إن النهضة الجامعية وما تتضمنه من نقلة نوعية في الحيز البرامجي، بما يشمله من تدريس قائم على الابتكار من حيث الأداء والمحتوى، والذي يشكل عقول ومهارات ووجدان أجيال المستقبل، وخريطة البحث العلمي المتجددة، والتي تتسق مع صحيح المنهجية، ومن ثم تواكب قضايا وأطروحات العصر وتتنبأ بالمستقبل القريب والبعيد منه، وأثر ذلك على المجتمع وخدمة البيئة المحيطة وغير المحيطة؛ كل ذلك يتوقف على من يمتلك الرؤية والمهارة لقيادة المؤسسة الجامعية بما تحويه من ثروة بشرية عالية الإعداد والمهنية، ومقدرات مادية قد تصبح منتجة إذا ما تم استثمارها بفكر استراتيجي.
وحري بالذكر أن نجاح القيادة الجامعية تقوم على أمور متعددة، يأتي في مقدمتها توافق وتضافر وتعاون الهرم الإداري في تحديث الخطة الاستراتيجية للمؤسسة، وتنفيذ مراحلها من خلال تقديم كافة أنواع الدعم اللوجستي والمعنوي، ومتابعة آليات العمل بشكل مستدام، وتقويم كل مرحلة على حدة؛ بغية تعزيز نقاط القوة، ومعالجة نقاط الضعف بصورة فورية، بما يؤكد على الرغبة والإرادة الحقيقية الصادقة في بلوغ الغايات المعلنة؛ فلا ينبغي أن يحدث ارتباكًا أو توقفًا أو تركًا أو تجاهلًا لمرحلة عند غياب، أو رحيل، أو ترك قيادة لمكانها بغض النظر عن الأسباب والمسببات.
وفي هذا الإطار نربأ بأن يكون للأهواء دور في قيادة المؤسسة الجامعية؛ كي تحقق أهدافها الاستراتيجية على وجه الخصوص؛ لأن ماهية التطور والتقدم وبلوغ الريادة والتنافسية المؤسسية على الصعيدين المحلي والدولي، مرهون بمراحل التنفيذ المحدد سلفًا في خطة المؤسسات، مع الأخذ في الاعتبار المرونة التي قد تستدعي التغيير في المسار إذا ما تطلب الأمر ذلك؛ فالابتكار يقوم على ماهية فقه التجديد في آليات العمل الأكاديمي منه والمهني والإداري على السواء.
إن صلاح المؤسسة الجامعية يقوم على نسق قيمي واضح لا يقبل التعديل أو التجاهل من قبل جميع منتسبيها؛ فلا مكان للعشائرية والحزبية والمصالح الشخصية بكل تنوعاتها؛ فالثقة في القيادة تقوم على نتاج يلاحظ ويشاهد ويبقى أثره، وليس على بريق مكلف يزول بترك مكان أو مكانة، كما أن محدد الشفافية والمعيارية أمر يصعب أن نتغافل عنه لاعتبارات زائفة واعتقادات فاسدة نرسخها ونؤصلها كي نقوم بما يخالف العرف والقانون ويضير بالمصالح العامة على حساب الخاصة منها.
وتحتاج القيادة الجامعية دومًا لمناخ يساعد على تحقيق ما تصبو إليه المؤسسة من غايات، وهذا يؤكد على مسلمة رئيسة تتمثل في تعضيد ماهية العدل والمساواة بين الجميع، مع تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص؛ فقد تؤدي مجموعة أو أفراد بعينها أعمالًا يعتبرها القائد أساسية، وتقوم أخرى بممارسات قد يراها أنها غير مؤثرة في سريان العمل ونهضة وتقدم المؤسسة، وهذا يُعد هدرًا للطاقات وضعفًا حيال استثمارها بالصورة التي ينبغي أن تكون عليه؛ فمهام جميع العاملين بالمؤسسة تقع تحت توصيف معلن، والأداء له مقاييس متعارف عليها في رصده وتحديد مستويات الكفاءة وتوافر الكفاية.
والأمل معقود على أن تكون القيادات الجامعية مكتملة الصلاحيات ومدركة للمهام في فترة زمنية شعارها النهضة والازدهار وفق استراتيجية الدولة ورؤيتها المستقبلية؛ فلا جدال أن التعليم الجامعي بمهامه المعلومة لدينا التدريسية والبحثية والخدمة المجتمعية يشكل قاطرة تلكما النهضة المشار إليها؛ فمن خلاله نبني العقول وأصحاب الخبرات التي تقود مؤسسات الدولة، ويقدم المنتج في أشكاله المختلفة بصورة خلاقة تقوم على الابتكار، وعبر إفرازات بحوثه تتعاظم الاستفادة بتنوعاتها المختلفة الاقتصادية والصحية والتعليمية وغيرها من المجالات التنموية في قطاعات الدولة المختلفة، وبالخدمات المباشرة العاجلة منها تُلبى احتياجات المجتمع؛ فتحدث التوأمة مع أصحاب سوق العمل والشراكة مع أفراد المجتمع الفاعل، ومن ثم نرصد حالة الرضا المهني أو الوظيفي لدى الجميع.
ولنوقن أن التحديات في ازديادٍ وتنامٍ سواءً أكانت تقنية أم علمية أم اجتماعية، وهذا يجعلنا أكثر صراحة في تناول القضايا؛ فالفكر الإداري الجامعي يتوجب أن يواكب موجات التغيير العاتية دون مبالغة في شتى المجالات، ولا ينبغي أن يصبح منعزلًا؛ فالرسالة والرؤية الجامعية واضحة ولا تحتاج لتأويل، ومن ثم فقد أضحى توافر مقومات القائد أمرًا لا حياد عنه؛ فالقرارات في مضمونها تسعى إلى تنظيم بيئة تحدث تنظيمًا شاملًا لأداءات العمل وتخلق مناخًا يستوعب الجميع، ويسهم في تنمية علمية وتقنية واقتصادية واجتماعية، تمكن المؤسسة الجامعية من تحقيق الريادة والتنافسية، وتعضد النسق القيمي المحمود الذي يترجمه السلوك والتوجه.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
حفظ الله وطننا الغالي وقيادته السياسية الرشيدة أبدَ الدهر.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر