اطاح عرض صمت الفردوس مآل الانسان في نيل المكان اليوتيبي المرتجى؛ بعد تلك الحياة القاسية التي رزحت بها الذات في اتون النسف الحياتي في اروقة الحرب ودمارها الشامل والضاغط على الوجود المادي والمعنوي؛ تلك الذات التي سِيقت الى الحرب وفق مفاهيم الشرف والنبل والدفاع عن الوطن لتنساق بتيار الوعي المغيب؛ تغريرًا تارةً وترهيبًا تارةً أخرى؛ من هنا تذوب تلك الذات ويضمحل وجودها المادي، لتتحول اداةً ووقودًا للحرب؛ لتتصير مصائر ذوات الى القتل والعدم لأسباب شخصية فردية مريضة وضيقة.
شخصيتين معدمتين قُتلِت في الحرب من كِلا الجانبين؛ تدعي كلًا منها انها حصلت على نيل الشهادة، تقفان عاجزة عن دخول الجنة؛ ليتحول المنال اليوتيبي الى مكان ديستوبي؛ اذ تتفاجأ الشخصيتين من عدم امكانهما المرور الى ذلك المآل المنشود؛ بوصف عدم وجود اسميهما في جواز العبور الى الجنة. هنا ينشأ الجدل الحواري بين الشخصيتين المتقاتلتين من وصف احدهما على حق والاخرى على باطل.. ارهاصات يوميات الحرب تحكى وتسرد وافكارًا تطرح لمسببات الحرب ودوافعها وممكنات استمرارها ؛وصولًا لتعرف انهما قتلا بعضهما بصاروخ بعيد المدى؛ وانهما من عقيدة واحدة ودين واحد ومن ثم ذلك التعرف العميق انهما اصبحا وقودًا للحرب واداةً لأوهام وطموحات ونزوات شخصية تستخدمها السلطة لمكاسبها الفردية.
ازاء هذا التعرف والمآل المفقود بنيل ذلك المكان اليوتيبي تتصارع الشخصيتيان شأن شخصيات اخرى مماثلة اطرها العرض وفق قائمة من الاسماء غير المعروفة الهوية من خلال فيلم وهي حاولت هي الاخرى نيل ذلك المكان لتتصير الى مكان ديستوبي صائر اليها رغمًا عنها.
صمت الفردوس.. رحلة حياتية شدَّت رحالها الشخصيات؛ لتتصير هي/ نحن /الراؤون من خلال المرايا المستخدمة في العرض لتعكس ذواتها وتقدمها لنا والتي قد الفناها وعشناها معًا.. وكدرس مادي لمخلفات الحرب وننتائجها الكارثية على الذات والوجود.. وكيف للمآل الوجودي وغاياته المثالية في ذلك الهدف اليوتيبي المنشود الذي تهشَّم على طاولة الحضور المادي القاسي الصلد الذي امات الموت مرتين.مرة في الشهادة ومرة عدم نيل المآل النهائي. لتتحول اليوتوبيا الى عذابات التوبيخ واعادة النظر في تلك المسميات والمقولات والسرديات الكبرى ازاء الحياة والوجود كمناهض موضوعي لتلك المتخيلات الواهمة للنهايات البشرية، بفعل المستحدثات السلوكية البعيدة عن الانسانية التي حولت الانسان وفعله الى مسخ متصارع بشموليته السلبية المتأطر بنوع من التهكم والفوضى والفردانية ؛ ليقدِّم صورة وهمية مظللة للحياة التي رزحت وترزح بفيض هائل من الخراب والقيح المادي الذي البس الوجود ذلك التيه والضياع.
اجاد الممثل حسن الغبيني وبحنكة عالية تصوير تلك الدواخل النفسية للشخصية وما مرت به من عتبات حياتية ورجَّات نفسية لتجربته الادائية الثرة التي افاد منها في تصوير هذه التجارب التعبيرية الدالة لما مرت به الشخصية؛ كما كان اداء الممثل حسين جواد في اناقة ادائية كملَّت تلك الدائرة الوجدانية لدالة العلاقات ما بين الشخصيتين وما افرز ذلك الجدل المادي والمثالي بينهما.. ويظهر كعلامة جمالية دالة في بنية الاداء ما جاد به الفنان كاظم خنجر من اداء مزدوج ترواح بين الاداء السينمائي المنتمي لبنية الاداء المسرحي..
مسرحية صمت الفردوس عن نص الشهداء لا يدخلون الجنة ( علي عبد النبي الزيدي) .. اخراج: حسن الغبيني. تمثيل: حسن الغبيني.. حسين جواد.. كاظم خنجر..تقديم كلية الفنون الجميلة.. جامعة الحلة الاهلية.. ضمن عروض المهرجان المسرحي البابلي السادس.. المسرح الكبير.. اشراف الدكتور علي الربيعي.
