عند تقسيم دول العالم إلى أربعة مجموعات متساوية بحسب قيمة دليل اقتصاد المعرفة، يلاحظ عدم وجود أية دولة عربية ضمن مجموعة أعلى 25% من دول العالم ، أي ضمن مجموعة الدول التي يبلغ دليل اقتصاد المعرفة لها 7.5 أو أكثر، بل لا توجد أي دولة ضمن 35%. وتقع ثماني دول عربية ضمـن مجموعة ثاني أعلى 25% من دول العالم التي يتراوح دليـل اقتصـاد المعرفـة لها بين 5 و7.5، وهذه الدول هي بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة والأردن ولبنان.
وتقع سبع دول عربية ضمن مجموعة ثالث أعلى 25% من دول العالم ، الدول التي يتراوح دليل اقتصاد المعرفة لها بين2.5 و5 ، وهذه الدول هي تونس ومصر والمغرب والجزائر وليبيا وسورية والعراق. وتقع فلسطين على الأرجح ضمن هذه المجموعة أيضاً. وفي اقتصاد المعرفة تقع بقية الدول العربية ضمن مجموعة أدنى 25% من دول العالم يقل دليل اقتصاد المعرفة لها عن 2.5 وهذه الدول هي موريتانيا والسودان واليمن وجيبوتي.
ويتوقع أن تقع الصومال وجزر القمر ضمن هذه المجموعة أيضاً.
ويلاحظ أن المنطقة العربية هي أدنى من من المناطق الجغرافية الثماني بالنسبة لمؤشرين ، وأدني من تلك المناطق بالنسبة لإحدى عشرة مؤشراً ، وأدنى من) مناطق بالنسبة لمؤشرين ، وأدني من أربع مناطق بالنسبة لمؤشر واحد.
والمؤشر الوحيد الذي سجلت فيه المنطقة العربية وضعاً أفضل من نصف مناطق العالم الجغرافية هو مؤشر النمو السنوي للناتج المحلى الإجمالي، إذ حازت على ثالث أعلى مستوى بعد منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي ومنطقة أوروبا وآسيا الوسطى ، ويعود ارتفاع قيمة المؤشر المذكور إلى حد كبير إلى ارتفاع الأسعار العالمية للنفط الخام).
كما أشار تقرير مؤشر المعرفة العربي إلى تأخر مؤشر البحث والتطوير في العالم العربي عن مؤشرات القطاعات الأخرى، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة بلغ مؤشر البحث والتطوير 50,076%، بينما وصل مؤشر الاقتصاد في الدولة 77,59%. وجاء مؤشر البحث والتطوير في سوريا بنسبة 21,56 %، ووصل مؤشر البحث والتطوير والابتكار في السودان إلى نسبة 16,10% ، وبلغ المؤشر في السعودية 56,84%، بينما جاء مؤشر تكنولوجيا المعلومات في السعودية 69,58%. ووصل مؤشر البحث والتطوير في ليبيا إلى 22,99%. أما في فلسطين فجاءت النسبة 18,18%. وبلغ مؤشر البحث والتطوير في العراق 24,56%.
ويتضح من هذه الأرقام الإحصائية أن قطاع البحث والتطوير والابتكار يتأثر بمجموعة من العوامل المؤسساتية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية. ومنها على النحو التالي:
1- غياب ثقافة البحث والتطوير في المؤسسات الصناعية والخدمية، ما يؤدي إلى صعوبة تطبيق نتائج البحث والتطوير في هذه المجالات، ومن ثم تراجع إمكانات إنتاج المعرفة والابتكار التكنولوجي في العالم العربي.
2- ضعف الارتباط بين مؤسسات البحث والتطوير (عرض الخدمات البحثية) من ناحية، والشركات الإنتاجية ومؤسسات المجتمع المدني (الطلب على الخدمات البحثية) من ناحية أخرى.
3- القصور الواضح في قدرات خريجي المؤسسات التعليمية في مجال البحث والتطوير، كأحد متطلبات أسواق العمل في العصر المعرفي في الألفية الثالثة.
4- قصور البنية التحتية البحثية في العالم العربي، وعدم مواكبتها للتوجهات الحديثة، وعلى وجه الخصوص، البنى البحثية الرامية لربط البحث والتطوير بالمجتمع (مثل المنتجعات العلمية، ومراكز الابتكار البحثي، والحاضنات الصناعية).
د – مجالات التنمية المستدامة
تتطلب التنمية المستدامة تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل. وتجرى التنمية المستدامة في ثلاثة مجالات رئيسة هي النمو الاقتصادي، وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة، التنمية الاجتماعية.
وفيما يلي استعراض أمثلة لأهم أهداف التنمية المستدامة من خلال بعض البنود التي من شأنها التأثير مباشرة في الظروف المعيشية للناس:
1- المياه:
تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان إمداد كافٍ من المياه ورفع كفاءة استخدام المياه في التنمية الزراعية والصناعية والحضرية والريفية. وإلى تأمين الحصول على المياه في المنطقة الكافية للاستعمال المنزلي والمشاريع الزراعية الصغيرة للأغلبية الفقيرة.
2- الغذاء:
تهدف إلى رفع الإنتاجية الزراعية والإنتاج من أجل تحقيق الأمن الغذائي الإقليمي والتصديري، وإلى تحسين الإنتاجية وأرباح الزراعة الصغيرة وضمان الأمن الغذائي المنزلي، وإلى ضمان الاستخدام المستدام والحفاظ على الأراضي والغابات والمياه والحياة البرية والأسماك وموارد المياه.
3- الصحة:
تهدف إلى زيادة الإنتاجية من خلال الرعاية الصحية والوقائية وتحسين الصحة والأمان في أماكن العمل. وتهدف الاستدامة الاجتماعية فرض معايير للهواء والمياه والضوضاء لحماية صحة البشر وضمان الرعاية الصحية الأولية للأغلبية الفقيرة.
4- المأوى والخدمات:
تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان الإمداد الكافي والاستعمال الكفء لموارد البناء ونظم المواصلات. وضمان الحصول على السكن المناسب بالسعر المناسب بالإضافة إلى الصرف الصحي والمواصلات للأغلبية الفقيرة. وإلى ضمان الاستخدام المستدام أو المثالي للأراضي والغابات والطاقة والموارد المعدنية.
5-الدخل :-
تهدف الاستدامة الاقتصادية فيه إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والنمو وفرص العمل في القطاع الرسمي. وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى دعم المشاريع الصغيرة وخلق الوظائف للأغلبية الفقيرة في القطاع غير الرسمي. وتهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية الضرورية للنمو الاقتصادي في القطاعين العام والخاص، وتهدف أيضا إلى الزيادة في الدخل الفردي لتحقيق الرفاه الاجتماعي.
6- المشروعات الصغيرة والمتوسطة:
تحتاج إقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، توفير الأماكن المناسبة لإقامة حاضنات تكنولوجية، وحاضنات أعمال داخل الجامعات والكليات والمعاهد العليا والأماكن التابعة لكل منها والمدن الصناعية . وهناك ضرورة “ إلى تفعيل دور المؤسسات العلمية والتعليمية والبحثية في زيادة القدرة التنافسية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص من خلال زيادة وتنشيط المحتوى المعرفي والابتكار في مراحل الإنتاج المختلفة، فضلاً عن تقديم خدمات البحث والتطوير ونقل التكنولوجيا والاستشارات الفنية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والقطاع الخاص، والمساهمة في إقامة مراكز تكنولوجية وبحثية متخصصة”.
هـ – دور تقنية المعلومات في تحقيق التنمية المستدامة
في هذا العصر الذي تحدد فيه التكنولوجيات القدرات التنافسية، تستطيع تقنية المعلومات أن تلعب دوراً مهماً في التنمية المستدامة، إذ يمكن تسخير الإمكانات اللا متناهية التي توفرها تقنية المعلومات من أجل إحلال تنمية مستدامة اقتصادية واجتماعية وبيئية، وذلك من خلال تعزيز التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة كما يلي:
1- تعزيز أنشطة البحث والتطوير لتعزيز تكنولوجيا المواد الجديدة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتكنولوجيات الحيوية، واعتماد الآليات القابلة للاستدامة.
2- تحسين أداء المؤسسات الخاصة من خلال مدخلات معينة مستندة إلى التكنولوجيات الحديثة.
3- تعزيز بناء القدرات في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الاقتصاد القائم على المعرفة.
4- إدماج التكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
5- إعداد سياسات وطنية للابتكار واستراتيجيات جديدة للتكنولوجيا مع التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
6- التركيز على دور الاتصالات في تحقيق التنمية المستدامة فالمعارف والمعلومات تعد بالطبع عنصراً أساسياً لنجاح التنمية المستدامة.
و- زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي )
تؤثّر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الإنتاجية من خلال ثلاث قنوات رئيسية، كالآتي:-
الأولى: تتحقق الكفاءة الإنتاجية من خلال التقدم التكنولوجي السريع في إنتاج السلع والخدمات، ومنه فإن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يعتبر محركاً لزيادة الإنتاجية في الاقتصاد ككل، كما أن الانخفاض السريع في أسعار سلع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يعد من المكاسب التي يمكن أن تعكسها زيادة الكفاءة في هذا القطاع.
الثانية: إن الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعمل على توفير المزيد من رأس المال للعمال، مما يدفعهم إلى زيادة إنتاجيتهم
الثالثة: إن التوسع والاستعمال المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع القطاعات الاقتصادية يساعد الشركات على زيادة كفاءة الإنتاجية. وتجدر الإشارة إلى أن الآثار الناتجة عن هذه القنوات الثلاثة لا تحدث دفعة واحدة وفي نفس الوقت، فالمكاسب الناتجة عن الاستثمار في هذا المجال لا يمكن الحصول عليها إلاً بعد فترة طويلة، بعد أن تقوم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بتنظيم عملية الإنتاج. إذاً فإنه من المتوقع أن تظهر آثار الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الاقتصاد الوطني على شكل موجتين:
الموجة الأولى : تكون في المدى القصير، وتظهر في شكل انخفاض في الأسعار النسبية لمنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
الموجة الثانية :على المدى الطويل، عندما يتم اعتماد التكنولوجيات الجديدة في مختلف مجالات الاقتصاد، فستظهر مجموعة من السلع الجديدة، كما سيتم اعتماد طرق جديدة لإدارة الأعمال. إن الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن يقدم مساهمة كبيرة في نمو إنتاجية العمل، وتوسع الاستثمارات، وتجدد الرصيد الرأسمالي القائم، و السماح للتكنولوجيات الجديدة بالدخول في عملية الإنتاج. و في حين أن بعض البلدان شهدت زيادة إجمالية في مساهمة رأس المال في النمو الاقتصادي على مدى العقد الماضي، فقد كانت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المنطقة الأكثر حيوية للاستثمار. حيث أظهرت الدراسات أن الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قد ساهم في زيادة النمو الاقتصادي في أغلب دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية( OECD ( بحوالي 0.35 نقطة مئوية من النمو في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1990-1995 وبحوالي 0.9 نقطة مؤية من النمو في الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1995 -2003.
و- استراتيجية الاقتصاد المعرفي للصناعات المعرفية وتكنولوجيا النانو:
تتمثل رؤية هذه الاستراتيجية فى تحويل المنطقة العربية إلى منطقة منتجة ومستخدمة ومصدرة للتقنيات المتطورة للصناعات المعرفية، والمستخدمة لتكنولوجيا النانو للإسراع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال خلق قاعدة إنتاجية عريضة، تعتمد في المقام الأول على شراكة القطاع الخاص والحكومي العربي في هذا المجال، وتقوم تبعاً لذلك بتطوير المجتمع بكامل مكوناته للوصول به إلى مجتمع يعتمد على تقنية النانو متسقاً في ذلك مع الاتجاه المستقبلي للعالم المتقدم وذلك بحلول عام 2020.
ولا شك أن الوصول إلى تحقيق هذه الرؤية يستلزم الأمر وجود شراكه قوية بين جميع القوى المؤثرة في المجتمع العربي مثل الحكومات والإعلام والأجهزة التشريعية وقطاعات الأعمال الخاصة والعامة ومؤسسات التعليم والبحث العلمي والجمعيات غير الحكومية وغيرها، على أن تكون القناعة المشتركة لها جميعا هي أن تنمية صناعات التقنية والمعلوماتية يجب أن تكون الحل الأمثل.
” وقد خلص أستاذ الاقتصاد التطبيقي خالد مصطفى قاسم في بحثه بعنوان «دور استراتيجية الاقتصاد المعرفي وتقنيات النانو في تحقيق التنمية المستدامة للصناعات المعرفية العربية» إلى التوصيات التالية-
1- تنمية فرص الاستثمار في مراكز البحث والتطوير المشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص، والجامعات والمعاهد المنتجة أو المرتبطة بالاقتصاد، و… إلخ
2- تحفيز البحث والتطوير لدى القطاع الخاص وتدعيمه في القطاع الحكومي، وتبني سياسات عربية تحسن الوضع التفاوضي العربي لنقل التكنولوجيا.
3- العمل على الاستفادة من القواعد التكنولوجية العربية المتخصصة في تكنولوجيا النانو مع الاستفادة في بنائها من الخبرات البشرية العربية في المهجر.
4- وأخيراً وليس آخراً، إدراك المستثمرين والشركات أهمية اقتصاد المعرفة، والملاحظ أن الشركات العالمية الكبرى تساهم في تمويل جزء من تعليم العاملين لديها ورفع مستوى تدريبهم وكفاءتهم، وتخصّص جزءاً مهماً من استثماراتها للبحث العلميّ والابتكار”.
عاشراً: التحديات والفرص أمام الدول العربية لصناعة اقتصاد المعرفة
هناك تحديات جسام تواجه الدول العربية لإقامة صناعة محتوى عربي قوية قادرة على المنافسة عالمياً، ولكن هناك بالقدر نفسه فرصاً عديدة للتصدي لهذه التحديات، ولتسريع حركة التنمية. فقناعة الكثيرين تتمثل في أن تخلف صناعة المحتوى العربية ليس سببه نقص الموارد المادية، أو قلة المواهب العربية، أو عدم توفر الكتل الحرجة، أو عدم توفر الأسواق. بل يرجع التخلف أساساً إلى غياب السياسات والرؤية المستقبلية، وضعف البنى التنظيمية، وغياب البعد الإقليمي؛ ومن ثم عدم تقاسم الموارد. وما تسعى إليه هذه المبادرة هو المساهمة في صناعة محتوى عربية مستدامة.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان