من المفارقات المدهشة ان الأجانب غير المتحدثين باللغة العربية يحسدون العرب على انهم يقراون القران الكريم بلغته الاصلية وبالتالي قراءتهم صحيحة ويمكنهم فهم الايات ودلالاتها ومقاصدها دون عناء ويعرفون أيضا احكام القران وفقه الايات ويستمتعون بمعاني وظلال الاعجاز القراني المبهر في الكلمات والحكايات وهوما لا يتثنى للأجانب من خلال الترجمات لمعاني القران الكريم مهما بلغت دقتها وقوتها ورقيها فلن تسطيع أي ترجمة ان تنقل تلك القوى الكامنة داخل النصوص سواء كانت لفظية او روحية..
المفارقة الأكثر دهشة او المضحكة المبكية ان كثيرا من الأجانب حتى ولو لم يجيدوا العربية فانهم يفهمون القران اكثر من كثير من العرب بل هم الأصدق استماعا والأكثر تاثرا باياته وتفيض اعينهم من الدمع عند سماعه لما عرفوا من الحق وهذه قوة اعجاز أخرى كامنة في ايات الذكر الحكيم..
ينبغي الإشارة الى موقفين متمايزين للأجانب مع القران:
احدهما يبحث عن مثالب وشبهات وما قد يظنه البعض أخطاء او تضاد او ما شابه ليتخذها متكئا للهجوم على القران وبالتالي على الإسلام كدين..
الثاني: يبحث عن شعاع نور وهداية وانقاذ من عالم التيه والحيرة الذي يضرب المجتمعات الغربية ليس فقط على صعيد الايمان بالله تعالى ووحدانيته والايمان برسله والبحث عن مرشد يقود الى اليقين فيما يتعلق بقضايا الخلق والانسان وانسانيته وغيرها من أسئلة لم تستطع الفلسفات الغربية ونظرياتهم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها تقديم إجابة شافية عنها..
ولعل هذا المنحى هو ما يفسر الأسباب الحقيقة لاشهار الكثير من الأجانب اسلامهم واعتناقهم الدين الحنيف..
اذا كانت الدراسات القديمة تشير الى ان معظم من اشهروا اسلامهم كانوا من كبار الدارسين في علوم العقائد والأديان ورجال الدين المسيحي واليهودي ومن المستشرقين وغيرهم ممن عكفوا على دراسة الإسلام بحثا عن طريق لاختراق المجتمعات الإسلامية وتمهيد الطرق لفرض السيطرة والهيمنة عليها استعماريا سواء عسكريا او ثقافيا او اقتصاديا للحيلولة دون امتلاك المسلمين قوة من نوع ما وليظلوا تابعين للدول الغربية في كل شيئ بعد نهب الثروات والسيطرة عليها..وذلك بعد ان وصلوا الى قناعة تامة عن قوة وتأثير القران العظيم في بناء شخصية المسلم وفي تنظيمه لحركة الحياة للناس والمجتمع حتى انهم اعتبروا ان تاثير القران لا يقل أهمية عن تاثير الدم في جسم الانسان وهو ماعبر عنه صراحة المفكر الفرنسي فنساي مونتاي بقوله :”ان مثل الفكر العربي والإسلامي المبعد عن التاثير القراني كمثل رجل افرغ من دمه “.
الجديد الان ان من يشهرون اسلامهم في العصر الحديث هم من الشباب الذين يعيشون قلق الحضارة الغربية بامتياز وبداوا في اعلان التمرد عليها بعد ان ملوا حياة الفوضى والبوهيمية التي يرتعون فيها وبعد ان انقلبت المعايير ضد الفطرة الإنسانية والاتجاه نحو شرعنتها وتقنينها رغم الرفض الشديد لها من قبل الأغلبية الواعية او التي لاتزال تحتفظ ببقية من عقل او إنسانية وليس بخاف على احد محاولات فرض الشذوذ وإقامة علاقات خارج اطار الزواج الشرعي والطبيعي وانتهاك إنسانية الانسان واعلاء شأن الغرائز مهما كان الثمن.والادهى ان تستخدم تلك الأمور الشاذة المنافية للفطرة البشرية ومعارضتها أداة للقهر ووسيلة للضغط السياسي وبابا للحصول على منح وامتيازات حتى يتم تسريبها الى المجتمعات الأخرى وخاصة المسلمة ولايهمهم في ذلك انها تتصادم وابسط قواعد الدين الإسلامي والأعراف الاجتماعية أيضا.
الاختراق القراني الجديد للمجتمعات الغربية حدث بفعل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وسرعة الانتشار فقد اتاحت وسائل مثل التيك توك واليوتيوب ومقاطع الفيديو والريلز القصير والمركزة معرفة سريعة مباشرة ومؤثرة وأثارت لدى قطاعات كبيرة من الشباب الغربي أسئلة مهمة ممن يبحثون عن الامن والطمانينة والراحة النفسية والاستقرار الاجتماعي..يظهر ذلك جليا من مقاطع الريلز التي يعلن فيها كثير من الأشخاص اعتناقهم للاسلام بعد سماع ايات القران الكريم او بعد بحث في ترجمات معاني القران عن أسئلة حائرة لديهم ووجدوا إجابات عنها واضحة في ايات القران لم يجدوها في مكان اخر..وقد شاهدت بنفسي العشرات بل المئات من المقاطع والحوارات حول لماذا اسلم هؤلاء وتأثير القران عليهم..
وهذه ظاهرة جديرة بالبحث والدراسة الجادة والمتعمقة والتفاعل معها بما يقدم خدمة حقيقة لدين الله وللانسانية..
استوقفني من بين نظرات الغربيين في القران موقف الأمير بسمارك حين جلس مع نفسه ليفكر في إدارة شؤون البلاد يقول: قرأت وتمعنت في جميع الكتب السماوية المنزلة من عند الله في جميع العصور ولم أجد في أي واحد منها الحكمة والإصابة.وما ورد فيها بعيدا عن إدارة مجتمع بل بعيدا عن إدارة منزل وإدخال السعادة عليهم.لكن الإسلام شيئ اخر فقد دققت القران من جميع الجهات ففي كل كلمة فيه حكم عظيمة فأعداء الإسلام إن ادعوا بأن هذا الكتاب قول محمد وإن ادعوا بأن هذا التكامل وهذه الروعة صادرة من دماغ بشرية فهذ ليس إلا إعماء البصيرة عن الحقائق ودس الحقد والضغينة وهذا يناقض العلم والحكمة..فأنا أدعي بأن محمد قوة رائعة ممتازة لا يأتى له مثيل ولا يحتمل ذلك..متأسر بأنني لم أعاصرك يا محمد! ما تعلمه وتبلغه ليس لك..هو إلهي فإنكار ذلك كإنكار كتب العلم وهذا مضحك.
لهذا-والكلام لبسمارك-فقد شهدت البشرية المتميزة مثلك مرة واحدة ولن تشهد مرة أخرى..إنني أنحني لدى حضرتك بالمحبة والأحترام ..
صلى الله وسلم عليك يا سيدي يا رسول الله..
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com