إن المدرسة والجامعة دور أساسي في بناء قيم صالحة لتشييد صرح البناء الاجتماعي السليم والمتطور، وقدرة المدرسة على إشاعة القيم النبيلة في الجسد الاجتماعي يعتمدان حتماً على بناء وتشكيل نظام القيم في الناشئة وصيانة القيم الاجتماعية والإنسانية الخاصة بثقافة مجتمعنا، فلا ينبغي الركون إلى قدرة آلية تعاقب الأجيال على نقل هذه القيم، فهذه القدرة ضعيفة وغير محصنة لأنها تخضع لتأثير العوامل الاقتصادية والإكراهات التاريخية التي لا تقوى الأجيال على التغلب عليها، مما يؤثر حتماً في نوعية القيم المنقولة والمشكلة والمتطورة.
والمدرسة التي يعول عليها المجتمع ويعقد عليها آماله في إعداد الناشئة، قادرة بما أوتيت من وسائل بشرية وإمكانات، على أن تؤدي وظيفتها على أكمل وجه. لهذا ظل المربون ا
وقد جاءت توصيات وقرارات المنظمات الدولية الوصية على قطاع التربية والتعليم في العالم مثل: منظمة اليونسكو واليونيسيف ومكتب التربية العالمي وغيرها- تدعو إلى تضمين البرامج التعليمية والكتب والوسائل القيم الكفيلة بتكوين المواطن الحر والمتضامن والمسئول والمتفتح الذي يقدر قيمة الحرية ويحترم كرامة الإنسان ويؤمن بحق الاختلاف.
لأجل ذلك تدعو إحدى وثائق اليونسكو إلى العناية بالمقاربة التعددية في مجال اكتساب المعارف، التي تقتضي دعم نمو الفرد وتعزيز ايمانه بقدراته الذاتية واستقلاليته واحترام الآخرين وتطوير معنى المسؤوليات الاجتماعية في سياق التعاون والتآزر والاستقلال المتبادل.
وعلم النفس التربوي يضع في مقدمة أهدافه تشكيل نظام القيم بحيث يسهم انتقال مفاهيم القيم في المجتمع والأهل إلى الأطفال والشباب مع الحرص على حماية قدرة الطفل على الإبداع وتطوير المفاهيم.
المدرسة والجامعة مدعوتان للعناية بالطفل والشاب، وتشكيل نظام القيم حلقة من حلقات هذه الرعاية، فنظام القيم المرتبط بالمعايير الاجتماعية يشكل الإطار المرجعي للسلوك والتنشئة. وبقدر رعايتنا واهتمامنا بالطفل والشاب يرفعان مستوى تشكيل وبناء جهاز القيم، مما ينعكس إيجاباً على الهدف الأسمى، هدف النهوض بالمجتمع.
دور المدرسة والجامعة في محاربة التعصب
التعصب هو ممارسة الاتجاه النفسي الجامد المشحون انفعالياً، أو ذلك الحكم المسبق الذي لا يقوم على سند منطقي ويحاول صاحبه تبريره ومن الصعب تعديله. والتعصب نقيض الديمقراطية وآفتها، لأنه شعور مرضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
وفي كثير من فصولنا الدراسية وقاعاتنا الجامعية تشيع هذه الاتجاهات النفسية الجامدة والمشحونة انفعالياً، وكثيرا ما نروج أو نسمح بترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول، وكثيرا ما يتعلم منا أطفالنا التعصب، بوعي منا أو في غفلة عنا، حين لا نبدي احتراماً لاختيارات تلاميذنا وأذواقهم، ونرفض تقبل الاختلافات، أو لا نخلق بطرقنا التعليمية وعلاقتنا بأطفالنا أجواء التسامح في فصولنا وقاعاتنا الدراسية.
والحق أن الديمقراطية تترعرع على الاختلاف، وحقيقة أن محك احترامنا للآخرين هو قابلية المرء لتقبل الاختلاف، واحترام الآخرين يعني احترام الاختلاف، حيث إن الآخرين ليسوا مثلنا، وتقبل الاختلاف الحقيقي هو امتحان لاحترام الآخرين. ولا يفهم من تربية الاختلاف تكويناً للفرد على أن يختلف بتفرده هو فقط، بل هي تربية على أن يقبل تفرده غيره واختلاف الآخرين معه، ويتفتح عليهم، ومدافعاً عن حقهم في الاختلاف.
الأنشطة في المدارس والجامعات
إن الأنشطة التي يمكن للمدرسة أو الجامعة أن تقررها وتضمنها القيم السالف ذكرها وتحقق الغايات التي تم ذكرها كثيرة ومتنوعة، ومن هذه الأنشطة نذكر على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
• تشجيع التلاميذ على الانخراط في الجمعيات التربوية التي تعمل وتنشط في كنف المؤسسة الدرسية، أمثال: جمعيات التعاون المدرسي والأندية الرياضية والثقافية المدرسية والجامعية، وإشراكهم في تسييرها وتدبير شأنها.
•إشراك الطالب في الانتخابات لمجالس الطلبة في المدارس والجامعات لتحسيسه بأهمية رأيه وتحميله حصته من المسؤولية في تسيير شأن مؤسسته.
•إحداث قنوات اتصال ووسائل إعلام وثقيف رخيصة وميسورة مثل المطبوعات والنشرات الإعلامية الموجزة والملصقات والمطويات التي ينبغي إعدادها بعناية وإتقان وبإشراك التلاميذ.
فالجمعيات التربوية والأندية تتيح الفرص الذهبية للتلاميذ لتبادل الزيارات والتعارف والاشتراك في الحفلات وحلقات النقاش والتفاعل والاحتكاك بالآخر، وتدفعه إلى عمليات جديدة من الاكتساب مما يساعده على بلورة شخصيته وعلى اتخاذ المواقف التي تصقل هذه الشخصية وتوضح توجهاتها، حتى تتعزز قدرتها على التأثر والتأثير والتفاعل ويتعزز الانتماء للمجتمع، وتعزز القناعة بأن الانعزال والهامشية والتعصب خطر على المجتمع؛ حتى تترسخ قيم التضامن التي يرتهن بها تأهيل الموارد البشرية.
ثانياً: دور المجتمع المدني في التربية على ثقافة التسامح وقبول الآخر:
المجتمع المدني يشير إلى الطبيعة المدنية ذات البناء المؤسسي والتعاقدي والتي تميز الدولة والمجتمع، وهنا يكون حضور دولة الحق والقانون (وهي دولة مؤسسية حديثة) تعبيرا عن مدى نضج وتبلور المجتمع المدني وهذه الدولة يمنح الأفراد كيانا قانونيا مستقلا، وهذا المعنى يعبر عن مجتمع يقوم على الديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتداول السلطة وسيادة الشعب،، والمجتمع والتعددية السياسية وحقوق الإنسان وتداول السلطة وسيادة الشعب،، والمجتمع المدني بالمفهوم الخاص يشير إلى مجمل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي تتصف بكونها: غير الحكومية/ غير وراثية/ لا تهدف إلى الربح/ طوعية الانتماء إليها. ويرتبط نشاطها عضويا بفلسفة المجتمع المدني (منظومة الثقافة المدنية) التي تتضمن مجموعة القيم الثقافية اللازمة لنشاط المجتمع المدني وهي قيم حداثية تتباين مع القيم القبلية والعصبوية ومع قيم النظم الشمولية، وتشكل مجموعة المحفزات والدوافع لسلوك الأفراد ونشاطاتهم في مؤسسات مدنية، ويمكن رصد أهم مفردات الثقافة المدنية كما يلي:
1.العمل الجماعي. 2. المساواة. 3. التسامح 4. احترام الآخر 5. تعدد الآراء والأفكار
- تعدد الانتماء السياسي والاجتماعي. 7. إدارة الاختلافات بطرق سلمية
- نبذ العنف ثقافة وخطاب وممارسة. 9. الابتعاد عن العصبوية الموروثة.
- حق المرأة في المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
- المرونة وسعة الآفق والرؤية. 12. الوعي بحقوق المواطنة.
13.التضامن والمساندة والعطاء. 14.المشاركة.
وهذه الفلسفة المدنية تستند إلى المصادر الدينية والأخلاقية والفلسفية (المدنية/ القانونية) وتركز على أن تؤسس وتنمي في الأفراد ثقافة المشاركة والفاعلية والمبادرة واحترام الآخر والتسامح ونبذ العنف والاعتراف بالتنوع والتعدد، والتي بدورها تشكل سندا اجتماعيا وسيكولوجيا دافعا لنشاطات الأفراد في المجال السياسي والاجتماعي.
من جانب آخر يمكن القول إن مؤسسات المجتمع المدني تشكل وسائط اجتماعية social agents بين الفرد (المواطن) والدولة (السلطة)، وتتضمن فاعليتها في تنظيم الفاعلين الاجتماعيين من خلال قنوات مؤسسية أهلية تعمل على تمكين الأفراد من المشاركة في المجال العام، وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني من أهم قنوات المشاركة السياسية الداعمة لمسار التطور الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة.
وهذه المؤسسات المدنية بتعددها وتنوع نشاطاتها يعتبر تواجدها الامبيريقي في واقع المجتمع أهم العلامات المائزة للتحول الديمقراطي، وهذا الوجود المتعدد للمؤسسات المدنية يسعى إلى توسيع الفضاء السياسي والفضاء الجمعوى الأهلي وتدريب المواطنين على العمل الجماعي لتحقيق المصالح الخاصة والعامة
وإرساء ونشر وتعميم ثقافة مدنية تدعم تحقيق الديمقراطية والمواطنة المتساوية ويتعلم الشعب من خلالها كيف يعبر عن مصالحه ويدافع عنها وكيف يشارك في العمليات السياسية والتنموية التي تؤثر على حياته. في هذا السياق يمكن القول إن مؤسسات المجتمع المدني تعمل على تمكين الأفراد من التعبير عن مطالبهم والدفاع عن حقوقهم وتفعل مشاركتهم الجماعية في تحقيق متطلباته الاقتصادية هنا يمارس الأفراد نشاطات متعددة ومتنوعة ترتكز جميعها على محددات ثقافية تتجسد في فلسفة المجتمع المدني التي تشكل في مجملها الثقافة المدنية المغايرة للثقافة التقليدية. بمعنى آخر يمكن القول انه في مؤسسات المجتمع المدني يدخل الفرد في شبكة جديدة من العلاقات والتفاعلات ويمارس مهام وأنشطة متعددة جميعها تضيف ألية ويتعلم منها الحوار والتفكير العقلاني، اكتساب مهارات ومعارف مجتمعية محلية وعالمية، تأكيد ثقة الأفراد بأنفسهم كذوات فاعلة أي نضج وتنمية شخصياتهم. تنمية شخصية فاعلة ومشاركة تنمويا وسياسيا على المستويين المحلي والوطني (تحمل المسؤولية) تعزيز عمليات التضامن والتساند بين مختلف الأفراد والجماعات.
ثالثاً: دور بعض المؤسسات الحكومية الأخرى وأثرها في تربية الفرد والمجتمع
- مراكز الشباب والأندية: وهي مؤسسات اجتماعية تربوية تكون في الغالب (ثقافيةً، أو رياضية، أو اجتماعية). وقد كثر انتشارها في المجتمعات المعاصرة. وتعد أماكن يلتقي فيها الشباب مع أقرانهم من الشباب ويجمعهم هدف مشترك، أو مصلحة مشتركة؛ حيث إنها تقدم إمكانات هائلة لحياة اجتماعية يُقبل عليها الأفراد باختيارهم وطواعيتهم، ليتمتعوا في رفقة زملائهم وأقرانهم بجو من المرح والعمل. وفي الأندية فرص متعددة لممارسة الرياضات المفضلة، وتكوين العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. وتزداد أهمية الأندية في التنشئة الاجتماعية- كما يشير إلى ذلك بعض الباحثين – مع زيادة عجز الأسرة عن توفير الفرص الكافية والمناسبة لممارسة النشاطات الرياضية، والاجتماعية، والثقافية المختلفة.
- نظام الحكم السائد وبعض القوانين: لا شك أن وجود قوانين معينة تحد من الحريات في أي دولة يجعل هامش الاهتمام بالقيم الإنسانية أقل، بحكم ردة الفعل تجاه الظلم الواقع نتيجة قلة الحريات. كما أن نظام الدولة السائد كالنظام الرأسمالي أو الاشتراكي أو الديني المحافظ، كلها قوانين تربي الفرد في المجتمع على طريقة معينة في التفكير وعلى نظام قيمي يخص ذلك النظام السائد في تلك الدولة. فمنها ما يحرض على العنف، ومنها ما يفكر في الطريقة المادية فحسب والاهتمام بالمصالح ومنها ما يفكر في الطريقة الإنسانية في التعامل بين الشعوب إلخ… وكذلك يقرر منظومة القيم في بعض الدول وقوعها تحت احتلال أو تحت تبعية دولة أخرى.
وفي هذا المقام اختم بعدة توصيات من شأنها أن تعظم دور الأسرة والمدرسة في تعزيز التسامح ونبذ العنف متمنياً على المؤتمر الكريم تبنيها للأهمية وهي على النحو التالي:
•التسامح ضرورة اجتماعية ملحة بين الأفراد، وعلى صعيد الأسرة، والمجتمع المحلي.
•ترسيخ قيم المودة والسكينة والمحبة داخل الأسرة.
•تأكيد مبدأ التواصل والحوار بين الأبناء والآباء.
•تعزيز الثقة بالنفس بين أفراد الأسرة وعدم التحيز والتمييز بينهم.
•التركيز على دور الأم في الرعاية والتنشئة، وتنمية الشخصية المتكاملة للفرد.
•الدعوة إلى تعزيز الوازع الديني والاخلاقي والعادات والتقاليد الإيجابية ؛ لتحقيق الوئام والسلم الاجتماعي والحد من الجريمة.
•تأكيد أهمية الحوار في الحياة، والمساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات.
•إن الشباب هم الثروة الحقيقية للمجتمع، وأن العناية والاهتمام بهم وتأهيلهم مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع.
•التركيز على مسؤولية الشباب في ممارسة قيم التسامح والحوار، فهم العنصر الأهم في بناء المجتمع. •الدعوة إلى تعزيز الأنشطة اللامنهجية داخل المؤسسات التربوية؛ لإرساء ثقافة التسامح فكراً وممارسة.
•الدعوة إلى تفعيل دور مجالس الطلبة والأندية الطلابية في تأكيد مبادئ التسامح واحترام الرأي الآخر، وأعداد قنوات اتصال وتثقيف رخيصة وميسورة ، مطبوعات مطويات… الخ، والتي ينبغي اعدادها بإتقان وبإشراك التلاميذ.
•تأكيد أهمية التعاون بين المؤسسات التربوية ومؤسسات المجتمع المدني في مجال نشر الوعي بمبادئ التسامح وقبول الآخر.
•الدعوة إلى تعزيز مبدأ المشاركة في المواقف التعليمية من خلال استخدام اساليب تدريسية تؤكد التعليم الحواري القائم على التفكير والإبداع، الذي يسمح لعقول الطلبة بتأمل الأمور ورؤية الحقيقة بما يكفل الابتعاد عن الأفكار المتطرفة.
•الدعوة إلى إعادة بناء المناهج في المؤسسات التربوية؛ لتضمين ودمج قيم التسامح وثقافة حقوق الإنسان والنهج الديمقراطي.
•الدعوة إلى عقد دورات وبرامج تأهيلية للمعلمين حول قيم التسامح والحوار؛ لتكون أساس العلاقات داخل المؤسسات التربوية.
•تنمية الوعي برسالة المعلم وتعزيز مكانته في المجتمع.
•الدعوة إلى احترام حقوق الفئات المستضعفة ” الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة”.
•دعوة الدول إلى ضمان العدل وتكافؤ الفرص وعدم التحيز والتمييز في التشريعات والإجراءات والمصادقة على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان.
—
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
01118984318
01555926548
01024975371
01277691834