عدة أشياء جعلتنى أتابع نيفين القباج وزيرة التضامن الاجتماعى منذ الإعلان عن اسمها كوزيرة تسلمت الراية من الدكتورة غادة والى التى انتقلت للعمل فى منظمة الأمم المتحدة. أول ما لفت نظرى اسم القباج فأنا من المغرمين بالأسماء الجديدة والغريبة على مسامعى ولعلها المرة الأولى فى حياتى التى أسمع فيها اسم القباج وقد بحثت عنه فى كثير من معاجم اللغة العربية التى أجمعت أنه الاسم الرسمى لطائر الكروان الذى يتميز بصوته الجميل وبألوانه الزاهية وطلته البهية. وثانى تلك الأشياء أنها سيدة محجبة لم يمنعها حجابها من الاجتهاد فى عملها حتى وصلت لمنصب الوزيرة. أما ثالث ما لفت نظرى هو هذا الاستقبال الشعبى الذى استقبل به العاملون فى الوزراة زميلتهم التى أصبحت وزيرة ولفت نظرى أن الدكتورة غادة والى كانت على رأس المستقبلين لها بالورود فى لفتة راقية لا تتكرر كثيرا فى بلادنا.
لاحظت بعذ ذلك أن نيفين القباج كوزيرة تستخدم لغة لا يستخدمها غيرها من كبار المسئولين وقد تأكد لى ذلك خلال لقاء حضرته مؤخرا للوزيرة نظمته غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة. أعترف أننى فى بداية اللقاء وكما أفعل مع كثير من المسئولين لا أسمعهم بكلتا أذنىّ ليقينى أننى لن أسمع جديدا بل سيكون نفس الكلام المكرر الذى أسمعه بانتظام منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما عندما بدأت رحلتى فى بلاط صاحبة الجلالة اكتب فى الندوات ما يقوله الوزراء وكبار المسئولين من كلام لا يخرج عن أن كل شيء تمام وأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، لدرجة أننى كثيرا ما أداعب زملائى الصحفيين المشاركين فى تغطية نفس الندوة وأنا أراهم منكبين فى الكتابة قائلا لهم: انتوا بتكتبوا إيه؟ ده أنا ممكن أسمًعكم كلام جديد أفضل مليون مرة من اللى بيقوله المسئول ده! لكنى أشهد فى اللقاء الأخير أننى ولأول مرة أسمع من مسئول كبير كلاما مختلفا ولغة واقعية بعيدا عن شطحات الخيال والإنجارات التى لا يشعر بها أحد غير الوزير وربما طاقم مكتبه نظرا لما يغدق عليهم من مكافآت تصل لملايين الجنيهات شهريا للمسئولين عن مكاتب بعض الوزراء والموضوع ليس فيه أى مبالغة بل كان موضع مساءلة برلمانية عندما تم الكشف مؤخراً عن صرف 124 مليون جنيه مكافآت وحوافز تشجيعية للعاملين فى مكتب أحد الوزراء خلال موازنة العام الماضى!
لذا عندما سمعت كلمات نيفين القباج كدت أصرخ مثلما صرخ اسحق نيوتن عندما سقطت عليه التفاحة: وجدتها وجدتها فها هى وزيرة تقول بكل ثقة: خدماتنا فى بعض المجالات «مش حلوة» وليست على ما يرام لكننا نسعى لتطويرها، وعندما سألها أحد الحاضرين عن ذوى الإعاقة قالت بكل صراحة: هذه الفئة لم تلق منا ما تستحقه من اهتمام ورعاية لكن هدفنا ليس فقط أن يحصل المعاق على حقه فى التعيين فى بعض الوظائف لكن لتدريبه وإعداده ليكون مؤهلا للوظيفة التى يلتحق بها لأن القانون وإن كان يتيح للمعاقين نسبة عند التعيين لكنه لا يستطيع أن يفرض على أى هيئة أو مؤسسة معاق غير مؤهل للوظيفة التى سيؤديها. أما أكثر ما أسعدنى فى هذا اللقاء هو أن الوزيرة لم تستأثر بالحديدة (أقصد المايكرفون) لنفسها بل حرصت أن يصعد معها على المنصة زملاؤها فى الوزارة المختصون فى بعض القطاعات وتركت لهم الفرصة معها للرد على استفسارات الحضور لأنهم ملمون بكل تفاصيل القضايا المثارة للنقاش خلال الندوة وهو أيضا تصرف جديد حيث اعتدنا أن يكون الوزير هو البطل الوحيد للعرض بل أعرف وزيرة سابقة كانت تنكل بأى مسئول يلمع نجمه فى الوزارة وتقصقص ريشه إن صح التعبير حتى لا يهدد موقعها كوزيرة، لكل هذه الأسباب وجدتنى أسمع كلام الدكتورة نيفين القباج وأنا فى حالة طرب حقيقى بعد أن تحقق حلمى وأنا ألملم أوراقى الصحفية فى أن أعاصر قبل الرحيل وزيرا يقول الحقيقة، فكل الشكر لنيفين الكروان.. «القباج» سابقا!