ثم إن الغرض من اللجوءِ تفكيكُ الألمِ ودفنُ الوجعِ، وإذا سرتِ في طريقِ اللجوءِ مرةً فلن تستطيعَ التخلي عنه أبدًا، فاختر من أردت اللجوءَ إليه، لأن اللجوءَ لغير صاحبه مذلةٌ وفي غير موضعه إهانةٌ.
فكما أن لكلِ شيئٍ درجات ومراحل كذا اللجوء، فتبدأُ من عند اللجوءِ إلى الأمِ منبعُ الأمانِ ومحلُ الإطمئنانِ، تلجأُ إليها فتمضُك بأحضانٍ عاشقة وتنظرُ إليك نظراتٍ حالمة، ولكن ما زالَ القلبُ عليلَ، فتبحثُ عن ملجأٍ أخر فَتُهرولُ على الصديقِ ورفيقُ الطريقِ فترددُ عليه متسائلًا:
أعندكَ الملجأُ؟!
فيُجيبكَ: عندي ملجأُ ولكن الراحة في ملجأ أخر.
فتسألُ متشوقًا:أين أجده؟
فيجيبك:لكلٍ منا طريقةٌ في إيجاده إبحث بنفسك.
فتتركه وتبحثُ هنا وهناك حتى تعتقدَ أنك وُلدتَ وحيدًا وستموتُ وحيدًا، وأن اللجوءَ ما إلا تُرهات تسمعُ عنها في الحكاياتِ والأساطيرِ.
حتى تسمعُ الله أكبر، فَيَهَبَّ قلبَكَ واقفًا ويصفعُكَ على وجهكَ مُرددًا الله أكبر من كلِ هم وأعظم من كل غم وأعلم بكل ضيق، فتتوضأ وتتساقط عنك الهموم واحدة تلو الأخرى، ثم تشرع في الصلاة وعند أول سجدة يتفكك الألم وينحل الحزن من قلبك ويذهب غمام اليأس من سماء روحك، فالملجأ هو السجود والنجاة عند الإلـٰه الكريم.
فاللجوء لغير الله مذلةٌ.
اللجوء لغير المحبوب مهانةٌ.
واللجوء لغير الكريمِ ذميمُ.