحومين، والاستدلال بالأمر الكوني على حرية الاعتقاد استدلال فاسد. والآية الثانية للتهديد (إنا أعتدنا للظالمين نارا).
?- لفظ احترام عقائد الآخرين غير صحيح، ولا يكفي فقط التصريح بعدم الإيمان بها؛ فلا قيمة للكفر ولا احترام له، ولكن البر والإقساط والإحسان هو مع شخص الكافر نفسه وليس لعقيدته.
?- العجب أن يقال أن حرية المعتقد أثمن قيمة كفلها الله للإنسان والاستدلال عليها بقوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، وقوله تعالى: (ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
فالآية الأولى جاءت في نفي الإكراه وليس أن العبد له الحرية بل هو معاقب على كفره لقوله بعدها (قد تبين الرشد من الغي).
والآية الثانية في التفسير على قولين: الأول أنها لجميع الأمم، فيقصد بها اختلاف شرائع الأنبياء مع اتفاقهم في عقيدة التوحيد.
قال ابن كثير (ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان ، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام ، المتفقة في التوحيد ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ، ديننا واحد ” يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله ، وضمنه كل كتاب أنزله ، كما قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون }.
والقول الثاني أن المراد بها أمة الإسلام وأن معناه : ( لكل جعلنا ) القرآن ( منكم ) أيتها الأمة ( شرعة ومنهاجا ) أي : هو لكم كلكم ، تقتدون به).
ورجح ابن كثير القول الأول.
ثم إن أول الآية يبين المراد: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ? فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ? وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} وفيه أن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع ولزوم الحكم بها.
?- لفظ (قدسية أديان السماء وحرية الاختيار المرتبطة بها وأن يتركوا الدين لله) خطأ، فلا قدسية للشرك ولا لعبادة غير الله، ثم إن لفظ السماء يوهم أنها كلها من عند الله وهو باطل، لأن الدين عند الله واحد وهو الإسلام.
وفي البيان بعدها (فإن الله لم ينزل دينه ليكون مطية لتحقيق المآرب السياسية) فهل الدين الذي أنزله الله هو كل الأديان السابقة المشار إليها؟!
– التعبير عن الأديان السماوية بقوله (غايتها الإنسانية النبيلة) لا يصح لأن الكفر بالله أعظم إهانة وظلم للإنسان (إن الشرك لظلم عظيم).