من المؤسف القول بأن هذه الأمة المتأسلمة لا تريد، ولا تحاول الخروج من كهف القناعات الماضوية المتكلسة بظنونها المرضية أنها على صواب في فهم وتطبيق العقيدة؛ وأن أية تصورات مغايرة لما تمت تربيتها عليه هو محض خروج عن ثوابت الدين.
ولقد ترسخت هذه الظاهرة المرضية بل وتسرطنت عقب وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ممن اصطُلح على تسميتهم بالخلفاء الراشدين؛ والذين التفوا حوله كصحابة يتلقون منه الوحي والتوجيهات؛ وشاهدوا الممارسات مما وصفت بالسُّنَة “العملية/ الفعلية”. وقد دخلت إدارة شؤون هذه الأمة في طور مُغاير؛ ظل يراكم الإشكاليات بامتداد القرون المتعاقبة.
وإذا كانت الأمة في فرعها المُتَسَنِّن (من السنة) وقعت في جُبِّ ما تسمى المرويات الماضوية؛ فالوجه الآخر المتشيع (من الشيعة) مارس اللعبة ذاتها باختلاق مروياته الماضوية المناقضة لخطاب الفريق المتسنن؛ لتبدو اللعبة بأجلى صورها في نهج “التأسلم السياسوي”؛ الدال على المشروع المتسيس والمتناسل من “النمط الأُمَرائي والمُلوكي)؛ وعند هذا الطور توقف العقل المتأسلم عن التكيف مع المتغيرات الدنيوية؛ والتي تجعل (ما لله لله وما لقيصر لقيصر)!!
ولعل أجلى صور نكبة الأمة في جانبها المُتسنن تتمثل في الدعوة التخريبية العميقة للعقيدة والحياة؛ تلك التي أطلقها من يُسمى “حسن الساعاتي البنَّاء”؛ والذي قام بتأسيس قاعدة التخريب تلك للمجتمعات المستهدفة.
إن جُلَّ ما يتوهمه حسن الساعاتي هو إعادة (إحياء دولة الخلافة الإسلامية)؛ لماذا ومتى وكيف؛ وما هي تصوراته لذلك المتوهم في العصر الحديث؟ بالتأكيد ليست هناك لديه إجابة مغايرة لسمات زمان (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة…)”النحل”؛ حيث كانت العرب لا تعرف الطائرات والصواريخ وسفن الفضاء؛ والتي بَشَّر بها الله بقوله (… ويخلق ما لا تعلمون).
لذلك فإن جماعة “حسن الساعاتي” في صورتها المعاصرة عبر الضجيج الإعلاموي الذي تهلوس به تجتر ليل نهار كلمة ” الثورة” لتحقيق مستهدفها الراهن بطريقة متهافتة؛ وكشفا للتهافت النظرياتي و”تكتيك التقية” التي تستخدمها سياسوياً ينبغي العودة إلى أصولياتها النظرية؛ لتكتشف ما يلي:
** الجماعة البنائية المتأخونة تستهدف في مشروعها التمكيني ليس الدولة المدنية المعاصرة، ولكن إعادة ما تسمى “دولة الخلافة الإسلاموية”؛ والتي كان سيحكمها “الإمام”؛ لذلك وصفت مؤسسها الأول “حسن البناء” بـ “الإمام”؛ مماثلة لمشروع الدولة الشيعية؛ وبعد مقتله اغتيالا بيد عناصر الجماعة نفسها فاستخرجت لقب “المرشد” توصيفاً لمن يدير شؤونها لاحقاً؛ لأنه لا إمام لهذه الجماعة سوى “حسن البناء الساعاتي” فقط والذي أسبغوا عليه منحة السماء له فتمتع بالفيض الإلهي؛ بل وإخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ وقد كانوا تنظيمياً يعتبرونه يمثل المعادل الموضوعي للنبي السياسوي برسائل تعاليمه!!
** “دولة الخلافة الإسلاموية” الأساس تشكلت بدءاً من مجتمع المدينة؛ وتمددت خلال مرحلة العصور الوسيطة تاريخانياً إلى مساحة شاسعة من العالم تحت مظلة نشر العقيدة؛ وفي الوقت نفسة تحقيق فتوحات عسكريتارية لها أغراضها وأجندتها الدنيوية المشروعة؛ وقد جرى توصيفها نظرياتياً بـ”فقه اقتصادات الغزو” لارتباطها بمعيار القوة والمتحصلات المادية المتحققه من قواعد الجزية؛ وقد كان نسق الإنتاج القائم خلال تلك المراحل إقطاعياً وتجارياً واستعبادياً؛ لذلك حكم دولة الخلافة فقه “تسعة أعشار الرزق في التجارة”؛ وليس الاستزراع أو الاستصناع؛ فضلاً عما لوَّث سمعتها السياسوية بما سُمي “فقه اقتصادات الغزو والسبي”.
** وتأتي الجماعة البنائية المتأخونة متخفية في “شعارات الثورة” خلال 2011م وما تلاها؛ لتعيش في المتوهم الماضوي بتلبس ذلك النسق الظني بإحياء النمط السياسوي المنقضي؛ وتتوهم إمكانية إعادة إحيائه سياسوياً؛ أي “دولة الخلافة الإسلاموية ” على الرغم من فقدانها لكل مقومات القوة العسكريتارية؛ التي تيسر لها فرض ذلك النموذج المُتمنى؛ فضلا عن انعدام قبضها على آليات التطور المماثل لتطور النوع الرأسمالوي المهيمن؛ والذي يجري تشكله الجديد في مرحلته العولمية.
إن الجماعة المتأخونة تاريخانياً يستحيل أن تعبر عن فكرة وفكر الثورة ؛ لأنها بنيوياً تصطف سياسوياً في مربع “اليمين العقدي الماضوي” فكرانياً؛ ولا يمكن أن تُقارب، أو تقترب مُطلقاً من الفكر الثوري الحقيقي بمفهومه السياسوي المعاصر؛ والمتعارف عليه في تجاربه العديدة.
وهنا يتجلى السؤال: لماذا إذن تستهلك “الجماعة المتأخونة” اصطلاحات مُقحمة على خطابها المروج له من نوعية “الثورة” و”الثوار” و”الجماهير” و”التغيير” و”الديموقراطية” و”صندوق الانتخابات” و”العسكر” و”تداول السلطة”… إلخ؟
إنها بوضوح صورة من نمط الانتهازية السياسوية التي تشكل إحدى جيناتها؛ والمؤكد انها فشلت، وستوالي الفشل لوجودها البنيوي في كهف الماضوية. وهذه هي كارثة الأمة في تفكيرها الماضوي(متأخوناً ومتسلفاً ومتشيعاً
