المسئولين والمفكرين قالوا وكرروا ما قالوه انه لا سلام ولا رخاء بلا عمل ونشاط ، وبلا تفكير وتدبير لان الامم لا تنهض ولا تتقدم لان معاهدة قد وقعت ، أو لان مبادرة قد تمت . من الخير أن نغتبط بهذا ونبتهج له ، ولكن على الا نكتفى بالاغتباط والابتهاج ، وعلى ألا نشغل بالفرح عن النشاط ، والا يصرفنا الامل عن العمل ، وألا نقف أمام الحرية موقف المعجبين بها .
انما نأخذها كما تأخذ الامم الراقية على انها وسيلة الى الكمال ، وسبب من أسباب الرقى ، لا يكفان عن العمل وانما يدفعان اليه . ولا يحدان الامل وأنما يمدانه ، ويزيدانه قوة وسعة وانبساطا . ومن الحرية بعد أن ظفرنا بها !.. أشفق منها لانى أخشى أن يغرانا على أنفسنا ، ويخيلا الينا اننا قد وصلنا الى اخر الطريق حين وصلنا اليها ، مع أننا لم نزد على أن أبتدأنا بها الطريق . فللرجل فى حياتنا وفى تفكيرنا تأثير بعيد .. وأيضا ليعرف جيل من أبنائنا وبناتنا كيف كانت مثل هذه الاراء الجريئة تطرح للمناقشة .. فتدور حولها الآراء موافقة وتأييدا ، أو معارضة وانكارا ، فيخلق هذا بيئة فكرية حافلة بكثير من التيارات والاتجاهات ، تتعارض وتتصادم حتى يتبين الرأى العام طريقه وأهدافه .
أنا اخاف أشد الخوف ألا نقدر هذه التبعات ، أولا نقدرها حق قدرها . أخاف أن نقصر فى ذات أنفسنا ، فنهمل مرافقنا ، أو نأخذها فى غير حزم ولا نجد ، فنتأخر ونحن خليقون أن نتقدم ، وننحط ونحن خليقون أن نرقى ، وتعود الحرية علينا بالشر ، ولا تعود علينا بالخير . وأخاف أن نقصر فى ذات أنفسنا . أخشى هذا كله ، واريد كما يريد كل مصرى مثقف ، يحب وطنه ويحرص على كرامته ، وحسن رأى الناس فيه أن تكون حياتنا الحديثة ملائمة لمجدنا القديم ، وأن يكون نشاطنا الحديث محققا لرأينا فى أنفسنا ومحققا لرأى الامم المتحضرة . وحين أظهرت لنا ما أظهرت من الترحيب وحسن اللقاء .
فليحرص كل مصرى .. على أن نأخذ أمورنا بالحزم والجد منذ اليوم ، وان نعرض عن الالفاظ التى لا تغنى ، الى الاعمال التى تغنى ، وان نبدأ فى اقامة حياتنا الجديدة من العمل الصادق النافع على أساس متين . وقد يحسن أن نلفت هؤلاء الصادقين الاخيار الى أن الحياة ليست اثما كلها ، والى أن فيها خيرا كثيرا ، والى أن الاثم الخالص لا يمكن من الرقى ، وقد ارتقى الاوربيون ما فى ذلك شك ، والى أن حياتنا الحاضرة وحياتنا الماضية ليست خيرا كلها بل فيها شر كبير ، والخير الخالص لا يدفع الى الانحطاط وقد انحطت حياتنا ما فى ذلك شك ، فحياة الافراد والجماعات فى كل مكان وفى كل زمان مزاج من الخير والشر مهما تختلف أجيال الناس ومهما يتباين ما يحيط بهم من الظروف .
وكانت هناك ظاهرة واضحة ، وكان هناك عائلات ، وافراد ، تفتنهم الحياة الاوربية التى تحيط بهم ، وفيما يتعلمونه فى المدارس الاجنبية والجامعات الاوربية .. فكانوا يتهالكون على هذه الحياة الاوربية كما تتهالك الفراشات على النار ، فلا تلبث أن تحترق .. فاذا بهم لا هم أوربيون ، ولا هم عرب !