ختان الإناث من أهم المشكلات القديمة والمعاصرة في آن واحد فالحرب ضد هذه العادة بدأت منذ زمن طويل ولكن لم تأخذ حقها على المستوى الإعلامي إلا منذ وقت قريب (1994)، مما أوجد العديد من التفسيرات التي تزكي كالعادة فكرة الاستهداف من الغرب، ومما ساعد على ذلك ارتباط هذه العادة بالعديد من المعتقدات الدينية والاجتماعية والجنسية،
هناك اعتقاد خاطئ بأن عملية ختان الأنثى مماثلة لختان الذكر حيث يتم إزالة قطعة جلدية (زائدة) من الجهاز التناسلي لكل منهما، في الواقع إن ختان الذكر هو بالفعل إزالة جلدة خارجية لدواعي النظافة والصحة الجسدية
وهى عملية لا تستأصل أو تؤثر على الذكورة أو القدرة الجنسية للرجل، أما ختان الأنثى فيختلف تماما عن ذلك فهو عملية بتر لجزأ حيوي من الجهاز التناسلي للمرآة له وظيفة فسيولوجية طبيعية وهامة من أجل الإشباع الأنثوي الفطري، ولأن الجزء المبتور من جسد الفتاة هو عضو حيوي خلقه الله لأداء وظيفة بيولوجية هامة ولا يعتبر مرضا أو سببا مباشرا لإصابتها بمرض معين.
حيث يسود الاعتقاد بأن الأعضاء التناسلية الخارجية الظاهرة للمرآة قذرة ومقززة. فالختان يعطى الجهاز التناسلي الشكل الجميل. فختان الإناث يوقف نمو الجزء التناسلي الخارجي للمرآة
وهذا من الخرافات الشائعة حيث يعتقد أن العضو التناسلي الخارجي للفتاة يستمر في النمو والكبر في حالة عدم ختانها حتى يقترب من حجم العضو التناسلي الذكرى، لذا يجب بتره لإيقاف هذا النمو (القبيح) وهو ما يطلق عليه من باب التخفيف وصف التجميل. وبالطبع فان الرأي العلمي يقرر أن العضو التناسلي للإنسان شأنه كشأن أي عضو أخر بالجسم له قدر محدد في النمو لا يزيد عنه مهما كبر الإنسان، فالأنف والفم والأذن وغيرها من أعضاء الجسم البشرى لها حد أقصى من النمو لا تزيد عنه.
فلا يقوم أي منا مثلا بقطع جزء من أنفه حتى لا يكبر أو يطول عن حد معين، وإذا فرض جدلا أن حدث هذا فإن هذه العملية ستعتبر تشويها وإحداثا لعاهة مستديمة وليس تجميلا، أما الرأي الطبي فيقول أن هذا الجزء المبتور (وهما الشفرتان) له وظيفة حيوية في تيسير عملية الولادة بسبب هذه الخاصية المطاطية المرنة (ما تسمى في الثقافة الشعبية بالجلدة الزائدة أو القبيحة) وهى التي تسمح بنزول رأس وجسم الطفل أثناء الولادة بيسر.
قد يلجأ البعض إلى تعدد الزوجات أو الطلاق أو الخيانة الزوجية أو إلى الممارسات الجنسية الشاذة مع الزوجة مثل اللواط وذلك لعدم التوافق الزواجي.
تشكل حالات الختان عبئا على دخل الأسرة وعلى الخدمات الصحية للدولة عندما تلجا الفتاة أو السيدة إلى المستشفيات العامة أو المؤسسات الصحية الأخرى للعلاج من مضاعفات الختان العاجلة أو الآجلة.
كيف يمكن لذكرى واحدة في العمر أن تغير حياة إنسان وتترك بداخله أثر نفسي وبدني يشبه الندب الذي لا يزول، فالتعرض لجريمة تشويه الأعضاء التناسلية الانثوية هي التجربة التي تتمنى كل سيدة تعرضت لها أن تمحيها من طفولتها، وأن تمتلك مصيرها لتمنع عن نفسها وأخريات صعوبة الألم وما يتبعه من شعور ملازم بالخوف والقهر، إذا مرت العملية دون آثار صحية جسدية قد تصل إلى حد الوفاة.
لا يمكن أن يكون ختان الإناث سوى ممارسة هدفها تقييد حياة النساء والسيطرة حتى على حياتهن الجنسية، باعتبار أن سلامة أجسادهن هي الخطر الأكبر، فجعلهن ذلك مُجبرات على أن يكن محور افتخار العائلات والمجتمعات بأفكار كالشرف والنقاء والطهارة، فوقعت الممارسات التي تميزهن بشكل سلبي وعنيف. تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية (ختان الإناث) من أكثر الممارسات التي تقمع المرأة، وتنفي عنها صفاتها الإنسانية وتعاملها باعتبارها شيء، غير أنه من أشكال العنف ضد الفتيات والنساء، الذي ينتشر في ما يقرب من 31 دولة (حسب الأرقام الرسمية)، وتعيش 200 مليون فتاة وسيدة مع نتائجه الخطيرة على صحتهن وفقا لتقرير صادر عن صندوق الامم المتحدة للسكان.
كانت الحملات الدولية والمجتمعية المحلية تعمل على وقف هذه الممارسة في دول أفريقيا وآسيا التي تنتشر بها، خاصة، من خلال التوعية بآثارها الضارة على حياة الفتيات والنساء، وبدا أن التوعية كانت تتخذ مسلكا طيبا في خفض أعداد الفتيات المحتمل تعرضهن للختان، ولكن مع انتشار جائحة كوفيد- 19، يحذر مسئولو الصحة في الأمم المتحدة من ظهور مليوني حالة إضافية بحلول عام 2030. كان انتشار فيروس كورونا لها آثاره السلبية على الصحة العامة، والتسبب فيفقد ملايين الأرواح،
كما ظهرت له آثار اقتصادية ضخمة تسببت فيفقد كثيرين لوظائفهم، وأما عن المرأة، فكان الطريق لزيادة نسب العنف ضد النساء، بسبب عزلتهن الاجتماعية وعدم القدرة على التواصل مع المجتمع بالشكل الذي يسمح بطلب المساعدة، وفي حالات ختان الإناث، رجح كثيرون أن الحالات التي كان من الممكن تجنبها قد نجدها تزيد عن المتوقع، بسبب إجراءات غلق المدارس وتعرض الفتيات لحياة أكثر عزلة،
مما يعني سهولة وقوعهن فريسة هذه التجربة، خاصة، مع فقدان كثيرين لوظائفهم في دول أفريقيا، وهو ما قد يجعلهم يلجأون للعمل في إجراء عملية الختان أو العودة لها وإقناع أولياء الأمور بها كوسيلة لكسب المال.
أما على صعيد آخر، فهناك عوامل أخرى مجتمعية ترسخ انتشار عمليات ختان الإناث في كثير من المجتمعات، وقد يكون منها: عدم القدرة/ الرغبة في تنفيذ القانون على المخالفين بإجراء ختان الإناث. كونها عرف اجتماعي، وإجراءها قد يكون بسبب التعرض لضغط اجتماعي يجبر الأشخاص على فعل ما يتوافق عليه الناس للحظي بالقبول،
حتى وإن لم يكن صحيح أو قانوني. ربط ختان الإناث بزيادة فرصهن في الحصول على الزيجة الجيدة المناسبة. الاعتقاد بأنه الطريقة التي تضمن سلوك قويم للفتاة، وعدم انحرافها والحفاظ على “شرفها”، كونه يساهم في تقليل الرغبة الجنسية مما يجعلها تقاوم أي عمل أو علاقة جنسية خارج إطار الزواج. يعيش كثيرون بمفهوم مغلوط بسبب مدعين لفهم الدين، تركوهم يعتبرون أن الختان هو ممارسة من الدين. تعمد شيوع فكرة أن الفتيات اللاتي ترفضن أو لم تقمن بعملية الختان هن “غير شريفات”، ولا يمكن الوثوق بأخلاقهن وأغراضهن. بسبب تعرض الفتيات للاغتصاب، في بعض بلدان أفريقيا يعتبر البعض أن الختان قد يحميهن.
لا تقف آثار إجراء ختان الإناث على صحة السيدات، ولكنها عملية تترك بصمتها الاجتماعية والاقتصادية أيضا، فوفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية حول التكاليف الاقتصادية التي تهدف علاج مضاعفات ختان الإناث الصحية، وجدت أن 27 دولة (هم من كانت بياناتهم متاحة) تتكلف 1.4 مليار دولار خلال عام واحد، وهو عام 2018، ومن المتوقع أن يزيد هذا الرقم إلى 2.3 مليار دولار خلال الثلاثين عام المقبلة، أي بحلول عام 2047.
وتعتمد هذه التكلفة على مدى انتشار تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، فإذا ظل بنفس المعدل الحالي، فمن المتوقع أن تزيد التكاليف الاقتصادية بنسبة 68%، أما إذا تم اتباع خطة لوقفه والتصدي لها وتم تنفيذها، فقد تنخفض الكلفة الاقتصادية له بنسبة 60%.
تلك كانت أهم الحقائق عن ختان الإناث، والكفيلة بأن تجعل الدول والمجتمعات تتخذ الإجراءات وتطلق الحملات من أجل التخلص منه والقضاء عليه، وعدم التسامح مطلقا مع إجرائه، فحتى مع وجود القوانين، ما زال التفعيل والقدرة على التنفيذ يواجه صعوبات.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان