-لا يعجبني خطيبك !
قالتها جدتي بعد رؤيتها لخطيبي لأول مرة وسط تجمع كبير للعائلة، ضايقني ذلك كثيرًا وبدأت أسرد لها مميزاته وكم يحبني ويعدني بكل السعادة معه إلا أنها لم تقتنع أبدًا وأردفت قائلة :
-لا تتسرعي بخطوة زواجك .
أعدت له جدتي بعدها كوب عصير ولأنها لا تُبرد المياة في الثلاجة بل تُفضل شُربها من الأواني الفخارية ، كان العصير متوسط البرودة فلما تناول رشفة منه دفعه بيده إلى الطاولة وأظهر الضيق على وجهه وقال لي بصوت مسموع :
-هل تقدمون العصير دون تبريده إلى الضيوف !
سمعته جدتي ولم ترد سوى بابتسامة بسيطة لي كأنها تؤكد ماقالته لي منذ قليل ، لكن شعرت أنه مجرد موقف عفويّ منه لا يقصد منه شيء ، ولم أجعل للأمر مساحة كبيرة من تفكيري فمن المستحيل الحكم على أحدهم لمجرد موقف ! .
قُبيل عقد القران أصر على إجراء فحوصات الزواج رغم أن الجميع في بلدتنا يقوم بالحصول عليها ببعض المال من داخل المشفى كيلا نشقى ونضيع الوقت ، لكنه وبكل حزم قال :
-أخاف أن أتفاجئ بعد الزواج أن هناك أي مشكلة تمنعك من الانجاب !
وقعت جُملته على صدري فشعرت ببرودة تسري بجسدي من الصدمة ، ابتلعت ريقي بصعوبة شديدة ثم قلت :
=لم أفهم قصدك هل تعني …
قاطعني بحدة وقال بصرامة :
-أعني ما أعنيه … ماقلته للتو لا يشوبه خطأ فهذا مستقبلنا ، تخيلي فقط أن نتزوج ونكتشف مشكلة كهذه هل الطلاق أفضل أم فض الخطبة .
أعلم أني عهدته صريحًا جدًا لكن ليست لهذه الدرجة لكن بالفعل اقتنعت بكلامه وقررت إجراء الفحوصات والتي أظهرت أن كل أموري بخير كذلك كان هو الآخر بخير ، خرجنا من المشفى بعد الحصول على الورقة الموقعة والابتسامة تغشاه لكن فجأة توقفت ، نظر إليّ باستغراب :
-ماذا دهاكِ ؟
بمنتهى الهدوء قمت بخلع خاتم الخطبة من يدي وقلت :
=كنت في البداية أعتقد أن مشكلتي معك بسبب صراحتك الجارحة أحيانًا ، لكنِ اكتشفت أن المشكلة أكبر وهي أني فقدت الأمان معك بكلامك الصادم ، ماذا لو حلت مشكلة بعد زواجنا هل سترمي بي ؟ ، حديثك يوم أخبرتني بإجراء الفحوصات كان جارحًا حد الوقاحة ، ربما لو قلت لي نريد الاطمئنان فقط على صحتنا لما أشعرتني بما شعرت به ، لكنك يومها أرسلت لي شفرة بين كلماتك أني لست سوى آلة للانجاب أما أن تصلح فتتزوجها أو تفسد فترمي بها ! ، أفقدتني الأمان لذا سأبحث عنه بمكان آخر .
لم يستطع الرد فقد كانت المرة الأولى التي أحاوره فيها بنفس طريقته الجارحة ، ذهبت مباشرة لبيت جدتي وأنا أخبرها بما حدث ، قالت وهي تربت على كتفي :
-الحمد لله على كل شيء .
سألتها ماذا قصدت يوم همست لي أنه لا يعجبها ، ابتسمت وقالت :
=وقت أن دخل بدأ يجول بنظره على الجميع مُدققًا بعينه في تفاصيلهم وقد بدا على وجهه الاعجاب حين رأى بنات خالاتك ، ثم جلس بدأ يتفحص كل جزء في البيت وقد بدا على وجهه الضيق حين رأى الحصر مفروشة على الأرض بدل السجاد ، وأبدى بعدها ضيقه من العصير ، صراحته الشديدة في ابداء مشاعره غير مكترث لمشاعر من معه جارح للغاية ، لم يهمه أن تغارين لو رأيتِ تلك البسمة ونظرة الإعجاب التي علت وجهه تجاههن ، لم يهمه أن أحزن من نظراته لبيتي العتيق ، لم يهمه كوني أجلس وأسمعه متعمدًا ابداء رأيه بإحراجي .
قمة الوقاحة هي قصد الكلام الجارح الصادم وقعه على النفوس بحجة أنها صراحة .