إن احتمال فرض عقوبات جديدة على تركيا، ما لم يتم تحقيق تقدم باتجاه خفض التوتر مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط. وضع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الإطار القانوني الذي يسمح بفرض عقوبات على تركيا.
دول الاتحاد غاضبة من قيام تركيا بالتنقيب عن النفط قبالة سواحل جزيرة قبرص، فيما تصر أنقرة على ما تصفه بـ”حقوقها في شرق المتوسط”.
سفن الحفر والبحث التي تعمل لصالح تركيا، حيث سيتم إغلاق الموانئ الأوروبية في وجهها وحرمانها من قطع الغيار. كما قد تفرض عقوبات البنوك الممولة للمؤسسات المشاركة في التنقيب.
وفي المرحلة التالية من التصعيد يمكن التفكير بفرض عقوبات ضد قطاعات اقتصادية بأكملها، وهذا يشمل قطاعات “يكون فيها الاقتصاد التركي والاقتصاد الأوروبي مترابطين بقوة”. ويشمل هذا على الأرجح الاتحاد الجمركي الذي يمكّن تركيا والاتحاد الأوروبي من تبادل السلع بدون رسوم جمركية تقريباً. والأتراك يسعون منذ وقت طويل لتوسعة الاتحاد الجمركي.
وتشمل قائمة العقوبات المحتملة ضد تركيا:
– السفن أو غيرها من الأصول المستخدمة في عمليات التنقيب.
– حظر استخدام موانئ ومعدات الاتحاد الأوروبي.
– فرض قيود على “البنى التحتية المالية والاقتصادية المرتبطة بهذه الأنشطة” (التنقيب التركي عن الغاز في المناطق البحرية التابعة لليونان)
– عقوبات واسعة ضد قطاعات بأكملها في الاقتصاد التركي.
أن فرض العقوبات سيؤدي إلى استنفاد احتياطات النقد الأجنبي لدى أنقرة، وإضعاف مصداقية السياسة النقدية التركية، واهتزاز أسعار الفائدة الحقيقية للودائع، والعجز الضخم في الحساب الجاري الذي يغديه جزئياً حافز ائتماني قوي أدي إلى تفاقم مخاطر التردد في التمويل الخارجي لتركيا.
ويضاف إلى ذلك، الضغوط السياسية وعدم الاستقرار الداخلي في ظل تنامي الاحتجاجات الداخلية ضد سياسة البطش بحقوق الإنسان، والاستقلال المحدود للبنك المركزي التركي يفض أيضا إلى عدم استقرار السوق وتهاوي الليرة التركية التي فقدت 20 في المئة من قيمتها منذ مطلع 2020، علما أن هذه العملة انهارت في 2018 بعد العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حينها، طبقا لسلامة. واعتبر أن المناورات العسكرية الاستعراضية التي تجريها تركيا في شرق المتوسط، بجانب عمليات التنقيب الواسعة النطاق عن الغاز والنفط هناك تساهم في استنزاف الميزانية التركية، وسيكون لها كلفة باهظة. أنها ستترك تداعيات سلبية خطيرة على فرص الاستثمار الأجنبي في تركيا وقدرة البنك المركزي على إقراض البنوك التركية، أن حديث أردوغان عن فائض مالي بسبب الاكتشافات الغازية التي أعلن عنها، بعيدة عن الواقع، ولا أحد يصدقه.
أن الاتحاد الأوروبي يدرس جديا فرض العقوبات الجديدة، بعد إخفاق جهود الوساطة الألمانية وعدم نجاعة العقوبات التي فرضها سابقا الاتحاد الأوربي على مواطنين أتراك وشركات تركية ثبت تورطهم في عمليات التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية القبرصية، وفي ضوء عدم انصياع أنقرة للمناشدات التي تطالبها بوقف أعمال التنقيب المنافية لقانون البحار.
وتهدف بروكسل من وراء هذه الخطوات، وفق سلامة، إلى ممارسة الضغط على تركيا حتى تنصاع لمبادئ القانون الدولي وللكف عن ممارسة سياسة الهيمنة والتوسع على حساب دول المنطقة.
تجربة أوروبا مع العقوبات
وقد عرف المجتمع الدولي في المراحل التاريخية عدداً كبيراً من نماذج وأنماط عملية فرض العقوبات، التي تقوم بها منظمات دولية ودول ذات سيادة، من أجل إرغام الدولة المستهدفة بالعقوبات على تصحيح مسارها، كما الحال في المثال التركي الصارخ.
ففي عام 2014، فرض كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على أشخاص وشركات روسية مرتبطين بعملية ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
وطالت العقوبات حينها 300 شخص و500 شركة، وفرضت العقوبات بشكل تصاعدي عاما بعد عام، ومن بين العقوبات أيضا حظر توقف السفن السياحية الأوروبية في موانئ شبه جزيرة القرم، مما يعني أنها قد تلجأ إلى هذا الخيار أيضا ضد تركيا.
شرط العقوبات والموعد
وأعاد نزاع بشأن الحدود البحرية وحقوق التنقيب عن الغاز إشعال الخصومة التاريخية بين أثينا وأنقرة، حيث أجرى كل من البلدين تدريبات عسكرية بحرية منفصلة. أنه لم يتم البحث في العقوبات الواسعة النطاق على الاقتصاد التركي، إلا في حال لم تثبت التدابير المحددة ضد عمليات التنقيب فعاليتها. أن الاقتصاد التركي في حالة سيئة بسبب الوباء، إن إردوغان لن يخاف من تهديدات فرنسا بالعقوبات لأن الاتحاد الأوروبي لا يقدم الكثير من المال لتركي.
عد أزمة العقوبات الأمريكية على الوزيرين التركيين من أعقد الأزمات في تاريخ العلاقة بين واشنطن وأنقرة، وهذا ما يدعونا للبحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التصعيد، خصوصاً أن القرار أتى بعد ما يقارب السنتين من اعتقال (القس)، وفي ظل تفاهمات بين خارجيتي البلدين، وتحسن واضح في القضية أدى لنقل (القس) من السجن إلى الإقامة الجبرية في منزله، وكذلك في ظل تحسن شبه ملحوظ في عدد من القضايا التي تهم البلدين؛ كقضية (منبج) السورية، إضافة إلى تسلم أول طائرة F35، وهذا ما يوحي بأن هناك أسباباً أخرى وراء هذا القرار. يرى البعض أن من بين تلك الأسباب الأخرى محاولة ترامب الحصول على أصوات ولايات (الحزام الإنجيلي) في الانتخابات النصفية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك لتعويض الخسائر المتوقعة للرئيس، وهذا ما يفسر رد الرئيس التركي (أردوغان) على القانون بأنه نابع من العقلية الإنجيلية الصهيونية، إضافة إلى الرفض التركي للعقوبات الأمريكية على إيران، ومن هنا ندرك أهمية التوقيت الأمريكي في فرض العقوبات على تركيا؛
إذ جاءت قبل موعد تطبيق العقوبات على إيران، التي كان لتركيا موقف واضح منها، حيث قال وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو: “قد تعلن دول أخرى وقف تجارتها مع إيران، لكن تركيا لن تقطع تعاونها التجاري مع هذه الدولة. الدولة التي تفرض العقوبات لا تستطيع معاقبة الدول الأخرى التي لا تنضم إليها، العالم غير قائم على هذا المنوال، ولن يكون”.
ومن الأسباب المهمة في الموضوع الموقف التركي تجاه صفقة القرن، وتبني تركيا للتوجه المعارض للصفقة. ومما يوحي بوجود أسباب أخرى وراء القرار، تعدد الملفات المتشابكة بين البلدين، والتي لا يزال الخلاف حولها قائماً، ومنها الخلاف حول صواريخ (S400) التي تسعى تركيا لشرائها من روسيا،
والدعم الأمريكي لـ(بي كاكا) التي تعد بالنسبة لتركيا منظمة إرهابية، وما يتعلق بـ(غولن)، وغيرها من الملفات المفتوحة التي قد تنذر بتفاقم الأزمة، إضافة إلى انزعاج أمريكا بشكل كبير من المشاريع التركية، وعلى رأسها مطار إسطنبول الجديد، وقناة إسطنبول المائية، والجسور الحديثة، والطرق التي تعمل على جذب استثمارات تقدر بنحو 200 مليار دولار أمريكي حسب موقع (يني شفق)، وهذا ما يفسر وجود أسباب اقتصادية أخرى وراء القرار.
وهذا هو السيناريو الأقل احتمالاً، وهناك بعض المؤشرات التي تعززه، خصوصاً إذا كانت هناك تفاهمات جديدة وتسويات متفق عليها تتعلق بالقضايا المتأزمة بين البلدين، ومما يدفع في هذا الاتجاه:
1- وجود عدد من الملفات المشتركة التي تتطلب نوعاً من التفاهم المتبادل.
2- قدرة أنقرة على تأخير ما يقرب من 75 طائرة أمريكية حال امتنعت الشركات التركية عن توريد مكونات الطائرة، لأن بعض قطع هذه المقاتلة تصنعها أنقرة، وهو ما سيؤدي إلى توقف إنتاجها مؤقتاً، وهذا ما تخشاه أمريكا.
3- قدرة تركيا على منع الوصول الأمريكي إلى قاعدة (إنجرليك) الجوية.
4- ما تمثله تركيا من أهمية جيوسياسية تجعل من الصعب توقع أي استراتيجية أمريكية أو غربية في المنطقة دون تعاون وتنسيق متبادل مع أنقرة.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان