قال..
أتعرف متى أدركت أني شفيت منك لأول مرة بعد طول سقامي بك؟!..
عندما تلوت آيات الفقد في صلوات الشوق..
في هدأة الليل..وعصف الريح..
في الدياجير..على قارعة الطرق..
ثم تلوت وتلوت..
ولم أفتقدك..
ولم أحن إلى دفئك كسابق العهد..
أتعرف متى أدركت أني نسيتك صدقا ولم أعد أكذب؟!..
أو أدعي كذبا أني نسيت..
إنه ذلك اليوم الذي مر عليَّ، دون أن أتمنى نهارا بلا ليل..
وليلا بلا قمر لأنه يذكرني بك..
وقمرا بلا ضوء لأنه يشبه عينيك الكاذبتين..
إنه..
ذلك اليوم الذي مر دون أن أتمنى مضي ساعاته بلا حنين..
لأن نوبات الحنين موجعة ومفزعة..
تُنبت سنابل اللهفة مرات ومرات في أطراف الروح دونما ثمر ينتظر..
وحبوب الأرق التي أتناولها لأنساك تؤلم قلبي..
تدميه..
تقرح معدتي، ولا تضعف ذاكرتي كما كنت أرجو..
وكأنما تشعل ألف قنديل للذكرى كلما تناولتها..
إنه..
ذلك الليل الذي لم تعد تقتاتني فيه الأمنيات..
فأتمنى عاما كله نيسان..
لأفاخر الليل البهيم وهوام البرية بنسيانك المزعوم..
وأنت مزروع بداخلي كاللغم القابل للاشتعال بمجرد ضغطة؟!..
لا..
حتى بلا أي ضغط..
لتموت تلك الأمنيات الصابئة قبل أن تولد..
ولم يعد يزعجني يا سيدي أن يكون العام هذا العام بلا نيسان أصلا..
لأنني لن اضطر للكذب مرة أخرى..
ولأنني لم أعد أعاني الهذيان كذي قبل..
بعدما أهديت قلبي لشحاذ عارٍ على ناصية الشارع المقابل لاشتياقي الناصب..
كان أخبرني ذات مرة أنه يخشى البرد والظلا والوحدة..
فأذنت له أن يبيعه بدرهم مقابل حفنة دفء، لا يهم ممن يحصلها بقدر ما يهم أن يحصلها..
فلا ضير على قلب لم يحصل قنطارا من سعادة لنفسه، أن يهب أحدهم ولو خردلة منها..
إنه ذلك اليوم الذي مر فيه ذكر المقربين على بالي..
فلم أذكرك..
، ومر ذكر عابري السبيل على بالي..
ولم تكن ضمنهم..
ومر ذكر الغرباء والمجاهيل على بالي..
وأيضا..
لم تكن من بينهم..
حينما قلبت الخرائط..
تفحصت التضاريس..
وأعدت ترتيب الصور المبعثرة هنا وهناك..
ولم تكن من ضمنها خارطة عينيك..
ودوروب صوتك..
ودولة طيفك المفقود..
أتعرف؟!..
حينما انمحت كل الملامح من خيالي المتعب..
وبقيت هناك بعض وجوه لامستني..
لم يكن وجهك موجودا بينها بحال من الأحوال..
فأدركت حينها أني تجاوزتك محنة ومبتلى..
أتعرف متى أيقنت أنك متَّ بداخلي؟!..
حينما اعتصرت آلامي بيدي كمن يعالج الجرح بالملح..
فلم أتألم..
ولم تختلط تلك الغصة الخانقة بتمتمات شفتي وسيل دمع حارق عى ربوع وجنتي..
يمنعني من الصمت..
ويمنعني من الكلام..
أتعرف يا سيدي..
متى تأكدت أني تجاوزتك كنقطة منسية في فلاة شاسعة؟!..
حينما قلبت كل أوراق ذاكرتي..
رواية رواية..
فصلا فصلا..
من المقدمة وحتى فصل الختام..
فلم أحن إليك..
وكأنك ما كنت يوما..
أو كأني لم ألج أبدا سراديب الظلام والأوهام..
أتعرف يا سيدي..
متى أشرقت الشمس على عالمي منذ أربعين تيها مضت؟!..
منذ ذلك اليوم الذي وقفت فيه على شاطيء أنفاسك..
فلم يأخذني المد وثورة الموج..
وكأنما أعلن الشتاء رحيلا باكرا هذا العام..
أو كأنه عجز عن البقاء وهو مقصوص الأجنحة ممسوخ الصفات..
وقد بدا بلا غضب ولا صخب..
لا زمجرة رعود..
ولا تمرد..
ذلك اليوم يا سيدي..
علمت يقينا أني لم أعد أخشى المطر كذي قبل..
لم أعد أخاف تزاحم الأصوات، وضجيج المارة في الطرقات..
لم أعد أخاف البلل..
واتساخ الثياب..
لم أعد أخاف نوبات البرد التي تصيب صدري..
لأني تحصنت جيدا..
وعلمت من أين تأتي الريح..
فأغلقت بابه..
ونسيت..
ك..
لم أعد أخاف تقلبات المواسم..
أو حتى أن يمر العام بلا صيف..
ولا ربيع..
ببساطة شديدة..
لأنني ما عدت أخاف..
نسيتك يا سيدي..
وقت أن سقط الخوف من قاموس مشاعري..
أتيتني غريبا فأسكنتك..
وهجرتني فبكيتك..
حتى جفت مآقيَّ حزنا..
ولم تحرك ساكنا..
خبرني..
هل يليق بقلب أن يستضعف بنقاء..
ويعذب بشقاء..
يصطنعه له أحدهم..
ولا يأبه؟!..
فرية تلك..
كان حتما على التعلق أن يموت..
وعلى القلب أن يدخل التابوت..
بلا عودة..
ليحيا أحدنا..
دون صاحبه..
فقد يمر العمر أحيانا..
وأنت لا تعرف..
أنني في الهوى مسرف..
أو ربما تعرف..
ولا تحرك ساكنا..
أُسكتَ القلم لكثرة السكب..
النص تحت مقصلة النقد..
بقلمي العابث..