” إن الإدانة الجنائية ضد سيدة نمساوية أطلقت تصريحات مسيئة للرسول محمد وتغريمها 480 يورو لا يعد انتهاكا لحقها في حرية التعبير”. هذا نص قرار اصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في شهر اكتوبر عام 2018 ويقر بكل وضوح أن الإساءة للرسول محمد (ص) لا تندرج ضمن حرية التعبير.
وأدعو الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يقود حملة كراهية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا ، وخيرت فيلدرز البرلماني الهولندي اليميني المتطرف، ونوربرت هوفر، زعيم حزب الحرية النمساوى المتطرف، ندعوهم وكل متطرفي الغرب إلى تفحص حيثيات قرار المحكمة والذي جاء فيه :” وجدت المحكمة أن المحاكم المحلية (في النمسا) قامت بتوازن دقيق بين حق المرأة في حرية التعبير وحق الأخرين في حماية مشاعرهم الدينية،والحفاظ على السلام الديني في النمسا”.
ونذكرهم أيضا أن إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789 الصادر عقب الثورة الفرنسية نص على أن “حرية الرأي والتعبير جزء أساسي من حقوق المواطن”. ونحيطهم علما بأن القانون الفرنسي الذي يضع البنود التطبيقية لهذا الإعلان يمنه أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية.
ونحيط علم كل المتطرفين في أوروبا وأمريكا الذي يشنون حملات ممنهجة ضد رموز الدين الاسلامي خاصة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين ، والقرآن الكريم الذي يعد دستورا أنزله خالق البشر على نبيه محمد لإصلاح أحوال الإنسانية جمعاء وليس لاصلاح حال المسلمين فقط .نحيطهم علما بأن قوانين بلدانهم تمنع الإساءة للرموز الدينية وجاء في موسوعة ويكيبيديا :” أن القوانين التي تعتبر الإساءة للدين عملا مخالفا للقوانين لا تزال موجودة على سبيل المثال في البندين 188 و 189 من القانون الجنائي في النمسا ،والبند 10 من القانون الجنائي في فنلندا ، والبند 166 من القانون الجنائي في ألمانيا ، والبند 147 في القانون الجنائي في هولندا، والبند 525 في القانون الجنائي في إسبانيا ، وبنود مشابهة في قوانين إيطاليا وبريطانيا المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية”.
ونذكر أصحاب حملة الكراهية ضد الإسلام والذين يحتمون بحرية التعبير بأن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في ديسمبر عام 1948 نصت :” لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير “. ولكن الفقرة الثانية من هذه المادة نصت :”وتتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة ،وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدودة بنص القانون أو تكون ضرورية”.
ولا يختلف أحد على أن كل الأديان السماوية ، وكل القوانين والمواثيق والعهود الدولية القديمة والحديثة تنص على الحق في حرية الرأي والتعبير. ولكنها ليست حرية مطلقة ولكنها مثل كل الحريات محدودة بقاعدة عامة راسخة في الفكر الإنساني تقول : ” تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين “. وأن هذه القاعدة الذهبية ، التي ليس هناك إتفاق على قائلها ، يجب أن يلتزم بها الأفراد والمجتمعات والدول حتى نتجنب نقاط التماس التي يمكن أن تتحول إلى صراع مدمر.
والواقع يؤكد أن تلك القوانين التي تنظم حرية التعبير في أوروبا وأمريكا يتم العمل بها في حالة الإساءة لرموز دينية أو تاريخية تخص اليهود أو المسيحيين ، ولكن يتم تجاهلها تماما في حالة الإساءة لرموز الدين الإسلامي ، فسياسة الكيل بمكيالين نهج غربي تجاه كل القضايا التي تخص العرب والمسلمين .
وهنا يتم طرح تساؤل هام وما هو الحل ؟.
والإجابة بكل وضوح الحل بأيدينا. وهو العمل بجدية واخلاص لامتلاك كل أسباب القوة التي تجبر الأخرين على احترامنا واحترام رموزنا ومقدساتنا . وقد وضع لنا الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله مشرو للنهضة يتمثل في قوله : “أن يكون الإسلام حاضرا في حياة الناس، وأن تبسط الشريعة سلطانها على الحياة والأحياء، وأن يكون للإسلام في كل نازلة قول، وفي كل حادثة بيان، وفي كل مستجد رأي، مع فهم عميق لكتاب الله وسنة رسول الله. وهو ما يحقق الحضور للعقيدة والأخلاق والشريعة والمعاملة والسلوك في حياة البشرية، وهذا ما يمكن أن يحقق معنى الحضارة بشكل عملي، فالحضارة من الحضور والوجود”.