أورد الدارمي في سننه من طريق يحيى بن أبي كثير رحمه الله أنه قال : السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاضٍ على السنة..
وكذا قال الأوزاعي رحمه الله : الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب…. والقصد فيما سبق أنها تقضي عليه وتبين مراده…
ولما سئل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عن تلك المقولة السنة قاضية على القرآن ، قال : ما أجسر على هذا أن أقوله، ولكن أقول أن السنة تفسر الكتاب وتبينه…
والحق أن أحمد بن حنبل رحمه الله يؤيد بإطلاق أهمية السنة في تفسير وتبيين القرآن الكريم ، ولكنه استحى تعظيماً لكتاب الله ، أن يقول أن السنة قاضية على القرآن ، حتى لا يلتبس على العوام…
فالسنة تفصل المجمل ، وتوضح المشكل، وتخصص العام، وتقيد المطلق…
في سورة الكهف ( وقال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا )
وفي سورة الجن يقول تعالى ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا )
الذي يقرأ الآيتين ، يشكل عليه أمران، جواز أو عدم جواز بناء المساجد على أضرحة… فيأتي دور السنة في الفصل والتبيين، فيقول صلى الله عليه وسلم ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا إني أنهاكم عن ذلك ، ألا إني أنهاكم عن ذلك، ألا إني أنهاكم عن ذلك)….
كذلك عندما حصرت آية سورة النساء تحريم الزواج من كافة المحارم، لم تذكر تحريم نكاح البنت على عمتها أو خالتها.. وهو ما جاء في السنة النبوية المبينة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) … وفي رواية لا تُنكح العمة على بنت الأخ، ولا ابنة الأخت على الخالة) …
وحمل السنة على القرآن الكريم يوجبه قوله تعالى ( وفصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) والتفصيل المحكم والمبين في حواشي السنة…
ومن أعظم أدلة حجية السنة في تبيين وتوضيح ما أشكل من نصوص في القرآن الكريم حمالة أوجه، قوله تعالى ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ) ..
فإذا لم يكن في السنة حديث النبي صلى الله عليه وسلم : أحلت لكم ميتان ودمان… الكبد والطحال، والسمك والجراد … لحُرمت هذه الأربعة تحريماً قطعياً بمقتضى الآية القرآنية…
كذلك دور السنة بالغ الأهمية في تفسير وتبيين وتوضيح ما جاء في كتاب الله، فقد يحمل اللفظ معنىً أو اثنان أو ثلاثة …
فالسنة الفاصلة قطعت بالنهي عن نكاح المتعة، والنهي عن صلاة المنفرد خلف الصف في صلاة الجماعة، وتغريب الزاني عام بعد جلده، ومنعت السنة الصلاة والصوم للحائض، ونهت السنة أن يرث المسلم الكافر، وأن يرث الكافر المسلم…..
وعنيت السنة كذلك بتقييد اليد اليمنى للقطع حال ثبوت فعل السرقة، وعنيت بفصل ألفاظ الأضداد، ومن أمثلتها كلمة القرء، التي تحمل حيضاً أو طهراً، وكلمة الظن التي تحمل يقيناً أو شكاً، وكلمة وراء التي تحمل خلفاً أو أماماً… ….