رغم احتفالنا بعيد الفلاح المصري يوم 9 سبتمبر سنوياً منذ اصدار قانون الاصلاح الزارعي عام 1952
بعد أسابيع قليلة من قيام ثورة 23 يوليو بقيادة اللواء محمد نجيب ثم نائبه الزعيم جمال عبد الناصر ومعه الضباط الأحرار
وتقسيم أراضي الإقطاعيين في مصر علي الفلاحين ( شركاء لا أجراء ) بواقع خمس أفدنة لكل فلاح تفتت بعدها لقراريط صغيرة بين الورثة
وإطلاق حملات أهلية وحكومية عديدة لمكافحة الحفاء
وذلك بتوفير أحذية وجلاليب للمعدمين من الفلاحين
ومشروع كهربة الريف المصري الذي وصلته بأضواء المدينة
لكن إختلت بعدها منظومة القيم للقرية المصرية الأصيلة في دلتا وصعيد مصر
والمُستمَدة من حضارة نهرالنيل
العريقة والأديان السماوية للإسلام والمسيحية
هذا الحصن الحصين للمجتمع المصري وجهاز المناعة الحيوي لمصر الآن أصبح في مَهَب الريح
بعدما تم إختراقه وهدمه داخليا لعوامل عديدة
منها مثلا سفر شباب القرية ورجالها للعمل بالمُدن السياحية لداخل مصر
أو الإعارة والسفر للخليج ولييبيا والأردن وقبلها العراق لجمع المال وبناء دارهم بالحديد المُسلح ،،،
وقد تسبب سفرهم في تمزيق الأسره المصرية الآباء مع الزوجة والأبناء ليصبحا مطمعا وفريسة للعابثين وضعاف النفوس
ثم بعد عودة رجالهم بأخلاق وعادات غريبة علينا سواء من الخليج العربي بجلابية الكندورة
أو من أوروبا بالشورت القصير
وتزامن ذلك مع ظهور قنوات الدِيش المشفرة الفضائية للأقمار الأوروبية التركية والإسرائيلية
ثم دخول النت والمواقع الجنسية الإباحية
وهواتف الموبايل بالكاميرا التي ساهمت في تخريب البنية الأساسية للمجتمع الريفي والحضري
وذلك بتصوير ونقل أدق أسرار وخفايا المجتمع المصري
لمن يدفع لهم بالخارج لتخريب بلادهم بأيديهم بدون وعي !!
مع إنتشار المخدرات بأنواعها الشهيرة وحبوب الهلوسة والمنشطات الجنسية لكي تباع للمراهقين كالحلوي بدون روشتة طبية
مع وجود محال البيرة والخمور الرديئة التي أحيانا مايسبب الكحول الإيثيلي التسمم والعمي وربما حتي الوفاة
وبعد القضاء علي مرض البلهارسيا بعدما أعطي الفلاح ظهره للترعة !!
ظهرت أمراض أخري ناتجة من تلوث الماء والغذاء تتمثل في أمراض الكُلي والكبد الوبائي وأمراض سرطانية أخري جديدة منها وباء كورونا الذي شل الحياة في العالم كله في عام 2020
وما زاد الطين بلة ظهور التوك توك الهندي عام 2004 كوسيلة للنقل بعدما عانينا من الميكروباص في نهاية السبعينات
إلا أن الوافد الجديد
قد حل مشكلة ليصنع مشاكل أخري منها زيادة معدل الجريمة والسرقة واختلافها
عن تسمميم وسرقة المواشي في الماضي وحوادث التحرش والخطف والإغتصاب للأناث (التخزين)
كل ماسبق مع الفراغ
و ثقافة النُدرة والزحام وتجمُد الخطاب الديني والبطالة
وعدم ممارسة أشياء مفيدة كالرياضة أو القراءة والثقافة لتفريغ طاقتهم ووقتهم
ساهم ذلك في هدم أركان وجذور القرية المصرية وإندثار الأخلاق الأصيلة في القري والنجوع
مع تنامي ظاهرة تزويج القاصرات
الي كهول وعجائز الخليج بمقابل مادي وبدون ضمان حقوقهن
أو ظاهرة العنوسة للملايين ممن فاتهن قطارالزواج لإرتفاع تكاليف الزواج الباهظة
حتي أن بعض القري المعروفة بهجرة شبابها الي أوروبا يطلبون مهر الزواج لبناتهم باليورو !!
