1- حقوق الوالدين، من الكتاب والسنة.. وكيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم معها:
تشكل حقوق الوالدين في الرسالة الإسلامية بكل ما يرتبط بها من أمور تابعة لها، أو مترتبة عليها قضية إنسانية مهمة، بل جعلت منها محورا رئيسا وأساسا متينا، في العلاقات البينية في الأسرة المسلمة، وعدتها من أفضل الأعمال التي يقوم بها المسلم بعد عبادة الله عز وجل، فقال عز من قائل في محكم كتابه: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ) (الإسراء:23).
وفي المقابل اعتبر عقوق الوالدين، والإساءة إليهما، كبيرة من أكبر الكبائر، بل قرنها مع الإشراك بالله وقتل النفس، ورتب عليها أشد الجزاء ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: وشهادة الزور ) [1] .
ولا ينكر أحد فضل الوالدين على أولادهما، فالوالدان سبب وجود الولد، ولهما عليه حق كبير جدا، فقد حملته أمه كرها ووضعته كرها، ثم بعد ذلك حضـانة ورضاعا لمدة سنتين مع التعب والعناء والصعوبة، كما أشار [ ص: 68 ] الله عز وجل إلى ذلك في قوله: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ) (الأحقاف:15)، ثم ربياه صغيرا، وتعبت هي ووالده من أجل راحته، وسهرا من أجل منامه، والأب خـلال ذلك، يسعى لعيش الولد وجمع قوته من حـين الصغر حتى يقوم بنفسه، لذا فحق الوالدين عظيم، ومن ذلك برهما، والإحسان إليهما قولا وفعلا، بالمال والبدن، وامتثال أمرهما في غير معصية الله.
وتأكيدا لحقهما جعل الله – عز وجل – شكره قرينا لشكر الوالدين، قال تعالى: ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ) (لقمان:14)، وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد وأكبرها وأشدها وجوبا [2] .
وعكس ذلك فقد جعل الله عز وجل الشرك قرين العقوق لهما، فلقد ذكرت الكبائر عند رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال: وشهادة الزور ) [3] . [ ص: 69 ]
ولقد نهى الله عز وجل عن نهرهما بأدنى الكلمات، وهي (أف)، في قوله عز وجل: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ) (الإسراء:23).
ونقل السيوطي عن الديلمي أن الحسن بن علي، رضي الله عنهما، قال: “لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من (أف) لحرمه” [4]
. ولقد أتى بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة، في محبة الله، لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله؟ قال: ( الصلاة على وقتها، قال: ثم أي، قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي، قال: الجهاد في سبيل الله ) [5] .
والوالدان هما مفتاح الجنة للابن، فببرهما يدخل الجنة وبخاصة من أدرك أبويه عند الكبر، لما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة ) [6] [ ص: 70 ].
ولقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم برهما على الجهاد في سبيل الله، الذي هو ذروة سنام الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما، قال: ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحي والداك قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد ) [7] .
ثم جعل الله تعالى رضاه في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد ) [8] ، بل جعل للوالد حرية التصرف في مال الابن أخذا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: أنت ومالك لأبيك ) [9] .
قال الترمذي في شرح الحـديث: “والعمـل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا: إن يد الوالد مبسوطة في مال ولده، يأخذ ما شاء، وقال بعضهم: لا يأخذ من ماله إلا عند الحاجة” [10] .
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين سبب لإطالة العمر وزيادة الرزق، أخرج أحمد في المسند عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحب [ ص: 71 ] أن يمد له في عمره وأن يزاد له في رزقه فليبر والديه وليصل رحمه ) [11] ، ومهما بذل الإنسان من عمل فلن يجزي والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتقه كما أخـبر بذلك الرسـول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ) [12] .
من هـذا الحديث، فجزاء الوالد لا يكون إلا أن يجده الولد مملوكا ويشتريه ليعتقه. ولكن ونحن في هذا العصر الذي لا يوجد فيه مسببات الاسترقاق وتملك العبيد، ومن هنا فإن الغالب في هذا العصر أن الإنسان لن يجد أباه مملوكا ليعتقه ليجزيه حقه، فكل ذلك يجب ألا يكون مثبطا للبر بالوالدين أو القيام بحقهما، بل هو حث للاقتراب من الوصول إلى أعلى مستوى من البر، ولم يصل الإنسان إلى حد المجازاة الوارد ذكرها في الحديث السابق.
ومما يجب أن يعلم أن بر الوالدين لا يقتصر على الوالد المسلم أو الأم المسلمة، بل الابن مطالب ببرهما حتى وإن كانا كافرين، بل وإن جاهداه ليشرك بالله فعليه واجب برهما من غير طاعة لهما في الشرك. روى الإمام مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص: أنه نزل فيه آيات من القرآن، قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: فمكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام [ ص: 72 ] ابن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) (لقمان:15) [13] .
وهذه أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، تقدم عليها أمها، وهي كافرة، فتقول: ( قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك ) [14] ، ونزل قوله تعالى: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) (الممتحنة: 8).
ويستمر الـبر بالوالدين الكافرين حتى بعـد ممـاتهما، ففي الحديث أن عليا رضي الله عنه ( أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال: اذهب فواره، قال: إنه مات مشركا؟ قال: اذهب فواره، فلما واريته رجعت إليه فقال لي: اغتسل ) [15] .
وأخذا من هذا الحديث فإنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن [ ص: 73 ] قريبه المشرك، وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه، ودفن الولد أبيه أو أمه المشرك هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا [16] .
وكما أوصى الإسلام ببر الوالدين في حياتهما، فهو قد فتح باب البر حتى بعد وفاتهما، وجعل من أبواب برهما صلة صديقهما، بل عده الرسول صلى الله عليه وسلم من أبر البر، أخرج الإمام مسلم عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي ) [17] .
ولكن ماذا عن تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع والديه؟ إن مما لا يخفى أن والدا رسول الله صلى الله عليه وسلم توفيا وهما غير مسلمين، كما أنهما توفيا وهو صغير، ولم يبق إلا تعامله صلى الله عليه وسلم معهما بعد وفاتهما، وإيفاء حقوقهما التي تلزم الابن بعد وفاة والديه، إضافة إلى عامل آخر وهو أنهما غير مسلمين، والضابط الشرعي في التعامل في هذه الحالة كما لا يخفى هو قول الحق عز وجل في محكم كتابه: ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) (التوبة:113).
ولكن رحمتـه صلى الله عليه وسلم وروح النبوة الحقة جعلته يطلب من ربه عز وجل أن يستغفر لأمه آمنة، ولكن لم يؤذن له في ذلك، ثم استأذن صلى الله عليه وسلم في زيارة قـبرها فأذن له الله عز وجل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: استأذنت ربي في أن [ ص: 74 ] أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) [18] .
وهذا أقصى درجات البر الذي يملكه صلى الله عليه وسلم في ضوء المنظار الشرعي، وقد بلغ الذروة فيه صلى الله عليه وسلم .
إلا أنه يمكن القول: إن الله عز وجل قد عوضه، عليه الصلاة والسلام، بأبوين مسلمين من الرضاعة، أما أمه من الرضاعة فهي مرضعته الأولى وهي ثويبة مولاة أبي لهب.
وقد اختلف في إسلامها [19]، وقيل: إنها أسلمت [20] ، ومرضعته الثانية هي حليمة السعدية فقد أسـلمت، رضي الله عنها، أما والده من الرضاعة فهو الحارث بن عبد العزى زوج حليمة السعدية، رضي الله عنها، الذي أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، إلا أن ابن إسحاق يذكر أنه أسلم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم [21] .
وقد كان الصحـابة، رضوان الله عليهم، يسمون حليمة السعدية، رضي الله عنها، أمه، وينظرون إليها على أنها أم النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي الحديث الذي يرويه أبو داود في سننه أن أبا الطفيل قال: ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحما بالجعرانة، قال أبو الطفيل: وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه فجلست عليه، فقلت: من [ ص: 75 ] هي؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته ) [22] .
كما يروي ابن سعد في الطبقات أن امرأة استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت أرضعته فلما دخلت عليه قال: أمي أمي، وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت [23] .
أما صور بره بوالديه من الرضاعة فقد تمثلت مع مرضعته الأولى ثويبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم “يصلها من المدينة، فلما افتتح مكة المكرمة سأل عنها وعن ابنها مسروح، فأخبر أنهما ماتا، وسأل عن قرابتها، فلم يجد أحدا منهم حيا” [24] .
وفعله صلى الله عليه وسلم من البر العملي بها، كما أن سؤاله عن قرابتها تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم للسائل الذي سأله: هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما ) [25] .
وبكل حال فهذه الصورة من البر تعد أقصى ما يملك لها حتى لو لم تكن أسلمت، بل هي ممارسة عملية، وصورة من صور رد الجميل، ووجه من أوجه البر للوالدين حتى ولو لم يكونا مسلمين.
ومن صور البر العملية للمصطفى صلى الله عليه وسلم مع والدته من الرضاعة حليمة السعدية، ما فعله في أموال هوازن بعد انصرافه عن الطائف منتصرا حين وصوله إلى الجعرانة [26] ، ومعه من هوازن سبي كثير يبلغ ستة آلاف من [ ص: 76 ] الذراري والنساء، ومن الإبل والشاء ما لا يدرى عدده. ( وقدمت عليه وفد هوازن مسلمين فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا وبايعوا، ثم كلموه فقالوا: يا رسول الله، إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخـازي الأقوام.
فقـال صلى الله عليه وسلم : سأطلب لكـم، وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحـب إليكم: السـبي أم المال؟. قالوا: خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال، فالحسب أحب إلينا، ولا نتكلم في شاة ولا بعير. فقال: أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين، فكلموهم وأظهروا إسلامكم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه، وقال: قد رددت الذي لبني هاشم عليهم. وفي رواية أنه قام خطيبهم زهير بن صرد فقال: يا رسول الله، إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك، اللاتي كن يكفلنك، وأنت خير مكفول، ثم أنشده الأبيات المشهورة أولها:
امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر
وفيها كذلك:
امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من محضها الدرر
فقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله، وقالت الأنصار كذلك، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا.
وقال عيينة: أما أنا وبنو فزارة فلا، وقال العباس بن مرداس: أمـا أنا وبنو سـليم فلا، فقالت بنو سليم: بل ما كان لنا فهو لرسول الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تمسك منكم [ ص: 77 ] بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم ) [27] .
إن التأمل في هذه الحادثة ليجد أن وفد هوازن لامسوا الوتر الحساس من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو خلق الوفاء فأنشدوه وناشدوه بموضوع الرضاع، الذي كان من حـليمة السعدية، رضي الله عنها، وجعـلوه سببا إلى ما بلغوه من مطالب، ثم هو صورة من صور الوفاء العملي والتعامل الخلقي الرفيع مع قوم والدته من الرضاعة، رضي الله عنها، فهو يترك السبي كله والغنائم لأجل تلك الوشيجة القرابية بينه صلى الله عليه وسلم ، وبين قوم مرضعته حليمة السعدية.
وفي موقف آخر من مواقف البر من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أمه من الرضاعة حليمة السعدية، رضي الله عنها، مما سبق ذكره [28] .
أما مع والده من الرضاعة الحارث بن عبد العزى فيمكن أن نلمس صـورة أخرى من صـور الـبر به وهو حرصـه على إسـلامه، ( فيروى أن الحـارث بن عبد العزى، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمـكة، فقالت له قريش: ألا تسمـع يا حار [29] ما يقول [ ص: 78 ] ابنك هذا! قال: وما يقول؟ قالوا: يزعم أن الله يبعث بعد المـوت، وأن لله دارين يعذب فيهما من عصاه، ويكرم فيهما من أطاعه، وقد شتت أمرنا، وفرق جماعتنا، فأتاه فقال: أي بني، مالك ولقومك يشكونك ويزعمون أنك تقول: إن الناس يبعثون بعد الموت، ثم يصـيرون إلى جنة ونار؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، أنا أزعم ذلك، ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت لقد أخذت بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم، فأسـلم الحارث بعد ذلك، فحسن إسـلامه، وكان يقـول حين أسلم: لو قد أخذ ابني بيدي فعرفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة ) [30] .
إن البر بالوالدين ينتج عنه عدد من الآثار الدنيوية، وعدد من الأجور في الآخرة، ومن ذلك:
- إن البر بالوالدين من كمال الإيمان، وحسن الإسلام، إذ فيه تحقيق لطاعة الله عز وجل، بالبر بهما، وتنفيذا لحث المصطفى صلى الله عليه وسلم على ذلك.
- يعد البر بالوالدين من أجل الطاعات، بعد الإيمان بالله عز وجل، وهو من الطرق الموصلة إلى الجنة.
- بر الوالدين يؤدي إلى زيادة الأجل، وطول العمر، ورفع الذكر في الدنيا والآخرة.
- بر الوالدين يكسب الإنسان بر الأبناء، والجزاء من جنس العمل. [ ص: 79 ]