نكتفي في هذا المقام بالوقوف عند ما أوردته لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب المصري، والتي استعانت بالعشرات من العلماء الأجلاء لإعداد تقنين للشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة (قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 77 ، 78 ، 79) حيث ورد في المذكرة الإيضاحية لمشروع تقنين قانون العقوبات وفقاً للمذاهب الأربعة ما يلي:
حد الحرابة
تعتبر الحرابة – أو قطع الطريق – من أخطر الجرائم على أمن المجتمع؛ لما فيها من خروج على سلطان الدولة، وترويع للآمنين من مواطنيها، واعتداء على أموالهم وأرواحهم وأعراضهم، لذلك واجهت الشريعة الغراء هذه الجريمة بأشد العقوبات؛ ردعا للجناة وإرهاباً لنفوسهم، وتأميناً لسلامة المجتمع، ومحافظة على أمنه واستقراره.
والأصل في جريمة الحرابة قول الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الآيتان (33)، (34) من سورة المائدة.
ومن الأحاديث النبوية ما رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا».
وقد التزم المشروع في تقنين جريمة الحرابة أحكام الفقه الإسلامي دون التقيد بمذهب معين، مؤثراً عند الخلاف الرأي الذي قدر أنه أوفى بالمصلحة، وأكثر مسايرة لتطور المجتمع.
مادة (100):
يعد محارباً كل من ارتكب جريمة ضد النفس أو المال أو إرهاب المارة، سواء وقع الفعل في طريق عام، أو في مكان داخل العمران، مع اجتماع الشروط الآتية:
(أ) أن يقع الفعل من شخصين فأكثر، أو من شخص واحد، متى توافرت له القدرة على ارتكاب الجريمة.
(ب) أن يقع الفعل باستعمال السلاح، أو أية أداة صالحة للإيذاء، أو بالتهديد بأي منهما.
(ج) أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً غير مضطر.
(د) أن يكون الجاني قد باشر ارتكاب الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو المعاونة بشرط أن تقع الجريمة بناء على هذا الاشتراك.
الإيضاح
الجريمة وشروطها:
استهل المشروع أحكامه بتعريف لهذه الجريمة بين فيه الحالات التي يعتبر فيها الجاني مرتكباً لجريمة الحرابة، وأوضح شروطها، وأولها: أن تقع في طريق عام، وقد اتفق الفقهاء على ذلك فيما عدا الإمام مالك وأهل الظاهر، الذين يوسعون معنى الحرابة حتى تشمل كل الأماكن حتى الدار إذا دخل الجاني مسلحاً ومعه قوة، كما اختلف الفقهاء في مكان الطريق، وهل ينبغي أن يكون خارج العمران؟ أم تقع الحرابة ولو كان الطريق داخل المدينة. فقال أبو حنيفة ومحمد: إن العمل المكون للجريمة يعتبر حرابة، إذا حصل خارج المصر أي خارج العمران. أما داخل العمران فلا يكون حرابة ولا قطعاً للطريق، لإمكان الغوث غالباً داخل العمران. (البدائع، الجزء السابع ص 92 ، شرح فتح القدير، ج 4 / ص 275). وأخذ بهذا الرأي أكثر فقهاء الشيعة. وحجة هذا الرأي أن قطع الطريق يقتضي الانقطاع عن الناس وعن قوة الدولة، والطريق لا ينقطع فيه المرور أو يمكن قطعه على المارين إلا خارج الأمصار والقرى، وجدير بالذكر أن هذا الرأي هو الذي أخذ به الفقه الحديث في القوانين الوضعية، حيث يجمع فقهاء القانون الجنائي في جريمة السرقة بإكراه في الطريق العام، على أن المقصود بالتجريم هو حماية الطرق التي تقع خارج المدن، وتصل بين مواقع العمران، وذلك لقلة المرور فيها، وحاجتها إلى التأمين والحماية.
وذهب أبو يوسف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة (مواهب الجليل، ج 6 / ص 314 ، مغني المحتاج، ج 4 / ص 180 ، المغني، ج 10/ ص 303). إلى أن قطع الطريق يتحقق داخل العمران أو خارجه، إذ العبرة فيه بإمكان الغوث لا بموقع الطريق (البحر الرائق، الجزء الخامس ص 66، والبدائع، الجزء السابع ص 92).
وقد أخذ المشروع باعتبار الفعل حرابة، سواء وقع في طريق عام، أو في مكان داخل العمران.