ومن الجهة الأخري إرتفاع نسبة الطلاق الغريبة علي مجتمع القرية المحافظ
ومجتمع المدينة المُشَوه أصلا والمتحلل لظهور زنا المحارم والعلاقات الغير شرعية ( الشِمال)
أيضا تدني مستوي التعليم
إن منظومة القيم والأخلاق والصحة البدنية والنفسية للأجيال الناشئة الجديدة في مناخ وبيئة غير صحية راكدة وفاسدة إجتماعيا
ودينيا لعدم التجديد عائمة في بحر مظلم من الجهل والتخلف والفساد مع الغِش والنفاق وإنعدام الضمير
دليل ومثال آخر لأحوال
أبناء القرية أو الأقاليم في الخارج من نزاعات تبدأ من تهريب عصابات المحترفين لهم بالطرق غير الشرعية بمراكب صيد متهالكة
عن طريق البحر الي أوروبا
إذا ما نجحوا في العبور للجهة الأخري
وهناك لا تنتهي المشاكل أبدًا لكنها تبدأ مع العنصرية
وزملاء العمل والسكن
وكانت حادثة أليمة عام 2014 في باريس أن خلافا بسيطا حدث بين مصريين
من أبناء القرية ثم تطور لأن أحدهم أشعل النار في السكن بكل سكانه وأصحابه مما أدي الي إحتراقهم أحياء !
بالإضافة لحوادث القتل المشينة بين المصريين في الغُربة وعقوبة القاتل بالإعدام
هناك أيضا الخلافات الزوجية بين المصريين في الخارج بعد إستغلالهم لبعضهم البعض ماديا ونفسيا وإنتهاء بالطلاق
والنزاع في المحاكم علي الأولاد والأموال والإعانات الإجتماعية من دول الإقامة
ما يتسبب
في ضياع الأبناء ونشر غسيلهم القذر بالخارج
الصورة التقليدية الدرامية للقرية للعمدة وشيخ البلد وغفيرالدرَك لم تعد قائمة الآن
وبعدما تخلي عن الفلاح أقرب أصدقاءه الطائر أبو قردان صديق الفلاح زمان
الديش
والنت أصبحا من أصدقاء الفلاح في مصر في الدلتا والصعيد
الذي لم يتظاهر أبداً
احتجاجاً أو إمتنع عن أداء عمله في توفير الغذاء للمواطن المصري برغم تخبط وفساد السياسات الزراعية
ظهر الفلاح المصري الأصيل في السينما المصرية مرات عديدة لكن أعظمها كان دور محمد ابو سويلم في فيلم الارض رائعة المخرج الراحل يوسف شاهين
وفاطمة تعلبة ( هدي سلطان ) في مسلسل الوتد
وغيرهم من الأفلام والمسلسلات المصرية
أيضا رمضان أبو العلمين حموده ( هنيدي ) الذي ركز علي سفر شباب قرية ميت بدر حلاوة بمحافظة الغربية الي فرنسا للعمل في النقاشة والديكورات
كذلك أبناء قرية سندبيس بالقليوبية المتواجدين بهولندا أيضاً
وفي الكويت يوجد أبناء الصعيد بكثافة كبيرة هناك
والإذاعية منها عواد باع أرضه وأغنيته الشهيرة
الحلم المصري إذن قد تبخر وإندثر في ريفها وصعيدها
اللذان تخرج منهما عمالقة كثيرين وعلماء في كل مجالات الحياة (دين ودنيا)
حتي الأمس القريب قبل تجريفهم إجتماعيا وثقافيا وسياسيا والأهم إقتصاديا للمركزية وتركيز فرص العمل الحكومي ( الأميري ) في بندر المدينة
أو بالمدن الصناعية في 6 أكتوبر والعاشر من رمضان وبدر وبرج العرب وسوق العبور ..
فقد ترك العامل مصنعه والفلاح ترك أرضه للعمل علي توكتوك أو للسفر للغردقة وشرم الشيخ
أو الي الأردن والخليج وقبلها ليبيا والعراق
إصلاح الخلل يبدأ
في أن يعود الفلاح الي صلاة الفجر بالمسجد
وذهابه لري أرضه
لكي يزرعها بالقمح لغذاءه والقطن لكسائه والمحاصيل الإستراتيجية الأخري مثل الذرة وقصب السكر والخضُر لتلبية إحتياجاته
بدلا من البرسيم ( أكل البهائم )
وبدلا من تبوير الأراضي الزراعية الخصبة للبناء المخالف عليها ثم الذهاب لإستصلاح الصحراء لتصبح خضراء !!
هنا نؤكد علي وجود تقصير من الشعب نفسه
والدليل هو نجاح الأشقاء السوريين القادمين من الحرب الأهلية هناك في العمل والإزدهار في مجالات المطاعم والأقمشة والعطور في أحياء المدن الكبري
حتي في مراكز القري في ريف وصعيد مصر
بينما شباب المصريين جالسون علي المقاهي ينعون حظهم
ويحلمون بالسفر الي جنة أوروبا أو للعمل في دول الخليج علي حساب كرامتهم المهدرة في بلاد العرب