وهكذا صرت يا صديقي..
انطفاء حد العتمة..
واكتفاء رغم ما طال القلب من مساغب الزمن..
رغم الفاقة والعوز..
بعد كل هذه الانكسارات والخيبات المتتالية..
بعد أن باءت كل محاولات التمسك بالفشل الذريع..
، وبات القبر بين الضلوع..
وأضحى الدم بديل الدموع..
بعد أن ضاعت الأحلام وتكسرت..
بعد أن خابت الأمنيات وتبعثرت..
ما عدت أحتمل مزيدا من الألم..
فما بي من حزن وأسى..
يكفي لقرون تتجاوز أربعين عمري البائس بسنين طوال..
ــــــــــــــــــــــــ
وهكذا صرت يا صديقي..
ما عدت أحلم..
ما عدت أتكلم..
ما عدت أطمع..
ما عدت أردد نداءت قلبي الحمقاء تلك..
ولاااا أسمع..
ما عدت أنتظر..
ما عدت آسفا على شيء مضى في حياتي..
إلا سنوات أضعتها هدرا..
فكيف يتاح لقزم الحصى..
أن يناطح تلك الجبال؟!..
ـــــــــــــــ
وهكذا صرت يا صديقي..
أرغمت نفسي على القناعة حتى وإن لم أعد أملك ما أفاخر به ألم وحدتي..
وأواجه به جموع الحنين حين تجلدني بسياط الوقت..
علمتها الاستغناء التام عن الجميع بلا استثناء..
فلا أحد يبقى..ولاااا أي أحد..
عودتها على أن الكل يرحل وإن أقسم على البقاء لما بعد الموت، فما أكثر من يتكلم وما أقل من يصدق..
أرغمتها ألا تتعلق حتى لا يصير التعلق حبال مشنقة قاسية تقتل-كثيرا-دون استئذان وتخنق بلا رحمة..
علمتُ كف روحي كيف ترخي قبضتها ببساطة لتفلت كل كف لا تكفُ عن محاولات الانفلات لتمضي زاعمة أني من ضل..
ومن تخلى رغم الشواهد وكثرة المشاهد على العكس..
فلأن أُتهم بالتخلي زورا أهون على قلبي من أن يفلتني أحدهم من أعلى..
فأزل وأهوى والقاع يا صديقي أبعد من قدرتي على الصمود للمرة الخمسين ووقع الارتطام شديد..
خاصة وأن كل ما فيَّ حين الارتطام مكسور لا محالة..
بل قل كل ما فيَّ قبل الارتطام مكسور..
قتلت رغبتها في التشبث الآثم وأخبرتها أن البشر يشبهون الفصول..
يأتون ربيعا في باديء الأمر ثم يكتفون فجأة فيعشقون الخريف الأسود..
فلا وعود هناك تبقى ولا أشجار العهود تعيد أوراقها وتتجدد..
أخبرتها بأن الاعتياد ذنب..
والتعلق جناية..
والانتظار جريمة كبرى لا تغتفر..
فكيف تبكي الأطلال بعدما مضى أصحابها دون أن يلتفتوا..
وكيف تشكو السماء إذا غاب القمر؟!..
وأخبرتها بأن الشغف بالمحالات خطيئة..
وأن الشوق في عرف البائسين من المحرمات حتى بمجرد التفكير..
فلا توبة حينها تقبل..
لا صك غفران ولا تكفير..
أخبرتها بأشياء كثيرة لا تعد ولا تُحصى..
وكم مرت علينا أيام ثقال..
يعلم الله كم أخذت منا..
حين مضت..
وكم قتلت فينا كل ما فينا..
وحرضت..
فبأي ذنب ذاك المآل؟!..
ـــــــــــــــــــ
وهكذا صرت يا صديقي..
فلا تعجب إذ صرت شخصا غير ذلك الأول..
لا تستغرب حينما ترفعت عن كل ما يؤذيني..
فحين استغنيت عمن استغنى عني..
كان ببساطة قد استغنى حينما لجأت إليه ليحميني..
وقد ظننته-إثما-حصن أماني..
فكان سجني وقضباني وسجاني..
وكان ظني-وا أسفاه-شيطاني
وياااا حسرتاه..
حينما تخيب التوقعات يا صديقي..
فلا تُقتلُ إلا من حيث أمِنْتَ..
فكيف تعود بعدها لذات الجحر لتقتل الثانية والثالثة والألف..
ـــــــــــــــــــ
وهكذا صرت يا صديقي..
فأولئك الذين قتلونا بدم بارد..
هم أنفسهم الذين أخبرونا ذات يوم بأن الدنيا على اتساعها ملكنا..
أن الحب لنا..
وأن الجنة على أعتاب العناق الأول تنتظر..
ثم اكتشفنا بعد فوات الأوان أن السكين حينما طال نصله الكبد..
كانت اليد التي تقف خلفه..
هي ذات اليد التي امتدت يوما لتعانق وتعاهد..
فكيف يأمن القلب والمواضع كلها خوف؟!..
وكيف يحْلُم مرة أخرى بعد أن صارت الأوطان منافٍ؟!..
ــــــــــــــــــــــ
فعذرا يا صديقي..
إن أصبح الخوف أأمن درب يقطعه القلب وصولا لمحطة النهاية بأقل الخسائر..
بلا جروح كثيرة..
وخيبات أكبر..
وحظ ألف عاثر..
وعذرا يا صديقي إن لملم القلب رداء الأمنيات لما فوق الركبتين..
فقامتي تضاءلت حينما قلموا أظافر تطلعاتي الصغيرة..
وقالوا للأمس..
يا أيها الغر وداعا..
قالوا لليوم لا تمض حتى لا تتسع فجوة الجراحات..
وحذروا الغد..
إيااااك أن تكبر..
انتهى..
النص تحت مقصلة النقد..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي العابث..