تحظى فلسطين بوجود شريحة واسعة من الشباب ضمن نسيجها المجتمعي، حيث بلغت نسبة الشباب (18-29) سنة حوالي 23% من مجمل السكان في فلسطين منتصف عام 2019 حسب تقارير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ علمًا بان تقديرات عدد السكان في فلسطين منتصف العام 2019 تشير إلى أن إجمالي عدد السكان بلغ نحو 4.98 مليون؛ لذلك يعد هذا المجتمع فتيًا وشبابيًا ينبغي وحالته هذه أن تبذل الجهود التي تركز على هذه الفئة للعناية بها وتجنيبها سبل السقوط في مهاوي الحياة،
برصد ودراسة المشاكل التي يتعرض لها الشباب، بشكل مسؤول وبجدية أكبر؛ الأمر الذي يظهر أهميّة دور مؤسسات المجتمع والدولة في تهيئة المناخ المناسب للتقليل من آثار المشكلات التي تواجه هذا القطاع لمساعدته على تجاوزها؛ فإن مرحلة الشباب تتسم بالحساسيّة تجاه الظروف، وبصعوبة السيطرة على الانفعالات،
وبعدم الخبرة في سبل مواجهة تعقيدات الحياة. إن مكونات الواقع الفلسطيني الحياتي السياسية والأمنية والاقتصادية والفكرية والنفسية والتربوية والبيئية تلعب دوراً كبيرًا في تحديد طبيعة المشكلات التي يعاني منها الشباب؛ فهي تشكل عوامل تحدد أنماط سلوك الشباب وألوان الفكر لديهم وطبيعة ردودهم واستجاباتهم لما يستجد في أفق الحياة الفلسطينية المخنوق.
ولا يخفى على كل ذي بصيرة الظروف المعيشية التي يحياها عامة الناس في وطننا هذا والشباب خاصةً؛ ما يحتم ضرورة مضاعفة الجهود لتنمية طاقاتهم الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، والاستفادة منها في دفع عجلة التنمية؛ ولما لمشكلات الشباب من آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية غاية في الخطورة، تطال كافة الأفراد وتنهش نسيج الأسرة وتصيب كافة مكونات المجتمع بالفساد والعطب؛ ما ينذر بحدوث كارثة تهدد المجتمع.
وتتلخص مشكلات الشباب في فلسطين بالتالية:
أولاً: الاحتلال: لا شك أن الاحتلال يمثل المشكلة الرئيسية التي تواجه قطاع الشباب الفلسطيني، فالاحتلال يعني الجريمة ومصادرة الحقوق والحريات والعذاب والمعاناة التي لا تستثني أحدًا من أبناء الشعب وقطاعاته. وقد تفنن الاحتلال الإسرائيلي في ممارسة هذه السياسات فقتل وأسر وجرح ونكل بالغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم قطاع الشباب، ما أدى إلى انعدام الأمن، ونشوء العديد من المشكلات التي مست كافة النواحي الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ ولا نبالغ إذا قلنا أن الاحتلال الإسرائيلي الذي نكبت به فلسطين هو منشأ كل المشكلات والعذابات التي يعاني منها أبناء شعبنا.
ولا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الضحايا الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال؛ لكن يمكن القول أن هناك مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى الذين سقطوا في ساحات المواجهة مع قوات الاحتلال لا سيما في العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982 والانتفاضة الفلسطينية الأولى وانتفاضة الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الأعوام 2008 و 2012 و 2014، لدرجة يكاد لا يخلو بيت فلسطيني من شهيد أو أسير أو جريح يمثل قطاع الشباب الأغلبية العظمى من بينهم. فخلال انتفاضة الأقصى وعلى سبيل المثال بلغ عدد الشهداء منذ اندلاع الانتفاضة وحتى عام 2011 حسب تقرير لوزارة الصحة 7227 شهيدًا منهم 4607 شهيداً من الفئة العمرية (15-29)، أي بنسبة 63.7% من إجمالي عدد الشهداء ، في حين بلغ عدد الجرحى 60043 جريح منهم 35321 من الفئة العمرية (15-25) أي بنسبة 58.8% من إجمالي عدد الجرحى ما أدى إلى ارتفاع نسبة المعاقين في المجتمع الفلسطيني من 2% إلى 5% أي أن 3% من المعاقين في المجتمع الفلسطيني أصيبوا بالإعاقة جراء الاعتداءات الإسرائيلية بحقهم لتسجل في فلسطيني أعلى نسب الإعاقة في العالم.
ثانياً: البطالة: تعَرف البطالة بأنها توقُّف العامل عن العمل مع قدرته عليه؛ لسبب خارج عن إرادته ولا سلطان له عليه. وتتميز البطالة في فلسطين بأنها سافرة وإجبارية. وتعرف منظمة العمل الدولية البطالة بأنها الحالة التي تشمل الأشخاص الذين هم في سن العمل والقادرين عليه والراغبين فيه والباحثين فيه ولا يجدونه.
وللبطالة آثارها على الشباب التي تمس بهم على المستويات النفسية والاجتماعية والسياسية والأمنية؛ فهي ترتبط بانقطاع الدخل والعجز عن تلبية الحاجات الإنسانية الضرورية؛ ما يترتب عليه الجنوح إلى الجرائم والعنف وجرائم الآداب وانتشار مصادر الدخل غير المشروعة؛ والنقمة على المجتمع بصفة عامة؛ وانقطاع الولاء للوطن.
فمن ناحية الجانب النفسي؛ تؤدي البطالة عند الشباب إلى عدم التوافق النفسي والاجتماعي؛ ما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية بسبب الضائقة المالية التي تنتج عن البطالة.
ومن ناحية الجانب الأمني؛ تتصل البطالة بانتشار الجريمة بين الشباب بشكل مباشر وغير مباشر؛ فإن العديد من الشباب العاطلين عن العمل يسعون إلى إشباع حاجتهم عن طريق الاعتداء على الغير؛ ما يؤسس لحالة من انعدام الأمن والفلتان الأمني.
ومن ناحية الجانب الاقتصادي؛ فإن البطالة تضعف قيمة هذا القطاع المنتج كمورد اقتصادي وتحيله عبئًا على الاقتصاد الوطني.
كما أن البطالة تفاقم مشكلة هجرة الشباب وتقطع ولاءهم للوطن وانتماءهم له؛ ما يعد خسارة فادحة للوطن؛ فالشباب هم المورد الاقتصادي الأول، وبالتالي فإن أي تقدم اقتصادي يعتمد على هذا القطاع. والبطالة تضعف قيمة الشباب كمورد اقتصادي وتعمل على نزع طاقاتهم وإفشال عمليات التنمية الاقتصادية.
ويتحمل الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية في تفشي نسبة البطالة بين الشباب؛ وذلك عبر القرارات المباشرة وغير المباشرة التي يتخذها بإغلاق المعابر والحصار، وتدمير البنى الاقتصادية، وإغلاق بعض المشاريع والمصانع التي تستوعب أعدادًا كبيرة من العمال. كما أن سلطات الاحتلال تعمل على منع دخول المواد الخام اللازمة لإدارة العملية الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية، وخاصة القطاع الزراعي جراء الاقتلاع والتجريف والحصار المفروض؛ ما يفاقم مشكلة البطالة ويهمش العديد من الطاقات الشبابية.
تشير الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أوضاع الشباب في المجتمع الفلسطيني لمناسبة اليوم العالمي للشباب، في 12 آب 2019 إلى تنامي نسبة البطالة في سوق العمل الفلسطينية، وكانت أعلى نسبة للبطالة تتركز في فئة الشباب حيث ارتفع معدل البطالة بين الشباب (18-29 سنة) في فلسطين عام 2018 ليصل إلى 45% (36% بين الذكور و70% بين الاناث) مقارنة مع 37% (36% بين الذكور و43% بين الاناث) في العام 2008، من جانب آخر انخفض معدل البطالة بين الشباب (18-29 سنة) في الضفة الغربية من 28% عام 2008 إلى 27% عام 2018، وارتفعت بشكل ملحوظ في قطاع غزة من 53% إلى 69% خلال نفس الفترة.
ويعود هذا الارتفاع في نسبة البطالة بين الشباب في فلسطين لأسباب عدة : “أولها صغر ومحدودية حجم السوق وعدم قدرتها على مواكبة حجم النمو السكاني من ناحية، وفتوة الهيكل السكاني من ناحية أخرى؛ بالإضافة إلى الافتقار إلى قاعدة معلومات حول خصائص العرض والطلب عليه في سوق العمل؛ هذا عدا عن كلاسيكية التخصصات المتوفرة في الجامعات والكليات الفلسطينية وافتقارها للتخصصات الحديثة التي يزداد عليها الطلب في سوق العمل.
إن تشخيص الحالة لا يكتنفه أي غموض إلا أنها تتطلب نظرة أخرى في مرآة واقعنا، فسوق العمل الفلسطينية التي تمتاز بصغر حجمها تتطلع إلى العمالة الماهرة ذات الخبرة، وتحتاج إلى عدد من التخصصات التي ترتبط بطبيعة الاستثمارات المعمول بها وببعض المهن غير التقليدية؛ فعلى الرغم من وجود العديد من التخصصات في مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية إلا أنها متكررة؛ ما جعلها تشكل عبئاً على سوق العمل الفلسطيني؛ فيما نجد أن العمل في مؤسسات التعليم العالي، يأتي في معزل عن بعضها البعض وعن حاجة سوق العمل من تخصصات، وبين هذا وذاك شباب خريجون عاطلون عن العمل؛
بسبب توجههم إلى التخصصات التي لا تناسب ميولهم وقله كفاءتهم من ناحية، وصعوبة تجاوبهم مع ما هو مطلوب من تطبيقات عملية لدى رب العمل؛ فلا غرابة أن 45% من الشباب الفلسطيني عاطلون عن العمل، الوقوف على المشكلة وإيجاد فرص لحلها يتطلب الخروج بسياسة وطنية واضحة تعمل من خلالها مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، وبناء تحالف مؤسساتي يقع على عاتقه الاهتمام بفئة الشباب في المجتمع الفلسطيني، وجعلهم أولوية في منظومة العمل المجتمعي.
وتجاول فلسطين جاهدة لتخفيف المعاناة والحد من مخاطر البطالة، من خلال جهود مؤسساتها الرسمية بالتنسيق مع الجهات المانحة ومؤسسات المجتمع الدولي واستقطاب الجهات الدولية لتنفيذ مشاريع خلق فرص عمل، وإعداد برامج للتدريب؛ إلا أنها لم تستطع تقديم حلول حقيقية لمواجهة مشكلة البطالة؛ في ظل تحكم وهيمنة وسرقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمقدرات وثروات الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال مصادرة الأرض والثروات لصالح الاستيطان، والسيطرة على المعابر، وقرصنة الأموال.
ثالثاً: قلة مراكز التدريب المهني: قلة مراكز التدريب المهني التي تفتح أمام الشباب فرص التأهيل للعمل بتخصصات حديثة، علماً بأن غالبية المراكز المتوفرة في فلسطين تقتصر في الغالب على تخصصات تقليدية لا تلبي حاجة سوق العمل الفلسطيني.
ويعاني قطاع التدريب المهني والتقني في فلسطين من مجموعة من المعوقات من أهمها سياسات الاحتلال الإسرائيلي، التي أفقدته القدرة على التطور للحيلولة دون أن يصبح ضمن سياسة وطنية فلسطينية تكسبه الكفاءة والقدرة على الارتباط بمتطلبات سوق العمل المحلي على نحو يخدم المصالح الاقتصادية والتنموية الفلسطينية.
ويعاني قطاع التدريب المهني والتقني الفلسطيني من محدودية قدرته على استيعاب النمو المتزايد في عدد الطلبة؛ لأن الموازنات لا تتماشى مع هذا النمو؛ الأمر الذي يهدد بتراجع نوعية التدريب.
كما يعاني التدريب المهني من افتقار طلبته إلى الخبرة والمعرفة العلمية الكافية التي تمكنهم من الأداء المهني الناجح؛ وذلك بسبب قصر فترة التدريب المهني والتقني في مواقع العمل، وبسبب عدم وجود نظام فلسطيني ينظم هذا التدريب؛ ما يحد من قدرة الطلبة وسوق العمل من الاستفادة من العملية التدريبية.
كما أن تكلفة الاستثمار في التدريب المهني والتقني مرتفعة؛ وهذا أدى إلى ضعف ارتباطه مع مسارات التعليم الأكاديمي؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستوى جودة التدريب.
ويعاني التدريب المهني في فلسطين من محدودية التجهيزات والمعدات الحديثة، وعدم مسايرة المناهج المطبقة للتطورات التكنولوجية الحديثة.
رابعًا: الإدمان: يعاني الشباب الفلسطيني بوصفهم جزءاً من الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي من قمع حرياتهم وسلب إرادتهم ومصادرة حقوقهم؛ ما يؤدي إلى خلق شعور عام بالتوتر والإحباط والقلق والخوف والسير نحو المجهول الذي يقود البعض منهم نحو الإدمان على المخدرات للهروب من هذا الواقع القاسي.
ولا أحد يجهل ما للإدمان من آثار مدمرة على الفرد والأسرة والمجتمع؛ لأن المدمن قد يلجأ إلى ارتكاب العديد من الوسائل غير المشروعة والتي لا تتفق مع قيم مجتمعنا الفلسطيني المحافظ للحصول على المادة المخدرة؛ فالمتعاطي يمارس القتل والكذب والسرقة والتزوير إضافة إلى ارتكاب الأفعال المشينة للحصول على جرعاته المخدرة.
وقد عمد الاحتلال إلى تجنيد مجموعات من الشباب في مختلف المدن والقرى الفلسطينية لنشر هذه السموم إلى الشباب كي يبيعوا كل غالٍ من أجل الحصول على المخدرات؛ وتمثل سياسة الاحتلال هذه حربًا غير تقليدية تستخدمها دولة الاحتلال على أبناء فلسطين بهدف تفريغها من أهلها. وهناك العديد من الأماكن التي باتت مراكز لتوزيع المخدرات بشكل علني مكشوف. ومن الجدير ذكره أن إسرائيل تقيد حركة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في بعض المناطق؛ ما يحد من قدرة هذه الأجهزة على القبض على العملاء المجرمين الذين ينخرون جسد هذا الشعب طمعًا في المال. ويجر الإدمان العديد من المشاكل، وأهمها: اعتلال صحة المدمن الجسمية والنفسية، وإهدار طاقات المجتمع المادية والبشرية، والفلتان الأمني.
خامسًا: الزواج المبكر:
أي تزويج الفتيات والذكور قبل اكتمال النمو العقلي والجسدي والعاطفي؛ ما يؤثر على مدى نجاح بناء الرابطة الزوجية بين الزوجين.
ومن أسباب انتشار ظاهرة الزواج المبكر:
1- الجهل: من المؤكد أن التعليم يحفز على التفكير بالعواقب والتبعات التي تبنى على الزواج المبكر، ما يحد من انتشار هذه الظاهرة.
2- الثقافة المحافظة: الثقافة المحافظة في المجتمع الفلسطيني، وإعطاء الأولوية لسمعة العائلة وشرفها، حيث يعتقد أن تزويج الفتاة في سن مبكرة هو ضمان لصونها من ألسنة الناس.
3- تردي الوضع السياسي والاقتصادي والانتفاضات المتعاقبة: التي أدت إلى التسرب من المدارس؛ ما أدى إلى زيادة فرص الزواج المبكر وعدم تأجيله حتى إنهاء الدراسة؛ ودفع الأولاد إلى الانخراط في سوق العمل مبكرا؛ ما أدى إلى استقلالهم الاقتصادي والزواج المبكر، وتزويج البنات وهن صغار السن للتخفيف من عبء الإنفاق عليهن، لتخفيف الضغط المكاني. 4- العادات والتقاليد: التي تفضل التبكير في تزويج البنات لحمايتهن من الانخراط في النشاطات السياسية؛ لمنع الاختلاط بالذكور.
كما إن الموروث الثقافي يقضي بتسريع تزويج الفتيات تجنبًا لاحتمال العنوسة مستقبلًا؛ ويفضل الزواج من الأقارب رغم صغر سن الأولاد والبنات حفاظًا عليهن، وللحيلولة دون تسرب التركة إلى عوائل أخرى.
عواقب الزواج المبكر وآثاره:
1- الطلاق: إن تزويج الفتاة أو الولد قبل اكتمال النمو العقلي والعاطفي لا يترك مجالًا للمودة والرحمة والسكينة بين الزوجين؛ ما يطبع قلبيهما بطابع من النفور وانعدام الألفة والسكن إلى الشريك الآخر؛ وذلك يقود إلى زيادة احتمال الانفصال والطلاق.
2- التأثير الصحي: للزواج المبكر مشاكل صحية بعد الزواج؛ حيث تنشأ تعقيدات أثناء الحمل والولادة المبكرة، كعدم القدرة على استكمال فترة الحمل وإنجاب أطفال صغيري الجسم والوزن وضعاف البنية؛ ما يجعلهم عرضة ? الصحة؛ عدا اعتلال الأم، الذي يعرض الطفل المولود إلى الإصابة بالأمراض، أو الإعاقة، ويهدد الصحة العامة، ويؤدي إلى زيادة وفيات أطفال قبل بلوغهم السنة أولى من العمر.
3- التأثير النفسي والاجتماعي: تشعر الفتيات اللواتي يتزوجن في سن مبكرة بالقلق والخوف الشديد والاكتئاب؛ وانعدام الثقة وعدم الشعور بالسعادة؛ نتيجة عدم القدرة على التفاهم مع الزوج وعدم معرفتهن بما يسره؛ ما يطبع العلاقة بينهما بطابع السيطرة الأبدية نتيجة تعرضهن منذ في اليوم الأول لتأنيب الزوج وعنفه البعيد عن مشاعر الألفة والرحمة.
4- الحرمان من إكمال التعليم: حيث إن من يتزوج مبكرًا (ذكرًا كان أم أنثى) يتفرغ لأمور الأسرة وأعبائها على حساب مستقبله الشخصي.
5- كثرة أفراد الأسرة: بما ينشأ عنه من تبعات الفقر والجهل نتيجة عدم القدرة على توفير مستلزمات الحياة.
وللخروج من هذه المعضلة نسّب مجلس الوزراء في 21 من تشرين الأول 2019 إلى الرئيس محمود عباس بتعديل المادة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية لعام 76، القاضي بتحديد سن الزواج ليصبح 18 سنة لكلا الجنسين، وبالفعل أصدر الرئيس في الثالث من الشهر تشرين الثاني 2019 قرارًا بقانون رقم (21) لسنة 2019م حدد فيه سن الزواج بما لا يقل عن ثمانية عشر عامًا، مع استثناءات محددة وهي “يجوز للمحكمة المختصة في حالات خاصة، وإذا كان في الزواج ضرورة تقتضيها مصلحة الطرفين، أن تأذن بزواج من لم يكمل ثمانية عشرة سنة شمسية من عمره، بمصادقة قاضي قضاة فلسطين، أو المرجعيات الدينية للطوائف الأخرى”. سادسًا: قلة وسائل الترفيه المفيدة، ومراكز قضاء أوقات الفراغ وسوء توزيعها: إن اختلال وضلال خطط العناية بالشباب
وعدم إنشاء مرافق يقضي فيها الشباب أوقاتهم بشكل سليم يؤدي إلى حدوث فجوات داخلية بدرجات متفاوتة تؤثر على مدى قدرتهم في الاضطلاع بدورهم بطريقة صحيحة، وتتمثل في نشوء حالة فكرية ووجدانية غير متزنة تشوه ميزان الرؤية لديهم وتفتح عليهم باب الانحراف والسقوط، وتعمل على تدمير حالتهم النفسية والعقلية؛ فيفقدون الجادة السوية التي تضمن لهم قوة الجسد وسلامة السلوك ومتانة العزيمة وعلو الهمة.
وإن انعدام وجود هذه المرافق يؤدي إلى اتجاه الشباب إلى العديد من السبل لقضاء أوقات فراغهم أمام شاشات وسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت والفضائيات، الذي يعد أخطر حقل يتجه إليه الشباب إذا استخدم استخدامًا سيئًا؛ فهو يغري الشباب بالسير في سبل ليس لها خطوط حمراء، ولا تراعي ثقافتنا وقيمنا.
ونتيجة للتعرض غير المضبوط لوسائل الإعلام يتعرض الشباب في مجتمعنا الفلسطيني إلى تحولات قيميَّة مريبة أدت إلى تحولات سلوكية غريبة في اللباس وطريقة تصفيف الشعر والمعاملات الاجتماعية والاهتمامات؛ ما يعبر عن فجوة قيمية عميقة بين الأجيال ويسبب الشعور بالاغتراب عن الواقع والمحيط الاجتماعي، ويؤدي إلى التمرد على الأطر المرجعية المتمثلة في الأسرة والمجتمع والأعراف والقيم السائدة المستمدة من التاريخ الشعبي الذي يشكل الهوية الفلسطينية.
سابعًا: ضعف دور المؤسسات العاملة في قطاع الشباب: أن ضعف دور المؤسسات العاملة في قطاع الشباب يلقي بظلال قاتمة على آفاق المستقبل الذي ينبغي توفيره للشباب للشعور بالقوة الحافزة الإيجابية نحو حل معضلات الوطن وتحقيق آماله. ولتلافي هذه المعضلة ينبغي زيادة التنسيق والتشبيك ما بين المؤسسات العاملة في قطاع الشباب.
ثامنًا: الفجوة العميقة بين الكبار والصغار: العديد من الشباب يشعرون بوجود فارق كبير في التفكير مع الأجيال السابقة؛ ما يجعلهم يعيشون في صحراء لا تعطيهم الخبرة والعلاج وتتركهم نهبًا لمستجدات العصر.
إن عدم التوافق الاجتماعيّ العقلي بين الأجيال من شأنه أن يخلق التوتر والقلق والاضطراب، وأن يشل قدرة الشباب على التعبير عن أنفسهم وعن طموحاتهم، وأن يقتل روح الإبداع لديهم.
تاسعًا: العنف الأسري: العنف الأسري وطرق التعامل الأسرية كالهجر والطلاق بين الأبوين، والتسلط الذي يمارسه الأب تجاه أبنائه أحيانًا؛ نتيجة لضيق سبل العيش والأزمات النفسية التي تعيشها الأسرة الفلسطينية بسبب الظروف الحياتية القاسية التي يعيشها أبناء شعبنا؛ ما يؤثر على شخصية الشاب الذي تضيق أمامه سبل الهناء؛ فينشأ اتكاليًا لشعوره بأن الدور المنتظر منه لا قبل له بحمله؛ أو ماديًا عدوانيًا يسعى للدوس على حقوق الآخرين في سبيل نيل مراده.
عاشرًا: تعدد تكاليف الزواج: إن أكثر القضايا المجتمعية التي تقف حجر عثرة أمام الشباب، مسألة الزواج التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بسوء الأوضاع الاقتصادية التي جعلت من الفتاة سلعة تجري المساومات عليها حسب ما لديها من ميزات، كالجمال والغنى والمستوى التعليمي والمركز الوظيفي؛ وما عليها مما يعده الموروث الاجتماعي عيبًا، كأن تكون مطلقة أو متواضعة الجمال أو من أسرة فقيرة.
إلى قائمة ضخمة من المعايير التي تمتهن المرأة كروح بشرية لها كرامتها وقيمتها التي ينبغي أن تشرك معايير إضافية مهمشة عن الكثرين كالأخلاق والعقل وطرق التعامل مع الغير. والمشكلة الحقيقية في مجتمعنا الفلسطيني هي بعض العادات والتقاليد الهدامة التي تدعم هذا التوجه بما تفرضه من تبعات ثقيلة على كاهل الشاب الذي ينوي الزواج، والتي تضم مصاريف وتكاليف زائدة لمظاهر فارغة لا ضرورة لها ولا طائل منها؛ بل إنها تؤسس لطريق شاق صعب من الديون والتعب والخلاف والتعاسة.
إن قضية غلاء المهور تستحق العمل على محاربتها والوقوف بوجهها لاقترانها بالكثير من العادات السيئة التي ترهق الزوجين وتؤسس لدرب شاق طويلة، كحفلة الغداء والسهرات الليلية والقاعات الفارهة ومستلزماتها التي تبتلع جهد الشاب وعائلته لسنوات طويلة، وقد تكون على حساب حق الفتاة بالحصول على مهر مناسب.
الحادي عشر: الهجرة والاغتراب: يعاني المواطن الفلسطيني كثيرًا من المشاكل التي يعجز معها عن التأقلم والبقاء في بلده؛ ما يؤدي إلى تفكيره بالهجرة والاغتراب، والبحث عن فرص أفضل للحياة خارج فلسطين. وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 15 % من الشباب (15 – 29) سنة في الضفة الغربية لديهم الرغبة للهجرة للخارج، و37 % من الشباب (15 – 29) سنة في قطاع غزة لديهم الرغبة للهجرة للخارج.
ومن العوامل التي تدفع الشباب الفلسطيني إلى الهجرة:
1- سياسات الاحتلال: منذ قيام الكيان المحتل وهو يزرع العوامل الطاردة لفك رباط الأهالي وتمسكهم بأرضهم؛ وذلك عبر سياسات القتل والأسر وهدم البيوت وتجريف الأراضي ومصادرة الحريات والتضييق على الشباب في كل أمور حياتهم.
2- البطالة: إن عدم وجود فرص عمل كافية للشباب في فلسطين، وعدم استيعاب الكم الهائل من الخريجين يحدو بالعاطلين عن العمل (وهم فئة تشكل نسبة كبيرة في المجتمع) بالتفكير بالهجرة.
3- الغلاء: إن غلاء الأسعار في فلسطين وعدم كفاية الأجور والرواتب لتلبية الحاجات الأساسية يهدّ همة الشاب ويجعله يسعى إلى الابتعاد عن وطنه بغية تحسين وضعه في دول تعطي العديد من الفرص والمحفزات لأصحاب العقول والمتميزين وتستقبلهم في شركاتها ومؤسساتها وتوفر لهم حياة سعيدة.
4- الفقر: أكثر من نصف الشباب في قطاع غزة فقراء فحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني قدرت نسبة الفقر بين الأفراد وفقا لأنماط الاستهلاك الشهري 29.2% خلال عام 2017 (بواقع 14% في الضفة الغربية و53% في قطاع غزة)، بينما بلغت نسبة الفقر بين الأفراد (18-29 سنة) وفقا لأنماط الاستهلاك الشهري 30% (بواقع 13% في الضفة الغربية و57% في قطاع غزة). كما تبين أن 17% من الأفراد في فلسطين يعانون من الفقر المدقع (بواقع 6% في الضفة الغربية و34% في قطاع غزة). في حين بلغت نسبة الفقر المدقع بين الافراد (18-29 سنة) 18% في فلسطين (بواقع 6% في الضفة الغربية و36% في قطاع غزة).
التوصيات المقترحة لتطوير قطاع الشباب:
1- وضع خطة وطنية شاملة للشباب، تعتمد مبدأ المشاركة في تحديد الاحتياجات والتخطيط ومن ثم التنفيذ.
2- دعم المشاريع الشبابية الفردية والجماعية، التي تعمل على رفع القدرات الشبابية الاجتماعية والاقتصادية، وتقديم المساندة والإرشاد اللازم لهم.
3- العمل على استقطاب أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في فلسطين وتقديم التسهيلات اللازمة لهم؛ للمساهمة في تنشيط الاقتصاد الفلسطيني وتوفير فرص عمل للحد من البطالة.
4- رفع مستوى الاهتمام بالتأهيل المهني وتطوير مراكز التدريب والتأهيل المهني بحيث تتناسب مع التطور التكنولوجي وحاجة المجتمع، بما يساهم في توفير فرص عمل للشباب.
5- تنمية روح الإبداع والبحث العلمي عند الشباب وترسيخ ذلك في نفوسهم، وهذا يتطلب إعادة النظر في المنهاج الفلسطيني المدرس في المدارس والجامعات.
6- دعم وإعادة تأهيل الأندية الرياضية والثقافية ومساعدتها على القيام بالأنشطة المختلفة على اعتبار أنها أكثر الجهات تلمساً لاحتياجات الشباب المختلفة.
7- إجراء البحوث والدراسات وإصدار النشرات والمطبوعات المتعلقة بالشباب. والتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة والقيام بحملات توعية وتثقيف في مجالات الشباب والطفولة.
8- تشكيل أجسام ضاغطة من الشباب تعمل على متابعة القوانين المتعلقة بالشباب.
9- تعويد الشباب على ممارسة حرية الرأي والتعبير واحترام الغير.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان