إن وضع النشر اختلف كثيرا بعد ثورة 25 يناير وأصبح أقل من ذي قبل، مضيفا أن «التركيز أصبح خلال الفترات الماضية على بعض الكتب في مصر أو بعض الموضوعات التي تختص بالثورة أو بالإخوان لكن أقل بكثير» عما سبق.
أن الانكماش الراهن في النشر أتى على حساب الازدهار الذي شهدته صناعة الكتاب في مصر خلال السنوات السابقة، أن «حركة النشر قبل الثورة كانت كبيرة بدليل أنه خلال السنوات الخمس الماضية تم تأسيس دور نشر جديدة يتراوح عددها بين عشرة و20 دار نشر، علاوة على أنه أصبح هناك ثقافة المكتبات».
تواجه صناعة الكتاب في الوطن العربي صعوبات جمة منذ عام 2011م حتى الآن؛ لذا فقد أُعِد هذا الموضوع لكي يكون كاشفًا ومناقشًا لمشكلات صناعة الكتاب في الوطن العربي، التي وإن كانت قد شهدت نموًّا مطردًا الذي يدفع بحركة النشر بصورة كبيرة، وبخاصة عند الاحتفاء أو عبر تحفيز القراءة على الصعيد الوطني أو من الجامعات الجزائرية التي باتت معنية بحركة التزويد.
ففي مصر الدولة الأولى عربيا في صناعة الكتب أعلن الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة عن انخفاض معدل صادراتها من الكتاب خلال الفترة الممتدة من يناير وحتى يونيو 2015 إلى 52 مليون جنيه مقارنة بـ73 مليون جنيه خلال نفس الفترة من العام 2014.
لا تتجاوز مداولات سوق الكتاب العربية بيعا وشراء الأربعة ملايين دولار أمريكي سنويا، في حين يصل هذا الرقم في دول الاتحاد الأوربي على سبيل المثال لا الحصر إلى حدود 12 مليار دولار. أي أن القيمة المالية لما يتداوله سكان الاتحاد الأوروبي فقط من كتب توازي ثلاثة آلاف ضعف القيمة المالية لما يتداوله العرب مجتمعين.
وانطلاقا من إحصائيات عربية فإن البلد الأكثر تمتعا بحركية وإنتاج وقراءة في سوق الكتاب هو الجزائر الذي يزور معرضه الدولي للكتاب أكثر من مليون و500 ألف زائر ويشارك فيه ما بين 900 إلى 1000 عارض ويمتد على مساحة عرض تفوق 20 ألف متر مربع وزواره يشترون الكتب.
ولكن تبقى السمة الرئيسة لسوق الكتاب في العالم العربي هي حالة ركود ممتدة رغم بعض محاولات الفاعلين كالناشرين والموزعين والمثقفين لإنعاشها بين حين وآخر. زد على ذلك تدني نسبة المقروئية لدى الفرد العربي وارتفاع عدد الأميين الذين يفوق الـ 65 مليون.
وعلى خلاف هذا الوضع وصل عدد الكتب التي صدرت في تركيا خلال عام 2015، إلى 49 ألف و148 كتابا، في مواضيع مختلفة.
وأظهرت معطيات هيئة الإحصاء التركية أن عدد المؤلفات التي نشرت في تركيا خلال العام الماضي ارتفع بنسبة 11.2 بالمئة مقارنة بعام 2014، ليصل إلى 56 ألف و414 مادة، بينها 49 ألف و148 كتابا.
وبلغ عدد الكتب الإلكترونية التي نشرت العام الماضي 539 كتابا بالإضافة إلى 6 آلاف و389 كتابا إلكترونيا على شبكة الإنترنت، و103 كتاب ناطق، و253 مادة منشورة أخرى.
تكمن أكبر المشكلات هنا في أن عددًا لا بأس به من هذه الكتب يطبع خارج الإمارات العربية المتحدة، وبخاصة في بيروت، بل نرى اتجاهًا للطبع في الهند، ولكننا نرصد نموًّا مطردًا للطباعة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي اتسمت مطبوعاتها بالجودة والدقة، وتأخذ في بعض الأحيان أرقام إيداع لبنانية، وهو ما يمثل حالة من حالات الرصد غير الدقيق لحجم المنشور من كتب في الإمارات العربية.
ترتكز حركة النشر في المملكة المغربية على المجتمع المدني العلمي الذي يتم التغاضي عن دوره في كثير من التقارير، فمجتمعات المؤرخين والتراث في الجمعيات الدينية والأكاديمية تلعب دورًا غير منظور خارج النطاق الأكاديمي، فيما يتعلق بحركة النشر في المملكة المغربية، ولكن خلال الأعوام من 2010 إلى 2014م، برزت الرابطة المحمدية للعلماء كناشر بدأ ينشر بكثافة ما لا يقل عن 100 عنوان سنويًّا، إضافة إلى ثلاث مجلات دورية، وهذه الأرقام آخذة في التزايد. وتتميز الرابطة المحمدية بأن مطبوعاتها أكبر من حيث عدد المطبوع في كل طبعة، وأكثر توزيعًا على الصعيد المغاربي، واكتسبت مصداقية من حيث جودة المضمون والدقة وجودة الطباعة. إن العديد من دور النشر المغربية نجحت في تثبيت أقدامها في حركة النشر المغاربية، وأبرزها دار توبقال التي احتفلت عام 2015م بمرور 30 عامًا على إنشائها، وتعددت مطبوعاتها بين المعرفة التاريخية والفلسفة والروايات والنشر العام. وقد أسسها عدد من الكتاب وأساتذة الجامعات؛ لدعم حركة النشر في المملكة المغربية.
إن الرأي الأصوب هو قياس النشر العابر للحدود في الدول العربية برقم مستقل؛ ويكشف مثل هذا الرقم عن حجم التمويل العربي المشترك للنشر، واتجاهات حركة النشر المشترك، وقد يساهم هذا التعاون كرافد في نمو حركة المعرفة والنشر في العالم العربي، كما أنه يحسب ضمن النشر الوطني في دولة المقر باعتباره منجزًا على التراب الوطني لهذه الدولة.
ويرتبط بهذا وجود مؤسسات مجتمع مدني أنشئت في السنوات الأخيرة، كمؤسسة الفكر العربي التي تتخذ من بيروت مقرًّا لها، فهل نحتسب إنتاجها ضمن النشر العابر لحدود العالم العربي، أم يحسب على النشر اللبناني؟ وهل يمكن أن ينطبق عليها المعيار السابق، أي إدراجها ضمن الرقم العابر للدول واعتباره جزءًا من النشر الوطني؟ مع أخذ ملاحظة على كل دولة بشأن النشر العابر المنشور بها.
وهنا لا بد من مراجعة النشر في لبنان كأحد أكبر الدول العربية المنتجة للكتاب؛ فلبنان تقوم بدور الطابع بشكل أساسي بحكم جودة الطباعة ورخصها في ذات الوقت؛ لذا تلجأ العديد من المؤسسات العربية للنشر عبر بيروت؛ فالسعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والمغرب تطبع في بيروت، وبالتالي فإن أرقام الإيداع في بعض الأحيان لا تعكس الحجم الحقيقي للنشر في لبنان. وهذه ملاحظة لا بد من أخذها في الحسبان.
لذا على الناشر من هذه الدول أن يحرص على النشر بأرقام إيداع تعود إلى بلده حتى مع طباعة الأعمال في بيروت؛ لأن هذه المسألة تخلق اضطرابًا في احتساب طبيعة حركة النشر في كل دولة.
إن أكثر الأمور التي جرى بحثها مضمون النشر ومدى تقديمه خدمات للباحثين والقراء، بل مدى امتداده إلى نقل وترويج المعرفة. وفي حقيقة الأمر، إن قوائم دور النشر العربية التي توزع في المعارض، كانت هي محل التحليل للوصول إلى نتائج محددة في هذا الاتجاه.
هناك نسبة محددة هي 60% من حجم ما ينشر في الوطن العربي، ينحصر بين 40% للكتاب الديني، و20% للروايات الأدبية. ويعني هذا أن الكتب الدينية خلال الأعوام 2012 و2013 و2014م احتلت المرتبة الأولى في مضمون النشر العربي. وهذه النسبة ليست ثابتة بل كانت في عام 2012م 43%، وفي عام 2013م 40%، وفي عام 2014م 44%.
ويعود تصاعد هذه النسبة ليس فقط إلى وزارات الأوقاف العربية والمؤسسات الدينية التي تمتلك برامج نشر وميزانيات كبيرة، بل إلى ظهور رغبة عربية عارمة لفهم ظاهرة الإسلام السياسي والتيارات الدينية المتطرفة، والفكر الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والصراعات السياسية الإسلامية، والتصوف، والحركات الإسلامية وغيرها من الموضوعات؛ كالجدل السني الشيعي، كل هذه الموضوعات كانت سببًا في زيادة عدد الكتب الدينية وحجم ما يطبع على الصعيد العربي.
وحققت دور نشر مثل الشبكة العربية للأبحاث، ومركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، والمركز العربي في الدوحة، وسلسلة مراصد التي تصدر عن مكتبة الإسكندرية وغيرها إقبالًا من القراء العرب،
وبخاصة في ظل حالة التقاذف الإعلامي بين أنصار الحركات الإسلامية ومناوئيها، وانعكس ذلك أيضًا على نشاط كتب محددة لاقت إقبالًا لدى القراء على غرار مؤلفات الدكتور رضوان السيد، وعبدالجواد ياسين، وطه عبدالرحمن، ومحمد الحداد، والطاهر سعود، وعبدالغني عماد، وهشام جعيط وغيرهم.
لا نستطيع حتى الآن أن نقرر باطمئنان رقما محددا لعدد الكتب المطبوعة في الوطن العربي، وإن كانت الأرقام تشير إلى أن عدد ما طبع في مصر منذ القرن 19م إلى الآن لا يقل عن 300 ألف عنوان، بينما عدد ما طبع في الوطن العربي إلى الآن لا يقل عن مليون عنوان، وهذه الأرقام في حاجة إلى دراسة ببليوغرافية دقيقة، تشمل كافة الدول العربية.. لكن المثير للانتباه هو فقدان العرب عددا كبيرا من المكتبات العامة وخزانتها من الكتب منذ العام 2003م إلى الآن، وبصورة خاصة منذ ثورات الربيع العربي أي منذ 2011م، وجاء حريق المجمع العلمي المصري في 2012م، ليتوج هذه المأساة بفقدانه ما يزيد على 15 ألف كتاب نادر. لهذا السبب حرصت مكتبة الإسكندرية على إنشاء قسم للكتب النادرة، ولا ينافسها في هذا سوى مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، ومركز الملك فيصل للدراسات والبحوث في الرياض.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان