ظهر منذ أيام مؤشر السعادة العالمي والذي تصدره سنويا شبكة “حلول التنمية المستدامة” التابعة للأمم المتحدة. وتنشره في 20 مارس من كل عام بمناسبة اليوم العالمي للسعادة.
ولفت نظري المعايير التي إعتمد عليها القائمون على إعداد المؤشر لتصنيف 149 دولة حول العالم ،وهي عدة عوامل أهمها إجمالي الناتج المحلي للفرد، والحياة الصحية المتوقعة ومتوسط العمر ، بالإضافة إلى آراء سكان الدول. والمعيار الأول والثاني تبنى على أساس بيانات حكومية وهي عادة لاتعكس الواقع في غالبية دول العالم .
وأرى أن المعيار الثالث هو الأهم حيث يعتمد الباحثون على استطلاعات رأي تطلب من المشاركين فيها بالإجابة على مقياس تدريجي من 1 إلى 10 حول مدى الدعم الاجتماعي الذي يشعرون به في حالة وقوع مشكلة ما، وحريتهم باتخاذ القرارات المرتبطة بحياتهم الخاصة، وشعورهم بمدى تفشي الفساد في مجتمعاتهم، بالإضافة إلى مدى كرمهم الشخصي .
ورغم أهمية هذا المعيار إلا أنه يعيبه قلة عدد الشريحة التي يتم استطلاع رأيها بالنسبة لعدد السكان، فهي لا تتعدى عشرات الالاف من بين مئات الملايين . وأيضا الاستطلاع لا يغطي المساحة الجغرافية كل دولة فهم يركزون عادة على المدن الكبرى بل أحياء معينة فيها ولا يتجولون في القرى والأماكن النائية .وقد اعترف تقرير نشرته شبكة سي ان ان العالمية بالقصور في إجراء الاستطلاعات للعام الحالي ، وجاء فيه :” لم يقتصر الأمر على عدم تمكن الباحثين من إكمال المقابلات وجهًا لوجه في عدد من البلدان، بل كان عليهم أيضًا تغيير الأمور تمامًا من خلال التركيز على العلاقة بين الرفاهية وكوفيد-19 “.
مما دفعنا للبحث عن معايير السعادة الحقيقية، وهنا يحضرني كتاب ( حياة بلا توتر) للدكتور إبراهيم الفقي خبير التنمية البشرية العالمي ومؤسس علم قوة الطاقة البشرية. فقد أورد في مقدمة الكتاب قصة عن شاب كان شغوفا بالبحث عن سر السعادة ، فنصحه احدهم بالسفر الى قرية معينة في الصين لمقابلة رجل حكيم طاعن في السن .فسافر الشاب وبعد لقاء مع الحكيم المسن نصحه قالا :” إذا أردت أن تكون سعيدا يا بني فتعلم كيف تتحكم في شعورك وأحاسيسك وتقديراتك فهذا هو مفتاح السعادة “. وأردف الدكتور ابراهيم قائلا ” والمشاعر والأحاسيس تتقلب مثل أحوال الطقس ” كي يبين صعوبة هذا التحكم .
وتحدث الدكتور الفقي عن غالبية الناس الذي يربطون سعادتهم في الحياة بالحصول على مايريد . وعندما يحصلون عليه لا يشعرون بالسعادة ، ويسأل وقتها الإنسان نفسه ” هل هذا ما كنت أتمناه”. وأكد أن تحقيق كل الرغبات لايحقق السعادة بل انه قد يجلب التعاسة وضرب مثلا بالمغني الأمريكي الشهير الفيس بريسلي الذي كان يملك كل ما يتمناه البشر الوسامة والشهرة والثراء ولكنه مات منتحرا. ويؤيد ذلك أيضا ارتفاع نسبة الإنتحار في بلاد الوفرة الاقتصادية والتي تزيد فيها معدلات الرفاهية .
وتوقفت كثيرا عن مقولة الدكتور الفقي : ” يظن كثير من الناس ان الشعوربالسعادة ، ولكن العكس هو الصحيح ، حيث أن النجاح هو نتيجة الشعور بالسعادة “.
ويخلص الدكتور ابراهيم في كتابه إلى ان السعادة بين يدي كل انسان قائلا : “إذا لم تكن سعيد داخليا لن تكون سعيد خارجيا ، وان لم تكن سعيدا كما أنت الآن لن تكون سعيدا عندما تصبح ما تريد ، وان لم تكن سعيدا بحياتك الآن لن تكون سعيدا بأي حياة ، ولو نظرت حولك وعرفت حقيقة من أنت لن تستطيع ان تكون غيرسعيد . لا يوجد طريق للسعادة لأنها هي الطريق ، والسعادة الحقيقية تكمن في حب الله تعالى “.
وعن تجربة شخصية السعادة هي التوافق مع النفس ، وأن تعيش مع الناس بوجه واحد والتمسك بما يمليه عليك دينك وضميرك.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية الذي قال لتلميذه ابن القيم : ” مايصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، أين رحت فهي معي لا تفارقني إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدى سياحة”.