كما وقع الخلاف بين الفقهاء فيما إذا كان يشترط في جريمة الحرابة تعدد الجناة، أم تتحقق الجريمة ولو وقعت من شخص واحد ؛ فذهب رأي إلى أنه يشترط التعدد؛ لأن المحاربين هم الذين يجتمعون في قوة وشوكة يحمي بعضهم بعضاً ، وتكون لهم القدرة على إخافة الناس وإثارة القلق والفزع بينهم. وذهب أبو حنيفة وبعض فقهاء الشافعية إلى جواز وقوع الجريمة من جماعة أو من شخص واحد، متى كانت له قوة القطع (ابن عابدین، جزء 3 ص 293 ، والبدائع، جزء 7 ص 10). وبهذا الرأي أخذ المشروع؛ نظراً لتطور الأسلحة الحديثة وشدة فتكها، وإمكان استخدامها من شخص واحد، بحيث تكون له القدرة بمفرده على ارتكاب الجريمة، والتغلب على عديد من الناس.
كما تناولت الفقرة (ج) من هذه المادة الشروط الواجب توافرها في المحارب الذي يقام عليه الحد وأولها العقل والبلوغ، وهما شرطان لا خلاف عليها؛ لأنها أساس التكليف. ثم يأتي بعد ذلك الاختيار؛ لأن المكره لا إرادة له، ولا حد عليه باتفاق الفقهاء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». (مواهب الجليل) جزءاً ص312 ، وحاشية الدسوقي جزء ص340، وبدائع الصنائع، جزء 7 ص 176، والمغني جزء 8 ص 260 ، ومغني المحتاج، جزء 4 ص 174). کا اشترط المشروع في الجاني عدم الاضطرار، فإذا كان الجاني مضطراً للحرابة لدفع الهلاك عن نفسه بأخذ مأكل أو ملبس أو ما أشبه – سقط عنه الحد والتعزير جميعاً ؛ لقوله تعالى: ومن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا قطع في مجاعة مضطر». كما أسقط عمر بن الخطاب الله عنه الحد في عام المجاعة.
وقد اختلف الفقهاء في تحقيق الحرابة من المرأة، فذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن الحرابة لا تتحقق من المرأة، وأنه يشترط في المحارب الذكورة: «البدائع جزء 7 ص 91). وذهب مالك، والشافعي، وأحمد، والزيدية، وأهل الظاهر إلى أن المرأة والرجل سواء يؤخذون بالحد جميعا؛ لأن النص عام. مواهب الجليل جزء 6 ص 313 – والمدونة جزء 16 ص 102 وحاشية الدسوقي جزء 4 ص 348 ، ومغني المحتاج جزء 4 ص 180) وقد أخذ المشروع برأي الجمهور فلم يشترط الذكورة في المحارب.
کما اختلف الفقهاء في اشتراط وجود سلاح مع الجاني فذهب مالك والشافعي إلى أنه لا يشترط السلاح ويكفي أن يعتمد المحارب على قوته الجسدية. مواهب الجليل ج6/ ص 314، أسنى المطالب، ج 4 / ص 154). وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أنه يجب أن يكون للجاني قوة القطع بسلاح أو غيره مما في حكمه کالعصا والحجر والخشب ونحوها (بدائع الصنائع، ج ۷ ص ۹۰، المبسوط، ج ۹ ص ۱۹۸، والمغني، ج ۱۰/ ص ۳۰۶).
وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير.
وقد وقع الخلاف فيما إذا كان يشترط لتوقيع حد الحرابة أن يبلغ المال المأخوذ نصاباً معيناً أو أن يكون في حرز مثله. فذهب الحنفية والشافعية إلى اشتراط النصاب والحرز الإيقاع الحد (شرح فتح القدير، جزء 4 ص 269 ، والمبسوط، جزء 9 ص 200) وذهب مالك إلى عدم اشتراط ذلك، على أساس أن العقوبة إنها توقع على المحاربة لله ورسوله دون نظر إلى قدر المال وحرزه. ( مواهب الجليل، جزء 6 ص 314 ، وحاشية الدسوقي، جزء 4 ص 348 ، والمدونة جزء 16 ص 100). ولذات العلة يرى مالك، وأهل الظاهر عدم سقوط حد الحرابة ليكون بعض الجناة من ذوي الأرحام لأن العقوبة لحق الله، لحماية أمن الأمة ولا ينظر فيها إلى الآحاد، وإنما ينظر فيها إلى الاعتداء على محارم الله تعالى المغني ج 10 / ص 318 . وقد أخذ المشروع في هذا الصدد برأي مالك فلم يشترط النصاب أو الحرز، ولم يسقط الحد عن ذوي الأرحام استناداً إلى أن المقصود بالحد في الحرابة هو خطورة الفعل في ذاته، وما ينطوي عليه من اعتداء على أمن الجماعة، والسعي في الأرض فساداً بغض النظر عن المال موضوع الجريمة، أو أشخاص آخذيه.
الاشتراك في الجريمة:
الأصل في القانون الوضعي هو التسوية في التأثيم والعقاب بين الفاعل الأصلي الذي يباشر الجريمة بنفسه، وبين الشريك الذي يساهم في ارتكابها بالاتفاق أو التحريض أو المساعدة. أما في الفقه الإسلامي فهناك خلاف في الرأي: ذهب الشافعي إلى أنه لا يعتبر محارباً إلا من باشر فعل الحرابة بنفسه، أما المتسبب فيه أو المعين عليه فلا يعد محارباً ، ولو كان حاضراً وقت المباشرة فيكتفى بتعزیره ؛ إذ الحد لا يجب إلا بارتكاب المعصية التي تستوجبه الأحكام السلطانية للماوردي، ص 59 و 61، ونهاية المحتاج جزء 7 ص 164، والمغني جزء 10 ص 318). وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أن كل من ساهم في أفعال الحرابة يعتبر محارباً وتوقع عليه ذات العقوبة، سواء كان شریكاً بالمباشرة أو متسبباً في الجريمة (محرضاً) أو معيناً عليها. واستندوا في ذلك إلى أن المحاربة على خلاف غيرها من الحدود – تقوم على التكاليف والمعاضدة والمناصرة، وأن دور الردء والمعين فيها لا يقل أهمية عن دور المباشر، إذ لا يتمكن المباشر من ارتكابها في الغالب إلا بقوة المعين وشوكته (المدونة جزء 16 ص100 ، وشرح الزرقاني جزء 8 ص 110 ، والبدائع جزء 7 ص 91 ، وشرح فتح القدير جزء 4 ص 271 ، والمغني جزء 10 ص 319).
وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فنص في البند (د) من المادة (100) على أنه يشترط في الجاني أن يكون قد باشر الجريمة بنفسه، أو اشترك فيها بالتسبب أو المعاونة، بشرط أن تقع الجريمة بناء على هذا الاشتراك». .
مادة (101): يعاقب المحارب حدا بالعقوبات الآتية:
(أ) بالإعدام إذا قتل نفساً عمداً، سواء استولى على مال، أو لم يستول عليه.
(ب) بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى على المال أو العرض أو الجسم، ولم يبلغ القتل أو الزنا.
(ج) بالسجن إذا أخاف السبيل فقط.
الإيضاح
العقوبة:
اختلف الفقهاء فيما إذا كانت العقوبات الواردة في الآية الكريمة قد وردت على سبيل التخيير، أو على سبيل التنويع.
فذهب رأي إلى أن هذه العقوبات قد وردت على سبيل التخيير، حيث عبرت الآية الكريمة بلفظه أو ، وهي في اللغة أداة تخيير، فيكون الإمام – بناء على ذلك مخيراً – في توقيع هذه العقوبات على من يرتكب فعل الحرابة غير مقيد بنوع الفعل المرتكب، وإنما يترك لتقديره فيوقع ما يراه مناسباً من العقوبات لظروف كل فعل، وممن رأى هذا الراي سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح، ومن الفقهاء مالك وأهل الظاهر. (شرح الخرشي، ج5/ ص 248 ، وحاشية الدسوقي، ج 4 / ص 349).
