إن تطور التدخلات الطبية العلاجية وغير العلاجية، ذات الأبعاد العلمية، أدّى إلى تغيير تفاصيل القواعد الطبية العامة التقليدية. وفكرة التجارب الطبية أو البحث العلمي شملت جميع المجالات ومنها جثة الإنسان بتشريحها لأغراض علمية، ولا يقتصر الأمر فقط على جثة الإنسان، بل تعني الجثة كل شخص متوفى، وتشمل الأجنة المجهضة في إطار إجراء التجارب الطبية لأغراض علمية أو علاجية.
شهدت العلوم الطبية والدراسات البيولوجية تطوراً متواصلاً ، نتيجة التقدم الحاصل في الابحاث العلمية والعلاجية ، إذ بدء العلماء بإجراء التجارب الطبية العلمية والعلاجية على الخلايا الجذعية الجنينية للأجنة المجهضة والبويضات المخصبة الفائضة عن عمليات الاخصاب الصناعي ، التي أثمرت اكتشاف وعلاج حالات مرضية عديدة ، من خلال الوقاية والعلاج التي لا تتحقق عن طريق الاحتمالات وإنما من خلال التجربة التي تضمن ذلك ، إلا إن ذلك قد يصطدم بمبدأ حرمة ومعصومية جسد الانسان ، الذي يُعد من أهم مقاصد الشريعة الاسلامية التي تسعى الى تحقيقها ، وكذلك القوانين الوضعية من خلال تجريم كافة الافعال التي تُعد مساساً به ، مما يقتضي وجود مسوغاً يُبيح ما هو ممنوع شرعاً وقانوناً ، وهذا يدفعنا الى العديد من التساؤلات أهمها : ما المقصود بالتجارب ؟ وما ضوابط القيام بها ؟ وما الأساس الشرعي والقانوني لإجرائها ؟
ومن هنا فإن موضوع التجارب العلمية على الأجنة المجهضة يثير العديد من الإشكاليات لعل أهمها مدى اعتبار الأجنة المجهضة أو الجنين الميت أو المسقط محلاً للتجارب العلمية من الوجهتين القانونية والشرعية. ومن منطلق أن الإسلام دين يأمر بالعلم وطلبه ويرفع درجات العلماء ويجعلهم من أشد الناس خشية لله لأن العلم المقترن بالإيمان يقرب الإنسان من ربه ويطلعه على بعض من دلائل قدرته تعالى
فکانت شريعة الإسلام لا تقف حجر عثرة أمام تلک الأبحاث الطبية المتعلقة بالبحث العلمي الطبي والتداوي بل تقف الشريعة موقف الداعم لهذه المجهودات العلمية، إلا أنه لوحظ على بعض هذه المجهودات خروجها عن القواعد العامة للشريعة الإسلامية خصوصا المتعلقة منها بالحفاظ على الکرامة الإنسانية ومنع الاعتداء عليها أو جعل الإنسان سلعة تجارية بما يتعارض مع الضرورات الخمس التي أمرت کافة الشرائع السماوية بالمحافظة عليها إضافة إلى مخالفة بعض هذه الأبحاث للأخلاق الإنسانية الفطرية
ولهذا کان من الضروري بيان الموازين الفقهية الإسلامية التي تجعل تلک الأبحاث الطبية خادمة ومؤکدة للکرامة الإنسانية لا مهدرة لها. ومن هذه المجالات الطبية التي تحتاج إلى ضبط ما يتعلق بعلم الأجنة وخاصة المجهضة منها، والاستخدام الطبي لها وبيان الأحکام الفقهية التي تتعلق بمشروعية هذا الاستخدام، وهذا هو ما دفعني لکتابة هذا البحث لأبين القول الفقهي في الاستخدام الطبي للأجنة المجهضة مدعما ذلک بأقوال أهل الطب أنفسهم باعتبارهم أهل الذکر فيما يتعلق بدقائق هذه الأمور
أن التجارب العلمية والطبية المطبقة على الأجنة واللقاح الآدمية، تعتبر من المستجدات فقط في تشريعاتنا العربية، و ذلك بالنظر إلى أول قانون فرنسي تطرق إلى هذه المسألة و الذي كان سنة ،1994 و الذي قد تكون سبقته بعض التشريعات الغربية في ذلك، و الأمر الذي استغربه هو غياب الإشارة إلى هذه التجارب في تشريعنا الجزائري، وإن وجدت الإشارة فهي محتشمة، و عامة تشمل كل المشتقات البشرية،
و التي أنا شخصيا إلا دخل الممارسات على اللقاح الآدمية تحت هذه النصوص، ألننا لم تعد نتكلم عن نطفة أو بويضة، بل أصبحنا أمام بويضة مخصبة، و نواة أولية للإنسان. لهذا أراه من الضروري أن يوضح مشرعنا المصري موقفه من هذه التجارب والأبحاث العلمية على هذه الأجنة البشرية. ألن التبر ير الذي قد يقدمه البعض، بعدم تصور أن تطبيق مثل هذه التجارب في مصر لا أساس له، ألا انه و من المبادئ المتعارف عليها “الوقاية خير من العالج”، فإقرار نصوص قانونية في هذا المجال يلعب الدورين، الوقاية؛ وذلك بمنع أن تكون مصر ملاذا لكل من يريد إجراء التجارب العلمية على اللقاح الآدمية و التي قد تكون هذه التجارب مجرمة في تشريع الدولة التي ينتمي إليها الراغب في هذه التجارب، وذلك لغياب النصوص التي تحول دون ذلك في مصر، وكذا حماية الـأجنة البشرية و كذا أصحاب هذه الأجنة اللذين قد يستغلون لتحقيق أغراض غير مشروعة، خاصة
و أننا وصلنا إلى مرحلة من التطور العلمي تسمح بتطبيق ما يعتقد أنه يستحيل حدوثه. أما عن دور العالج، فقد يظهر أعمال مبدأ الشخصية، و ذلك حماية للزوجين أو المرأة والرجل الحاملين للجنسية المصرية من أن يكونوا محال مثل هذه التجارب والأبحاث في الدول الأجنبية، و على هذا الأساس سأقدم بعض التوصيات التي أخصها مشرعنا المصري الكمال النقص الذي يعتري قوانيننا في هذا المجال
. – توضيح موقفه أكثر بخصوص تقنية التلقيح الاصطناعي، فهل تشمل الأخصاب خارج الرحم، إضافة إلى التلقيح الداخلي. – إذا كان يقر بمشروعية التلقيح الاصطناعي فيجب عليه أن يتناول كل جوانبه وآثاره، من إخصاب خارج الرحم، تخزين وتجميد النطف والبويضات، تخزين و تجميد الأجنة، أجراء أبحاث وتجارب على هذه الأجنة…الخ.
- سن قوانين تتعلق بالطب البيولوجي خاصة في مجال الأنجاب، للتطور الكبير الذي تشهده هذه العلوم، و صور الممارسات الغير مشروعة التي أتاحت إمكانية تطبيقها. – الاعتراف بالتجارب والأبحاث المطبقة على الأجنة البشرية، وذلك لهدفين؛ وضع ضوابط و قيود لتطبيقها من جهة، والاستفادة من نتائجها و إيجابياتها من جهة أخرى. – و الأهم من ذلك إقرار الحماية القانونية للأجنة المخصبة مخبريا، من كل الممارسات الغير مشروعة التي قد تمس بقدسيتها. وفي محاولة للحصول على فتوى واضحة تجيز للمغتصبة إجهاض الجنين الناتج عن فعل الاغتصاب بعيدا عن الجدل المستمر لسنوات في وسائل الإعلام، حاولنا التواصل هاتفيا بدار الإفتاء المصرية للحصول على الفتوى، لكن مسؤول الفتاوى امتنع عن الفتوى، مطالبا بحضور الفتاة المغتصبة بنفسها للتحدث معها وإعطائها الفتوى بشكل مباشر. ولما جاء التقدم العلمي مستخدمًا كل وسيلة، فأجرى التجارب والبحوث على كل صغير وكبير من مخلوقات هذا الكون، وسيبقى للإنسان دوره، في إثبات نجاح أو فشل التجارب إذا تعلقت نتائجها بحياة الإنسان ولامست طرق حياته، وهكذا كان الإنسان عنصرًا مهمًا في التجارب العلمية. فأصبحت التجارب العلمية تفرض نفسها كواقع لا بد منه وغدت مسيطرة على عقول العلماء والمتخصصين، مما جعل منها خطرًا يحدق بالبشرية لأنه قد تساوي مخاطرها أو تزيد على فوائدها،
لذلك كان للشريعة دور في حماية الإنسان من الجنون العلمي الهائج، لتضع له القوانين والأحكام والضوابط الشرعية والفقهية، مما يحقق موازنة بين العلم والحياة والتكريم، لأن ما نراه اليوم من التجرؤ على جسم الإنسان، ليس له حدود وضوابط تمنعه، مما سبب امتهان الإنسان المكرم وهذا يهدد الحياة البشرية بالفناء إلا إذا احتكم العلم إلى منهاج ارتضاه الله فالإسلام كما هو معروف عنه بمنهجه المتكامل الذي لا يفصل بين دين ودنيا، بل يمزج بينهما بطريقة فريدة متميزة مترابطة تجعل من التجارب علمًا يفيد البشرية ولا يدمرها.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا