ا
بقلم:
ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد- استاذ وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية والتنوع البيولوجى- قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – كلية الطب البيطرى -جامعة قناة السويس- الأمين العام المساعد للحياة البرية- الإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية بجامعة الدول العربية
أدى ظهور مفهوم الاقتصاد الأزرق منذ سنة 2012 إلى إعادة التفكير جدياً في واقع البحار والمحيطات وما يرتبط بها، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها من اختلال في النظم الإيكولوجية وعدم الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وإعطاء أهمية كبيرة لهذا الموضوع من طرف العديد من الدول والمنظمات الدولية من أجل تجسيد مشروع الاقتصاد الأزرق في إطار تحقيق التنمية المستدامة.
إذ يعمل الاقتصاد الأزرق كمحفز لتطوير السياسات والاستثمار والابتكار في دعم الأمن الغذائي، والحد من الفقر والإدارة المستدامة للموارد المائية، وذلك عن طريق تربية الأحياء المائية، وتعزيز السياسات والممارسات الجيدة لاستزراع السمك والنباتات البحرية بصورة مستدامة.
ولكن ما هو الاقتصاد الأزرق؟
هو الإدارة الجيّدة للموارد المائية والاعتماد على البحار والمحيطات فى التنمية المستدامة والقضاء على الفقر وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء. ويتعلق الاقتصاد الأزرق بالاستخدام المستدام للموارد المائية والحفاظ عليها – وهي المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار – وذلك بغية توجيه النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش وخلق فرص العمل، مع ضمان احترام البيئة والقيم الثقافية والتنوع البيولوجي.
الإدارة المُستدامة للمحيطات هي أمر بَالغ الأهمية لتَحقيق التنمية المُستدامة. فكيفية تَحقيق التَوازن بين التنمية الاقتصادية المُستمرة والاستدامة البيئية والدمج الاجتماعي، يُشكل تَحديات فكرية وعملية كبيرة للمجتمع الدولي ومُمارسي التنمية. وقد اقترح المجتمع الدولي نَهج الاقتصاد الأزرق لمعالجة التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة.
ويُشير الاقتصاد الأزرق إلى مفهوم يَسعى إلى تَعزيز النمو الاقتصادي والدمج الاجتماعي، والحفاظ على سبل العيش وتَحسينها مع ضمان الاستدامة البيئية للمحيطات والبحار في الوقت ذاته (البنك الدولي، 2017).
في الاقتصاد الأزرق، تُسهم البحار والمحيطات في القضاء على الفقر عن طريق إيجاد سُبل عيش مُستدامة، وعمل لائق وتَوفير الغذاء والمعادن، وامتصاص غازات الإحتباس الحراري، والتَخفيف من آثار التَغيرات المناخية، وتَحديد أنماط الطقس ودرجات الحرارة، والعمل كطرق سريعة للتجارة الدولية المنقولة بحراً.
من الأمور الأساسية في مَنهج الاقتصاد الأزرق، هو الربط بين التَنمية الاجتماعية والاقتصادية، وحفظ النظم الإيكولوجية البحرية وإعادة تَأهيلها. فالإقتصاد الأزرق يُقيم ويَتضمن القيمة الحَقيقية لرأس المال الطبيعي “الأزرق”، في جميع جَوانب النشاط الاقتصادي، بما في ذلك التَصور والتَخطيط وتَطوير البنية التَحتية والتَجارة والسَفر واستغلال الموارد المتجددة وإنتاج واستهلاك الطاقة.
ويمكن تَعريف رأس المال الطبيعي، بأنه مخزون العالم من الأصول الطبيعية والتي تَشمل الجيولوجيا والتربة والهواء والماء وجميع الكائنات الحية، ويَستمد البشر من هذا الرأسمال الطبيعي مجموعة واسعة من الخدمات، وهي ما تُسمى بخدمات النظام البيئي أو خدمات النظم الإيكولوجية (Ecosystem Services) والتي تَجعل حياة الإنسان مُمكنة، وتَشمل خَدمات النظم الإيكولوجية الأكثر وضوحاً كالطعام الذي نأكله، والمياه التي نَشربها، والمواد النباتية التي نَستخدمها للوقود، ومواد البناء والأدوية الخ. ووفقًا لنهج الإقتصاد الأزرق فإنه لا يَتِم استخدام الموارد والمواد البحرية الطبيعية ومصدرها إلا في حالة استخدام خيارات الطاقة المُنخفضة والمُستدامة وذلك للإستخدام الفعال والأمثل للموارد.
التقييم الأقتصادى للموائل الساحلية
ويَشمل التَقييم الإقتصادي للموائل السَاحلية مثل غَابات المَانجروف والشعاب المُرجانية والأعشاب البحرية وأنواع الأراضي الرطبة الأخرى الإستخدام المُباشر وغير المُباشر لمواردها الطبيعية. وتَتَضمن سلعُ وخَدمات النِظام البيئي من هذه الموائل الساحلية؛ السياحة والتَرفيه ومَصائد الأسماك، وحماية السواحل، والتَنوع البيولوجي وتخزين الكربون. إذا تم إستخدام هذه الخدمات الايكولوجية بشكل صحيح ومستدام؛ فإن هذه الموائل سوف تَستمر في توفير خدمات النظام البيئي للبشر والكائنات الحية الأخرى.
وتُعتبر إمكانات المحيطات والبحار لتَلبية احتياجات التَنمية المُستدامة واعدة للغاية، شريطة أن يتم صيانتها وإعادتها إلى حالتها البيئية السليمة. في سبتمبر 2015 اعتمد قادة العالم سبعة عشر هدفاً للتنمية المستدامة (SDGs) بحلول عام 2030 والتي تُغطي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية، ويَتعلق الهدف الرابع عشر من هذه الأهداف بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام.
ويشمل “الاقتصاد الأزرق” توليد الكهرباء من طاقة المياه، وأنشطة التعدين في البحار والمحيطات، والسياحة البحرية، وأنشطة صيد الأسماك والكائنات البحرية، واستخراج المواد الخام من البحار، وغير ذلك من أشكال النشاط الاقتصادي المرتبط أساسًا بالمياه. وتمثل الأحياء البحرية 99% من أشكال الحياة على كوكب الأرض تقريبًا، فيما يبقى 1% فقط على اليابسة، وتمتص البحار والمحيطات نحو 50% من الانبعاثات الضارة التي تخرج من اليابسة، وعلى الرغم من تلك الأهمية البيئية إلا أن الأمر يتعدى ذلك إلى الأهمية الاقتصادية أو ما يعرف بـ”الاقتصاد الأزرق”.
الاقتصاد الأزرق والتنمية المستدامة
من الأهداف التى اعتمدتها الأمم المتحدة ضمن خطة التنمية المستدامة لعام 2030، هناك هدف مستقل يسعى إلى الاستخدام المستدام والحفاظ على الحياة تحت سطح الماء وهو الهدف رقم 14، (الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بشكل مستدام لتحقيق التنمية المستدامة). ويدعو الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة المجتمع الدولي إلى “صون المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها بصورة مستدامة لأغراض التنمية المستدامة”.
وجدير بالذكر أن أهمية المحيطات في التنمية المستدامة، تلقى اعترافاً واسعاً من المجتمع الدولي، كما أنها جزء لا يتجزأ من الالتزامات الأساسية التي أقرتها الدول الأعضاء في هذا الشأن. ويسعى الهدف رقم 14 للتنمية المستدامة إلى الحيلولة دون حدوث التلوث البحري والحد منه؛ ودعم الإدارة والحماية المستدامة للنظم البيئية البحرية والساحلية؛ والتعامل مع آثار تحمض المحيطات؛ وتنظيم صيد الأسماك وإنهاء الصيد الجائر والصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم وممارسات الصيد المدمرة؛ والحفاظ على المناطق الساحلية والبحرية؛ وزيادة المزايا الاقتصادية للدول النامية والدول الأقل نمواً من الاستخدام المستدام للموارد البحرية؛ وتعزيز وسائل التنفيذ، بما في ذلك زيادة المعرفة العلمية، ونقل التكنولوجيا البحرية وتنفيذ القانون الدولي كما هو وارد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) لعام 1982.
مبادئ الاقتصاد الأزرق المستدام
قدم الصندوق العالمى للطبيعة مجموعة من المبادئ للاقتصاد الأزرق منها:
توفيـــر العوائد الاجتماعية والاقتصادية للأجيال الحاليـــة والمستقبليـــة مــــن خــلال المساهمة فى تحقيق الأمن الغذائى والقضاء على الفقر وتحسيـــن مستـــوى المعيشة وتحسين الدخل وتوفير فرص العمل والسلامة وتحقيق تنمية صحية وأمنية وسياسية مستدامة.
المحافظة على تنوع وإنتاجية ووظائف وقيمـــة النظـــم الأيكولوجيــة البحرية والعوائل الطبيعية التى يعتمد عليها ازدهارها .
الإعتماد على التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة وإعادة تدوير المواد وذلك لتأمين الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية طوال الوقت .
وقد افاد البنك الدولي: “إن الاقتصاد الأزرق يولد 83 مليار دولار للاقتصاد العالمي سنويا، وهذا الرقم قابل للزيادة سنويا”، موضحا أن الإمكانات التي يمتلكها للدول الجزرية الصغيرة النامية والبلدان الساحلية تعد الأقل نموا. وتوقع الاتحاد الأوروبي أن ينمو الاقتصاد الأزرق العالمي بشكل أسرع من الاقتصاد العام، وربما يتضاعف حجمه بحلول عام 2030. كما أن أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم يعتمدون على الحياة البحرية بشكل أو بآخر في حياتهم اليومية والاقتصادية تحديدا، وأن دولة متقدمة مثل اليابان قد تعاني “فقرا غذائيا” إذا لم تمتلك أسطولها الكبير من سفن الصيد.
لماذا يعد الاقتصاد الأزرق غاية في الأهمية في حياتنا
تغطي البحار والمحيطات أكثر من ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية، وتوفر أكثر من نصف الأوكسجين في العالم، كما تحتضن نسبة ما بين 50-80٪ من جميع أشكال الحياة على الأرض. فالأسماك التي يتم صيدها من المحيطات توفر التغذية وسبل العيش والأمن الغذائي لسكان المناطق الساحلية وتعتبر بمثابة دافعا هاما للتنمية الاقتصادية، لا سيما في البلدان النامية. ويعيش حوالي نصف سكان العالم ضمن مسافة 100 كيلومتر من البحار، وتقع ثلاثة أرباع المدن الكبرى في العالم على ضفاف البحار، وتعبر 90 في المائة من السلع التي تتم المتاجرة بها عالميا عبر البحار. ويقدر الاقتصاد العالمي المستند إلى المحيطات بحدود 3 تريليون دولار أمريكي سنويا، مما يمثل حوالي 5 في المائة الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وتوفر صناعات الاقتصاد الأزرق سبل لكسب العيش لما يزيد عن 820 مليون شخص في جميع أنحاء العالم في ميادين متنوعة تتضمن الشحن البحري وما يتعلق بها من نقل وتوليد الطاقة والتعدين والإنشاءات والتجارة والسياحة والبحوث، من بين جملة أمور أخرى، من دون أن ننسى الخدمات الهامة للغاية التي يوفرها هذا الاقتصاد للنظام الإيكولوجي مثل احتجاز الكربون.
ويشكل الصيد وتربية الأحياء المائية جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الأزرق، وربما يعتبر هذا القطاع أحد أهم القطاعات نظرا للتوزيع الكبير للفرص والفوائد التي يخلقها في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في البلدان النامية.
ورغم الحجم الضخم للإقتصاد العالمى القائم على الموارد البحرية كمصدر للغذاء لنحو 4.3 مليار شخص حول العالم مــع توفير اكثر من 15 % من البروتين الحيوانى المستهلك سنويا، كما أن 30 % مـــن النفــط والغاز المستخرج حول العالم ينتج من البحار والمحيطات، ويقدر نشـــاط السياحـــة البحرية بنحو 5 % من الناتج المحلى الإجمالى العالمى ويعمل به نحو من 6 – 7 % مــن قـوة العمل حول العالم .
إلا أنه يوجد العديد من المخاطر التى تؤثر سلباً على استدامة هذه الموارد ويمثل تهديدا حقيقيا للبيئة البحرية بشكـــل عام ، وأدت إلى تخصيص الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة ، لـ “المحافظة على المحيطات والبحار والموارد البحرية والاستخدام المستدام لها.”
ومن أهم هذه المخاطر :
فقدان التنوع البيولوجى الناتج عن تدهور رأس المال الطبيعى للعديد من النظم الأيكولوجية البحرية والساحلية . ويشمل الأتى:
الممارسات السيئة لإدارة مصايد الأسماك تعرض بحارنا ومحيطاتنا للخطر بشكل متزايد.هذه المخاوف مصائد الأسماك الغير مستدامة الناتجة عن الصيد الجائر بما يمثل تحديا لتحقيق الأمن الغذائى .
تغير المناخ وعلاقته بارتفاع منسوب سطح البحر والتدهور البيئي والتلوث وارتفاع مستويات الحطام البحري، والممارسات السيئة لإدارة مصايد الأسماك تعرض بحارنا ومحيطاتنا للخطر بشكل متزايد.
.تحمض المسطحات المائية .
أنشطة السياحة البحرية والساحلية الغير مستدامة تعتبر من التحديات التى تواجه هذا النوع من الاقتصاد ، بالإضافــة إلى التلوث البحـــرى الناشئ عن أنشطـــة استخراج المعادن والنفط والغاز.
أنشطة النقل والشحن البحرى .. وهو ما يتطلب نوعا من الاقتصــاد يعنى بكـــل هذه الأنشطة فى ضوء أهداف ومتطلبات التنمية المستدامة للبيئة البحريــــة بشكـــل عام، وهو ما يتوفر فى نهج ” الإقتصاد الأزرق “.
وبالتالي فإن هدف الاقتصاد الأزرق هو مواجهة الأزمات العالمية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية في العقود الماضية، والنظر إلى موارد المحيطات كمساحات تنموية، يمكن استخدامها بشكل مستدام، لتحقيق الازدهار الاقتصادي.
مستقبل الاقتصاد الأزرق فى مصر
كان يجب أن تكون مصر فى مقدمة الدول التى تعتمد على الاقتصاد الأزرق، لأنها الأولى عالمياً من حيث الموقع الجغرافى، حيث تمتلك أربعة آلاف كيلومتر شواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط، وأهم ممر ملاحى (قناة السويس)، ونهر النيل، وتسع بحيرات، بالإضافة إلى 60 ميناءً كبيراً وصغيراً ومتخصصاً كل هذه الثروة المائية يتعين علينا أن نحسن استغلالها حتى نصل الى مستوى دول مثل الدنمارك والنرويج وفنلندا واليونان وسنغافورة ودبى والمغرب، وهى دول لا تمتلك شواطئ مثلنا، ومع ذلك حققت طفرات بسبب حسن استغلال مواردها المائية.
ويعتبرالاقتصاد الأزرق طوق النجاة للتنمية الاقتصادية فى مصر، ويتمثل فى ضرورة تحويل الموانئ المصرية إلى لوجيستية، شحن وتفريغ وخدمات وتعبئة وإعادة تصدير وتصنيع وصيانة وتمويل السفن والصناعات البحرية الثقيلة والخفيفة.
الاقتصاد الأزرق يتمثل أيضاً فى السياحة الشاطئية وسياحة الكروز من القاهرة إلى أسوان ورشيد ودمياط فى نهر النيل أو الموانئ، وربطها بالرحلات العالمية، وأيضاً استغلال الساحل الشمالى ومطروح فى فصل الشتاء للأوروبيين، وكذلك سياحة اليخوت والغوص والصيد. كما يتمثل الاقتصاد الأزرق فى استخراج البترول والغاز من أعماق البحار والمحيطات، وأيضاً إعادة استخدام مياه الصرف الصحى والاستفادة من الأمطار والسيول بشكل مستدام.