أفق جديد تشهده العلاقات الدولية، تحمله لنا وكالات الأنباء ووسائل الاعلام، من خلال تصريحات من نوع جديد، وأخبار تتشكل على إثرها تحالفات، ربما تغير وجه العالم، وترسم أدواراً لدول وجماعات وأفراد، لم تكن في الحسبان، أو يتخيلها أحد، لكنها المصالح، التي تتغير وتتشابك، وتعيد إنتاج أنماط الصراع والتعاون، فما طرحته مبادرة الحزام والطريق التي أعلنها الرئيس الصيني شى جين بينج عام 2013، كانت تهدف إلى تعزيز المصالح الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية الصينية، وتأمين الاحتياجات الأساسية للدول الأخرى من الطاقة والبنية التحتية، إلا أن ما رأته الولايات المتحدة الأمريكية من مخاطر إستراتيجية لتلك المبادرة، جعل منها بداية دراماتيكية لإعادة رسم التحالفات التي كانت راسخة إلى وقت قريب.
وها هي وزيرة الدفاع الألمانية، أنيجريت كرامب كارينباور، تعلن أنها تنوي اقتراح خطة لإنشاء القوات الأوروبية للرد السريع، وها هو حلف الناتو يحذر من خطوة قد تؤدي إلى إضعاف الحلف وتقسيم أوروبا.
الوزيرة الألمانية قالت “لا يعني أنه يجب علينا الانفصال عن الأمريكيين، يمكن أن تظهر هناك حالات عندما ستكون لدينا مصالح أخرى، بما في ذلك داخل حلف الناتو، ويجب أن نعرف “كيفية العمل بأنفسنا”، واعترفت الوزيرة بأن تطورات الأوضاع في أفغانستان جعلتها تفكر في الاستقالة من منصبها الحالي، لكنها قررت أخيراً مواصلة “النضال”، من أجل منع وقوع حالات مشابهة في المستقبل.
الحقائق التاريخية تؤكد أن الدول الكبرى، سواء الحالية، أو الممالك القديمة، عندما تخوض معركتها الكبرى، فإنها تختار الحلفاء جيداً، وحبَّذا لو كانوا شركاء فِي العرق والدين والتاريخ، هكذا فعل بايدن عندما شكَّل تحالفاً ثلاثيا مع بريطانيا وأستراليا لتطويق الصين، فاستبعد الحلفاء التقليديين كفرنسا وأوروبا، وذهب إلى أحضان بريطانيا وأستراليا، خطط ونفذ انسحابا تكتيكيا من الشرق، تاركاً مجموعات التشدد الديني تطيح بكل الثوابت، وتفرض رؤيتها ودستورها على مناطق شديدة الحساسية في الخارطة المستقبلية، لم يهرب من سوريا أو ليبيا أو العراق أو أفغانستان، إنما أعاد ترتيب أوراقه وتنظيم تواجده بأقل التكاليف من خلال وكلاء عرب وغير عرب، أتراك وإيرانيين، مسلمين وغير مسلمين، أطاح بايدن بثوابت سارت عليها بلاده عُقُودًا طويلة إنه عالم جديد يتشكل ونظام دَوْلِي يولد.
حرب باردة، لن تكون على نفس شاكلة سابقتها بين الغرب والكتلة الاشتراكية، العم سام يشعر بأن الخطر أكبر من أي وقتٍ مضى، لذا لن يترك وسيلة، إلا واستخدمها، حتى لو تطلب الأمر، إنهاء أنظمة وإخفاء دول والإطاحة بحلفاء تقليديين، فإن ردود بايدن على غضب فرنسا، واتهامها له بخيانتها وطعنها بالظهر، كانت الإشادة بها كشريك أساسي، رغم أن التحالف الجديد أخرجها من صفقة غواصات لأستراليا كانت ستدر عليها عشرات المليارات من الدولارات، لأن أمريكا تدرك أن فرنسا ستعود آجلاً أو عاجلاً لحضنها، فالمعركة الأساسية مع الصين، لذلك لجأ لتأسيس تحالفه الجديد، مع ملاحظة أنه هناك تحالفاً آخر يسمى العيون الخمس لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الثلاث إضافة لكندا .
إن هدف أمريكا حاليا وفي المستقبل القريب هو خلو منطقة المحيطين الهادي والهندي من الهيمنة الصينية، تلك الهيمنة التي كرستها مجموعة من عناصر القوة الاقتصادية، التي نفذتها الصين على مدى السنوات الماضية، ومنها إستراتيجية الديون، بالاضافة إلى العنصر الأهم وهو مبادرة الحزام والطريق، تلك المبادرة التي تعد أكثر مشاريع السياسة الخارجية طموحا فى الصين خلال العصر الحديث، حيث قامت المبادرة بتمويل وبناء الطرق ومحطات الطاقة والموانئ، والسكك الحديدية وشبكات الجيل الخامس وكابلات الألياف الضوئية فى جميع أنحاء العالم، فى حين سعت المبادرة فى البداية إلى ربط دول وسط وجنوب شرق آسيا بالصين، إلا أن عدد أعضاءها الآن وصل إلى 139 دولة.
وقد دونت مبادرة الحزام والطريق، حقبة تنافس قوية بين الولايات المتحدة والصين، فرضت على صانعي السياسة الأمريكية البحث عن أفضل طريقة للتعامل مع مبادرة الحزام والطريق وتداعياتها الإستراتيجية والسياسية، حيث طرحت المبادرة نموذجاً قوياً على قدرة الصين، ورغبتها فى ملىء الفراغ الذى خلفته الولايات المتحدة، الذي منح الصين فرصة للتقدم فى مجال تطوير وبيع تكنولوجيا الجيل الخامس، وتركيب السكك الحديدية عالية السرعة، وإنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإصدار منصات الدفع الإلكترونى، فيما سمح انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ وعدم الاهتمام بالاتفاقيات التجارية المتعددة الأطراف الأخرى فى آسيا، بتعزيز مكانة الصين كمركز للتجارة الإقليمية.
ورغم كل هذا الإنجاز الذي حققته الصين، إلا أنها فشلت، كما يرى مراقبون، ليس فقط فِي إخراج أمريكا من المنطقة، بل أيضاً بإقناع دولها بأن الرحيل الأمريكي سيكون مفيداً لذلك، هناك تحالفات تسعى واشنطن إلى تكريسها، كالتحالف الرباعي مع اليابان والهند وأستراليا .
وبناء على تلك التحالفات الأمريكية، وخطط مواجهة العدو الأخطر وهو الصين، فإن منطقتنا العربية وما يحيطها من غلاف غير آمن تمثله إيران وتركيا، كان يجب إعادة تأمينه ورسم الخارطة التحالفية من جديد، خاصة في ظل التراخي الأمريكي والانسحاب الناعم من العراق وسوريا وليبيا.
بدا هذا واضحاً في حدثين
كبيرين، أولها قمة بغداد الأخيرة بحضور الرئيس السيسي ولقائه بأمير قطر الشيخ تميم، واللقاءات الودية بين مسئولين سعوديين وايرانيين ومسئولين أتراك واماراتيين،