تعد وحدة النقد الوطنية في الواقع سلعة، يتم تداولها بيعاً وشراءً في سوق العملات، ويتحدد سعرها بناء على نقطة التلاقي بين مسارات العرض والطلب، كأي سلعة. لكن ما يميز سوق النقد هو أن خطورة الانعطافات الحادة، والانكسارات المفاجئة في مستويات العرض للنقد والطلب عليه، يترتب عليها تداعيات سلبية خطيرة، بحسبان وحدة النقد معادلاً عاما للقيم الاقتصادية المختلفة (السلعية والخدمية). ، ما يعني أن تراجع قيمتها تجاه عملة التحويل الدولية، سيتسبب بصورة مباشرة في تراجع القوة الشرائية للدخول والمرتبات، وبالتالي سيتسبب في تراجع مستوى المعيشة، وانخفاض مستوى نوعية الحياة، جراء العلاقة القوية والتأثير المُتبادل بين اتجاهات تطور المستوى العام للأسعار و بين تحولات سعر الصرف
أن استقرار سوق الصرف الأسبوع الماضي هو أكبر دليل علي أن التصريحات الحكومية ومخاوف تآكل سعر الدولار واحتمالات خفض الفائدة عليه مجددا ، كانت جميعها أسباب كثافة عمليات بيع العملة الأمريكية.
أن هناك فئة تبحث عن المغامرة في السوق وتحقيق أرباح سريعة وهو ما يتحقق عبر التداول في “بيتكوين” وغيرها من العملات المشفرة، ويقول إن الارتفاعات التي شهدتها الأولى غير مبررة، فعلى سبيل المثال حدوث تذبذب في أسواق المال يمكن أن يُبرر باجتياح المناصرين للرئيس ترمب الكابيتول، بالتالي كان هناك اضطراب سياسي يبرر هذا التذبذب، ولكن تحقيق “بيتكوين” لارتفاعات قياسية من 5 آلاف دولار قبل نحو 8 أشهر إلى نحو 42 ألف دولار لا يمكن تبريره من دون سبب مقنع. يضيف، نحن هنا لا نتحدث عن ارتفاعات بنحو 5 أو 10 في المئة وإنما بنسبة 300 أو 400 في المئة، بالتالي أنا أتفق مع “بنك أوف أميركا” في وصف ما يحدث في طفرة “بيتكوين” بأنه “فقاعة”.
أن عملية الدخول في “بيتكوين” كأداة استثمارية طويلة الأجل غير موجودة ولا تزال المخاطر المرتبطة بها قائمة منذ زمن بعيد، بما فيها مخاطر التداول والشراء والبيع، واستخدامها وإن كانت طريقة للتهرب من رقابة المصارف المركزية أو حتى المنظمات والدول، ولكن ما هو أكيد بحسب قوله، هو أن هذه الأداة الاستثمارية موجودة ومستمرة، بخاصة أن الكل قد توقع نهايتها عام 2018 ولكنها لم تنته وبقيت،
وبرأيي أن ارتفاع سعرها قد يكون مرتبطاً بثقة المستثمرين بالعملات الأخرى وبأن هذه العملات ستستمر في قوتها، خصوصاً الدولار الأميركي، كما أن الارتفاعات التي شهدناها في العملات الرقمية صاحبها انخفاض في الدولار الأميركي وعادة ما يدفع حصول أمر كهذا المستثمرين نحو الملاذات الآمنة مثل الذهب، ولكن عوضاً عن توجههم للذهب فقد توجهوا إليها. ثمة أهداف ودوافع كثيرة تقف وراء عمليات المضاربة، تتراوح بين سعي المضاربين نحو الإثراء وتحقيق الربح عن طريق تنفيذ عمليات شراء، بهدف إعادة البيع في وقتٍ لاحق، بسعر أعلى من سعر الشراء، كان قد راهن المضارب على بلوغه في وقتٍ لاحق، وهو رهان ينطوي في الواقع على مخاطرة ومجازفة، وربما غرم،
كما ينطوي في الوقت ذاته على فرصة وغنم، يمكن أن يصنف كعائد مخاطرة، وبين أهداف أخرى، قد تتجاوز في مراميها وغاياتها نطاق المصالح و حدود الاقتصاد، إلى حدود السياسة، إذ تستهدف في هذه الحالة الابتزاز وممارسة الضغط السياسي، بهدف التحكم بطبيعة القرار السياسي للدولة، والتأثير في طبيعة التحالفات السياسية، وتوازنات المصالح، بين مختلف القوى الفاعلة والأطراف المتعددة في اللعبة السياسية الدائرة .
قد تحصل انعطافات حادة في مجرى سعر الصرف (مقابل الدولار على سبيل المثال) ، إذ أنه عوضاً عن الانخفاض المرتقب في سعر صرف عملة ما ، قد يحصل العكس، إذ يرتفع سعر صرفها تجاه الدولار أو بعض العملات الأخرى القابلة للتحويل، ما قد يدفع بآمال المضاربين أدراج الرياح، ويلحق بهم خسائر معينة.
وهنا ستكون التداعيات السلبية للسلوك غير المتوقع لسعر الصرف، مختلفة الوقع والتأثير، على جميع من سبق أن راهن على انخفاضه ، تحديداً عندما تبدأ قوانين السوق الاقتصادية بفرض شروطها، التي ستعزز فرص الاستحواذ للأقوى، الذي يمتلك الملاءة المالية ، ولديه القدرة على تحمل الألم الاقتصادي (المالي) في لعبة عض الأصابع،
كل ذلك سيتم على حساب من لا يستطيع أن يتحمل لوقت أطول، كونه لا يمتلك الأرصدة الكافية، وسيضطر تنفيذ عمليات تحويل بالاتجاه المعاكس، إما بدافع الحاجة للإنفاق على الاستهلاك والاستثمار، أو بدافع الهروب بما تيسر من أرباح، أو بأقل الخسائر، وتبقى الفرصة الاستراتيجية القادمة لهوامير الأرصدة المعاندة الضخمة بلا شك ( مكتنزي الدولار، المستنزفون لأرصدة البنك المركزي في الأجل المتوسط والطويل)، الذين لديهم القدرة على التحمل،
وتتوافر لديهم الأرصدة الكافية، والسيولة اللازمة لتمويل الإنفاق على الاستهلاك، وربما الإنفاق على الاستثمار والتوظيف، غير المضطرين لتنفيذ عمليات تحويلات معاكسة، إذ سيتحول هؤلاء جميعاً من موقع المهاجم (المضارب) ، إلى موقع الكامن (المتحوط) / المدافع في سوق المضاربة، ينتظر لحظة معينة ، ليستأنف عندها عمليات المضاربة والاستحواذ من جديد.
إن تغيرات أسعار الصرف في النظام التجاري المفتوح لها آثارا مباشرة وغير مباشرة على المتغيرات الاقتصادية الکلية والجزئية، وعلى المستوي القومي والشخصي. وبالنظر إلى مصر التي تعتمد فى استهلاكها وإنتاجها على استيراد نسبة کبيرة من احتياجاتها، فإن هذه الآثار تکون کبيرة خاصة في القطاعات التي ترتفع فيها نسبة الإعتماد على المکون الأجنبى لمستلزمات الإنتاج أو سلع الإستهلاک النهائي. فهناک ارتفاع دائم فى الاعتماد على الخارج في توفير مستلزمات الإنتاج الزراعى والصناعى.
وانتهجت الدولة المصرية سياسة تخفيض سعر صرف الجنيه المصرى فى سياساتها للإصلاح الاقتصادى منذ عام 1991 وحتى عام 2016 . وکان هذا الانخفاض کبيراً ومتتالياً خلال الثلاث شهور الأولى من عام 2016، وأدى هذا الانخفاض والذى حدث بداية فى السوق الموازية (السوق السوداء) إلى توجه البنک المرکزى إلى تخفيض قيمة العملة المحلية أکثر من مرة خلال أسابيع قليله إنصياعاً لرغبات المتعاملين فى السوق، وقوى العرض والطلب على العملة الاجنبيه، وبهدف القضاء على المضاربات على العملات الاجنبية خاصة الدولار.
ومن المعلوم أن هذا الانخفاض فى قيمة العملة المحلية (الجنية) سيؤدى إلى أرتفاع معدلات التضخم (طبقا للنظرية الاقتصادية)، خاصة فى اقتصاد يعتمد بنسبة کبيرة من إستهلاکة على الواردات، والتى ارتفعت قيمتها نتيجة لإنخفاض قيمة العملة المحلية، ما يعنى إرتفاع تکلفة المعيشة وخاصة على الفئات محدودة الدخل، وأصحاب الدخول الثابتة. فى حين أن هناک بعض فئات المجتمع ستحقق أرباحاً من عمليات المضاربة، سواء فى سوق العملة أو أسواق السلع والخدمات المختلفة. ما يعنى حدوث إعادة لتوزيع الدخل فى غير صالح ذوى الدخول المحدودة ولصالح المضاربين وأصحاب المهن الحرة.
وکان لانخفاض سعر صرف الجنية المصرى تأثير مباشر على شعور الأفراد في السوق المصرى بارتفاع أسعار سلع الاستهلاک المحلي، ومستلزمات الإنتاج الزراعى، ومستلزمات الإنتاج والمواد الوسيطة المستخدمة في الصناعة.
يحلل أثر ارتفاع سعر الدولار على معدلات التضخم وتأثير ذلک على الفقر وتوزيع الدخل في مصر. من خلال الاجابة على عدة تساؤولات.
ما هو تأثير ارتفاع الدولار على القوة الشرائية للنقود؟ أى تأثير ارتفاع سعر الدولار على معدلات التضخم السنوية .
وما هو تأثير انخفاض القوة الشرائية للجنيه على تحديد قيمة خط الفقر القومى من خلال بحوث الدخل والإنفاق التى يقوم بها الجهاز المرکزى لللتعبئة العامة والاحصاء.
وتأثير تغيير قيمة خط الفقر القومي على معدلات انتشار الفقر في مصر سواء في المدن أو في القرى، وتأثير ذلک على عدالة توزيع الدخل.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان