كتب – الدكتور عبدالعزيز آدم
روائي، وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية واستشاري علم النفس السلوكي
رواية “آرفيلا” للكاتبة الشابة المتميزة مريم أحمد تحمل في طياتها قصة درامية معقدة مليئة بالصراعات الأسرية، الانتقام، والمآسي الإنسانية. تجمع الرواية بين عناصر التشويق والدراما النفسية، مما يجعلها نصًا غنيًا بالتحليل والنقد.
ومن حيث البنية السردية
تتميز الرواية بحبكة مترابطة ومعقدة، حيث تداخلت العلاقات بين الشخصيات بشكل جذاب ومثير. الأحداث المتشابكة مثل تعدد الزيجات، الثأر العائلي، والدوافع الخفية لكل شخصية تعكس قدرة الكاتبة على نسج قصة مليئة بالإثارة. ومع ذلك، فإن كثرة التفاصيل قد تؤدي أحيانًا إلى تشتت القارئ، لكن الكاتبة صاغتها بسلاسة عجيبة تغلبت على هذا التشتت وجعلت القارئ يعيش أحداث الرواية كأنها مشاهد مرئية بوضوح أمامه، بل وكأنه أحد أبطال وشخصيات هذه الرواية.
كما تتسم الرواية الفريدة بإيقاع سريع في بعض الأحداث، خاصة في المشاهد المرتبطة بالانتقام والجرائم، مما يخلق توترًا مستمرًا نجحت من خلاله الكاتبة في تعزيز العمق الدرامي.
ومن جانب الشخصيات
تعكس شخصيات الرواية صراعات نفسية واجتماعية عميقة، مما يدل على ثقافة الكاتبة الواسعة ودراستها المتأنية للجوانب النفسية لشخصيات الرواية. ومن أمثلة ذلك:
• الجدّة: تمثل شخصية شريرة معقدة تجمع بين الحقد، حب السيطرة، والدافع للانتقام، لكنها أيضًا ضحية للظروف التي دفعتها لهذا المسار.
• الأب: يظهر كضحية لمجتمع تقليدي تحكمت فيه رغبات العائلة والقيم الاجتماعية، مما قاده لاتخاذ قرارات مأساوية.
• الحفيدتان: تعبران عن قضايا الهوية والصراع الداخلي بين الواجب العائلي والرغبات الشخصية، مما يمنحهما أبعادًا إنسانية مؤثرة.
• تطور الشخصيات:
معظم الشخصيات شهدت تطورًا مع تقدم الأحداث، خاصة الحفيدة التي تتحول من أداة في يد الجدة إلى شخصية مستقلة تواجه مصيرها المأساوي.
وعلى جانب الصراعات الدرامية المعقدة
تسلط الرواية الضوء على الخلافات الأسرية وأثرها المدمر، خاصة عندما تتشابك مع الأعراف الاجتماعية والطبقية. فموضوع الثأر حاضر بقوة في الرواية، وهو ما يعكس ثقافة اجتماعية متجذرة تعيش فيها الشخصيات. وتُظهر الرواية كيف يمكن للانتقام أن يصبح دائرة مغلقة لا نهاية لها.
كذلك تناولت الرواية العلاقة بين الأختين، وهي المحور العاطفي الأساسي، حيث أظهرت الكاتبة كيف يمكن للروابط العائلية أن تتأرجح بين الحب والكراهية بفعل التأثيرات الخارجية.
ومن حيث الأسلوب اللغوي
اعتمدت الكاتبة على لغة عربية قوية تتناسب مع الطابع الدرامي للقصة. ورغم أن اللغة تصبح مشحونة بالعواطف أحيانًا، إلا أن هذا الثقل يعمل لصالح الرواية، حيث يجعل القارئ يتفاعل نفسيًا مع كل شخوصها وأحداثها.
أما الوصف التفصيلي للأحداث والأماكن والشخصيات، فقد منح القارئ فرصة للتخيل والاندماج في النص، مما أضفى على الرواية بعدًا بصريًا يكاد يجعل القارئ يشعر بأنه يرى الأحداث بأم عينيه.
وبشكل عام
فإن رواية “آرفيلا” تجمع بين التشويق والدراما والشخصيات العميقة والمتنوعة التي تعكس صراعات إنسانية. كما تميزت الرواية بمعالجة قضايا اجتماعية حساسة مثل الثأر، الطبقية، والعلاقات الأسرية.
“آرفيلا” رواية تحمل في طياتها الكثير من التشويق والإثارة، لكنها تتطلب من القارئ تركيزًا عاليًا لفهم العلاقات المعقدة بين الشخصيات. تسلط الضوء على الجانب المظلم من الصراعات العائلية، وتقدم رسالة قوية حول أثر الانتقام على الأجيال.
الرواية تعد إضافة مميزة للأدب العربي وخطوة جديدة في رحلة نجاح الكاتبة مريم أحمد، التي أحييها على هذا العمل الروائي الفريد، متمنيًا لها دوام التألق والنجاح.