ماذا جري للمصريين؟ لماذا تحولوا حتي في طبقاتهم الدنيا إلي سادة وخدم إلي متحكمين ومحكومين .. الظاهرة عامة .. هذا الأسبوع لمستها عدة مرات.. في مصلحة حكومية وإدارة لتصاريح العمل وهيئة المعاشات والتأمين الصحي وغير ذلك..
طابور طويل يقف أمام موظف لإنهاء معاملات تركيب عداد كهرباء .. يتجاوز الطابور زملاء للموظف ومعهم أوراق يوقعها ويتركون المعلوم في درج مكتبه .. الواقفون ملوا من الانتظار وتجاوز دورهم.. صاح أحدهم خلصنا يا أستاذ! فإذا به يغلق دفتره ويغادر مكتبه قائلاً إنه ذاهب للعيادة لارتفاع الضغط عنده .. يرتدي المسئول قناع السيد المطاع ويعامل مواطنيه علي أنهم خدم لديه ..
في نفس التوقيت تقريبا ذهبت ابنتي لمدرسة تعتبر من أعرق وأشهر المدارس الأجنبية بمصر لتسأل مدرسة الفصل عن درجات حفيدي .. ومعها جاءت أمهات وأباء ينتظرون المعلمة الفاضلة.. جاءت علي عجل لتقول إن مستوي الصغار زفت .. طلبوا منها كتابة ورقة وتوزيعها علي الأطفال بما هو مطلوب منهم تحديداً ,فإذا بها تهرع إلي سيارتها قائلة آسفة “معنديش وقت” .. توسلوا طالبين رقمها التليفوني لمراسلتها بالواتس آب .. فقالت وقتي لأولادي وزوجي .. رغم إن الجميع يعلم أن يومها مشحون بالدروس الخصوصية حتي العاشرة مساءاً..
ذهبت مع صديق مريض إلي هيئة التأمين والمعاشات للاستفسار عن تأخر الزيادة السنوية التي تصرف للجميع من الدولة ..المسئولة مشغولة بتليفونها المحمول في مكالمة أسرية امتدت لنصف ساعة والأخري تصف طريقة عمل الكبدة الإسكندراني لزميلة لها تزوجت حديثاً وكعاداتنا نعطي النصائح للعروسة لتربط زوجها بالمنزل .. ارتفع صوتي أخاطبهن يا هوانم الرجل لا يستطيع الوقوف وعنده ثلاثي القلب والضغط والسكري ألا تشفقون .. ألا ترحمون .. ببرود نظرن إلينا قائلات .. خلفك أماكن مريحة للاستراحة يا أستاذ ويمكن أن تطلب شيئاً من البوفيه ..قلت ولكننا جئنا لسؤال محدد لن يأخذ دقيقتين علي الكمبيوتر ..فإذا بهن ينهضن ذاهبات لاستراحة غداء .. ماذا تفعلن للحصول علي استراحة!
من ناحية أخري في الشارع حملة لشرطة المرافق لمطاردة الباعة الجائلين وأصحاب المحلات الذين يتركون بضاعة خارج المحل ..انا مع تطبيق القانون في كل شيء لكن بالرحمة واللطف ..وليس بالتكسير والتحطيم ..رايي وقعوا غرامة مالية ولاتحطموا عربات الباعة أو بضاعتهم..
حتي في الصحافة هناك خدم واسياد..فيخدم الموهوبون الحقيقيون كراسي رؤسائهم المعينيين بقرارات فوقية ولايملكون ابداع أو موهبة سوي الطاعة في ظاهرة عبثية نتمني أن تختفي..
لولا ظاهرة الخدم والسادة لوجدنا كثيرين كان يمكن أن يكونوا مبدعين لوخرجوا من تلك الدائرة القاتلة..لولا الاهمال والقسوة والجبروت والتعامل بغباء وحماقة وتعال غير مبرر لتقلصت ظاهرة هذا الاستعباد في الافراد والمؤسسات بل وفي الحكومات والبرلمان والمحليات ..التهميش المتعمد يفاقم الحالة ويزيدها تعقيدا..
انها فئة ارتضت لنفسها أن تكون سادة إما لعقد نفسية أو تعقيدات اجتماعية يبذلون ما في وسعهم لإشعار آخرين أنهم عبيد إحسانهم.. خدم لهم وعليهم أن ينتظرون رضاهم ..وإذا جادلتهم تجئ إجابة دينية عجيبة فيقول قائل إن الله عز وجل يقول في محكم آياته “وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وأنه لغفور رحيم” الأنعام 165 .. نصب هؤلاء أنفسهم خلفاء علي العباد يتحكمون في مصائرهم ويعبثون بمستقبلهم معتقدين أنهم أعلم بمصلحتهم وأدري بتوقيتات النظر في أمورهم..
الغريب أنك تسمع كل حين عن محاسبة ومكاشفة وشفافية .. ثم لا يحدث شيء وتتأخر العدالة رغم الحق الضائع والجرم المشهود .. نصاب بالشلل ونحن ننتظر كائنا خرافياً قادماً من خارج مجرتنا درب التبانة ليساوي بين السادة والخدم في الحقوق والواجبات .. وليس أبدا في الرزق والقضاء والقدر ..
سائقون تحولوا لديناصورات طليقة تغتال المارة وتطيح بالسيارات الأخرى وإذا عاتبت أو لمت تسمع الاسطوانة إياها “الشوارع اتسعت .. والسرعة زادت .. ولا توجد أماكن لعبور المشاه” .. هكذا تحول ملاك السيارات إلي السادة والسائرين إلي خدم .. ما يغيظك الصالونات الصباحية والمسائية في الإعلام والسوشيال ميديا التي يرتادها أمراء النفاق مشيدين بالعدالة التي تحققها الحكومة للمواطنين قساة القلوب وناكري الجميل .. حكومتنا المديونة بالمليارات تتنقل بالطائرات وأفاخر السيارات .. وعلي الجانب الآخر شتاء قارس وخيار إما أن تتدفأ وإما أن تأكل! كيف سيدرس الطالب المنهوب جيب أبيه؟ كيف يبدع!
نريد عدالة في التعليم والصحة والأجور والخدمات والضرائب وأسعار السلع ..عدالة ليس فيها أبناء سادة وآخرون من الخدم ترمي لهم الفتات وتطالبهم بالرضا .. يأكلون بملاعق يعلوها الصدأ أو بأيديهم ويتناول غيرهم طعامه بملاعق ذهبية..
والأعجب مما سبق أنك تجد سادة وخدم في الملابس .. فالتي لا ترتدي حجابا لا ينهض أحدهم ويجلسها مكانه في المترو أو وسائل المواصلات .. ما دخل المساواة في الحجاب أو النقاب إلا إذا كنا في دولة دينية العقل ومذهبية الفكر وبالتالي فإن قوانينها لا يعمل بها إلا في المحاكم .. وعلي المتضرر اللجوء للقضاء .. ولا أعتقد أن القضاء سيصدر حكما بالمساوة بين البشر!