قال..
ودَعْ من أراد العبور أن يعبر..
فلو كان يعيرك اهتماما، لما أعد أعذاره قبل حقائبه..
ودع من تجاوزك..
فلا يستحق أن تحرق نبضك، وتشعل قناديل قلبك في الدجى لتبكيه..
فلو كان يهتم لأمرك لقض مضجعه أن تطرف عينك..
فتسقط منها دمعة عن غير قصد..
لوقف على أعتابك ديدبانا..
يخاف أن تبصر عيناك الصبح دون أن يكون ملء خارطتك..
لأقام حولك سلاسل..
أسوارا..
وقضبانا..
وتمنى لو ظل العمر يحرث أرض لقياك..
أو ظل..
لحين البعث حول الطيف سجانا..
يخشى أن تدمع عينه اعتيادا فيسكبك، فيتخلى عن الاعتياد طمعا في تأشيرة القبول..
تميد به الأرض لو تهتز أهدابه، فتؤرق طيفك الساكن على ضفافها..
يخشى أن يقهقه بقوة إذا فرح فيقلق متكئك..
فيؤثر الصمت حتى تظل في مأمن مما يرهق مسكنك..
وهل أرقُّ ممن يكتم أنفاسه حبا حتى لا تعلو في حضرتك..
يا سيدي فارق..
ما كان ظنك إلا إثما..
لا تخف..
هو بالأصل لن يبكي عليك..
وإن دمعت عيناه الرقيقتان جدا..
فلن يسكبك..
وهذا الدمع في عينيه لن يكتبك..
لأنك بالأصل لم تسكن أرض قلبه..
ولم يزاور طيفك الحالم يوما عينه..
ببساطة شديدة..
أنت ما أتيته أبدا..
وهو ما اتخذ خيبة قلبك مستقرا..
إنما اتخذك كلك حال الصفو ممرا..
فكيف يبكيك إلا معبرا خائبا، لم يتحمل وطء الأقدام حال العبور بجحافل أحلامه إلى أرض الفردوس كما رسمها خياله الطاهر..
هذا إن رق قلبه وتذكر، كم إثما حمله قصده على إتيانه..
وإن لم يتذكر، فأصل الهوى عنده..
دس كثيرا..
واقس كلما أردت..
فالقسوة لأجل الجنان قربى..
وما الغريب في هذا؟!..
لماذا تستصعب الأمر هكذا؟!..
لست أول من يسلك دربه عبورا..
على نبض..
أو ربما احتراق قلب..
وربما أنفاس، تلفظ حال الرحيل دون أن يلمسك ظاهرا..
وربما..
يجعل من زفراتك حال الرحيل غرغرة مودع..
فاعلم جيدا أنك لست أول من داسته أقدام العابرين..
ولن تكون الأخير..
هو حال الورى من لدن آدم وحتى القيامة الكبرى..
وما بينهما آلاف القيامات..
قيامة نبض..
قيامة قلب..
قيامة عشق ظُن به البقاء لما بعد الموت..
فإذا به يموت قبل الميلاد..
والواقع هنا مؤسف ومرير..
فلا تستأسدن بك الفواجع هكذا..
كم سترتطم بحواجز الصد مرات ومرات..
وكم دربا سرتها أملا..
ثم أنبتت نهايتها متاهات..
كم مرة ستخذلك تلك الأيادي التي كنت تتشبث بها جيدا..
ظنا منك أنها لن تفلتك..
والواقع أن ظنك صحيح..
هي لم تفلتك سهوا فلا تكن ظالما..
هي دفعتك للسقوط عمدا..
وفرق يا هذا بين من أفلت لثقل الحمل..
ومن دفع للسقوط وإن لم يثقل بحمله..
وتلك أياديهم البريئة..
تخلصت منك بلا رحمة..
وكأنك جرثومة قذرة..
يغتسل من درنها بماء وسدر..
وربما ولجوا بعدك سبعة أبحر، ليتطهروا من بقاياك التي علقت خطأً بقداسة خلاياهم..
والرحيل هنا ضرورة حتمية لمن أراد التخلي، والتخلص من رجس البقاء..
فاشرع الأبواب عن آخرها طوعا..
اترك لهم الخيار، وهم سيختارون الذهاب حتما..
قل لهم..
كما بدأناكم تعودون..
غرباءَ..
وكما بدأتمونا نعود..
قل لهم..
ما وجب أن يَعِدَ من لا يستطيع أن يفي..
والفراق..
ضرورة حياة أحيانا..
فالمرض إذا تمكن من عضو وجب بتره..
حتى تعيش بقية الأعضاء..
فابتر جزءك الذي طاله السقام حتى تستقيم حياة باقيك..
وعد إلى سيرتك الأولى..
عُدْ حيا..
عفوا..
عد مَيْتَا..
فلا حياة لعابر سبيل في أرض لا يؤمن أهلها بحق لغريب..
فهل آمنت الآن أنك غريب..
أم..
أنكر قلبك..
وأثبتت النوازل..
أيا حضرة الشقي..
تبا..
كيف تمضي كل هذه السنين سدى..
كم أنك..
غبي، وجاهل..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..