قال..
ذات زمن..
كانت ضحكتها آخر ما يقرع مسمعي قبل النوم..
وصورتها..
تلك الرؤيا المقدسة التي لا تفارق ناظري على اليقظة..
أو حينما تأخذني غفوة،فيغيب معها الإدراك بالمحسوس والملموس..
وكأنما تجاوزت كل قوانين الوعي واللا وعي..
وقد وقر في خلدي أنها مشعر مقدس من شعائر الدخول في الدين..
فلا يكتمل إسلام القلب إلا بالإقرار بالحب واحدا من أسمى ما يسعى إليه الورى..
وكانت في أعيني كل معني قد يتبادر للذهن لهذه الكلمة..
كانت يقينا يلازمني..
كيقين يوسف برؤياه إذ استحالت فلقا لا ينكره إلا مجنون..
كانت ذكراها والحديث عنها..
حياة روحي..
كغيمة ماطرة تسقي أرضا جدبى..
كانت..
كتلك الحكايا التي تقصها عليَّ جدتي بنهاية كل يوم..
تهدهدني..
لأغفو على رجلها..
أتوسد أطراف الحروف..
وألتحف شغف انتظار النهايات..
التي كانت تؤخرها كل ليلة..
بزعم صياح الديك..
وطلوع الفجر..
ودخول الكلام..
بؤرة المحظور..
لكنها..
تطلعت نحو أفق آخر..
أشاحت بوجهها..
فماتت الحكايات..
دون أن تنتظر لهفتي البائسة أن تسدل جدتي الستار..
ماتت جدتي..
انتحر الشغف..
وأحرقت على إثرها..
آخر دفاتر طفولتي..
مودعا كل ما يبقى في ذاكرة الأطفال..
كالحصان الخشبي..
وحكايا الشاطر حسن والأميرة الجميلة..
لأشيخ على أعتاب الميلاد..
أو ربما قبله بقليل..
فمن قبلي عاش جنينا؟!..
طفلا وشيخا…
داخل فجوة..
اسمها حلم..
عذرا..
اسمها وهم..
ما كنت أعلم حينها يا سيدتي..
أن الحب أمير يموت في نهاية كل قصة..
وإلا لما عشقت حكايا جدتي..
وجعلت منها شهرزاد جديدة لكل ليلة..
وقد تبين لي حينما كبرت..
كم كانت تشفق علي وهي تؤخر نهاية الحواديت دوما..
لأنها كانت تخشى على صغري من وجعي على موت البطل..
برصاصة الفراق..
أو بالصلب على خشبة الخذلان..
أو..
على أحسن الأحوال..
النفي خارج حدود الأوطان..
ليموت وحيدا..
طريدا..
بائسا..
بينما صوت ضحكات من نفاه..
يشق مدى ما تصل إليه أسماع الخلائق..
ما كنت أعلم يا سيدتي..
أن الغياب لص..
يشق القلوب ويسرق وجوه من نحب..
وينتزع ذكرياتنا معهم ليلقيها في سلال المهملات..
غير عابيء، كم يسحق بداخل هذه السلال الصغير أعمارنا..
أنفاسنا..
نبض قلوبنا..
لم أكن أعلم..
أنه حينما يطعن الخاصرة بدعوى أنه يدافع عن بقائة..
سيمحو أثر فعلته بالقدوم في ظلمة الليل كالشياطين ..
والذهاب في زي النساك علنا..
ليبريء ساحته..
ويداه تقطران دما..
وكله ملوث بأرواحنا التي سحقها..
وكأنما يقتل القتيل ويشيع جنازته…
إلى ذلك المثوى الذي لا يرجع أهله مهما امتد الزمان..
لم أكن أعلم حينها..
أنه حينما أتى..
وحينما راح..
ما كان يعرف لنا طريقا..
لكن أحدهم كان له دليلا..
وذات ال أحدهم أيضا..
كان من أشرع له الأبواب..
بل كان صك الموت ممهورا بتوقيعة..
مختوما ببصمة أصابعه العشرين..
قدم سارت..
ويد اغتالت..
ياااااا له من رحيم..
عذرا..
لم أكن أعلم..
أن ذات ال أحدهم..
عابث..
لدرجة أن يصدر الأمر بالقتل..
ويقود القاتل للديار..
بل..
ويجلد ما بقي من ذكرانا..
على الجدران..
في الدروب..
على الأرصفة..
حقا..
طوبى لحضرته..
من يزهق روحا..
ويمحو وجها..
ويجلد ما بقي منه..
هذا..
إن بقى..
النص تحت مقصلة النقد
بقلمي العابث..