وذهب رأي آخر إلى أن الآية الكريمة قد جعلت عقوبة لكل نوع من أفعال الحرابة، وأن لفظ «أو» إنما يفيد تنوع العقاب بتنوع الفعل. وبهذا الرأي أخذ الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في بعض الروايات. وحجة هذا الرأي أنه لا يمكن إجراء التخيير على ظاهره، بل لا بد أن تكون العقوبة متناسبة مع قدر الاعتداء، ويقول الكاساني في البدائع « إن قطع الطريق متنوع في ذاته، وإن كان متحداً من حيث الأصل، فقد يكون بأخذ المال وحده، وقد يكون بالقتل لا غير، وقد يكون بالجمع بين أمرين، وقد يكون بالتخويف لا غير، فكان سبب الوجوب مختلفاً ، فلا يحمل على التخيير بل على بيان الحكم لكل نوعه البدائع، جزء 7 ص 94، المبسوط، ج 9 ص 195، مغني المحتاج ج 4 / ص 182). ويستند هذا الرأي إلى ما روي عن ابن عباس في تفسير النص القرآني، من أنهم: « إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا؛ وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض». وقد روى الشافعي هذا الأثر في مسنده. وقد أخذ المشروع بهذا الرأي الأخير، فجعل العقاب قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو السجن، إذا اعتدى المحارب على المال أو العرض أو الجسم، ولم يبلغ الاعتداء القتل أو الزنا، ويعاقب المحارب بالسجن إذا أخاف السبيل فقط، وبالإعدام إذا قتل نفساً عمداً ، سواء استولى على مال أو لم يستول عليه (شرح فتح القدير، ج 4 / ص 268 ، المبسوط، ج 6 / ص 195 ، البدائع، ج 7 ص 93). كما اختار المشروع السجن في تطبيق عقوبة النفي أخذاً برأي الحنفية، الذين قالوا بأن النفي من الأرض لا يمكن أن يراد بحقيقته ؛ لأن الخروج من أرض الله مستحيل، فلا بد من المجاز الذي يتفق مع إرادة العقاب والزجر وكف الأذى عن المسلمين، وهو ما يتحقق بالحبس ( البدائع جزء 7 ص 95، و الجصاص أحكام القرآن، جزء 2 ص 412، وبداية المجتهد جزء 4 ص 456).
مادة (102): لا يجوز إبدال العقوبات المبينة في المادة السابقة ولا العفو عنها.
الإيضاح
ولما كانت حدود الله عقوبات مقدرة محددة لا مجال لتخفيضها، أو استبدال غيرها بها، أو وقفها، كما أنه لا عفو فيها ولا شفاعة – فقد حرص المشروع على تأكيد هذا المعنى في هذه المادة، فنص على أنه لا يجوز إبدال العقوبات الحدية في جريمة الحرابة، ولا العفو عنها.
مادة (103): يعاقب على الشروع في هذه الجريمة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون آخر.
الإيضاح
الشروع في الجريمة :
وإذا كانت جرائم الحدود هي أشد أنواع الجرائم في نظر الشارع الإسلامي – فقد نص المشروع في هذه المادة على اعتبارها جناية، ولما كان لا خلاف على أن الحد في الحرابة لا يجب إلا على الجريمة التامة، أما الشروع أو الجريمة غير التامة فلا حد عليها، وإنما يعزر الجاني إذا اشتمل فعله على معصية (المبسوط للسرخسي، ج 9 ص 199 ، والهداية، جزء 2 ص 98 ، و درر الأحكام، جزء 2 ص 85 ، ونهاية المحتاج، جزء 7 ص 162 ، والمغني، جزء 10 ص 313 و 314). فقد نص المشروع على أنه يعاقب على الشروع في الحرابة بالعقوبة التعزيرية المقررة في هذا القانون، أو أي قانون.
مادة (104): يسقط الحد المبين في المادة (101) من هذا القانون، إذا ترك الجاني تائباً باختياره ما هو عليه من الحرابة قبل القدرة عليه، وذلك بإحدى الطريقتين الآتيتين:
(أ) إذا ترك فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته إلى سلطات الأمن أو النيابة العامة بأية وسيلة كانت.
(ب) إذا سلم نفسه تائباً بعد علم السلطات بالجريمة وقبل القبض عليه.
ولا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص أو دية أو رد المال. كما لا تخل بالعقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا کون الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً .
الإيضاح
سقوط الحد بالتوبة:
ولما كان حد الحرابة يسقط بالتوبة عملاً بقوله تعالى: ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
فقد عالج المشروع في المادة (104) سقوط الحد بتوبة الجاني. وقد فرض المشروع
حالتين للتوبة، الأولى: أن يترك الجاني فعل الحرابة قبل علم السلطات بالجريمة وبشخص مرتكبها، بشرط إعلان توبته لسلطات الأمن أو النيابة العامة بأي وسيلة كانت. والثانية: أن يسلم الجاني نفسه تائباً بعد اكتشاف الجريمة وقبل القبض عليه من السلطات.
وفي كلا الحالتين لا يخل سقوط الحد بالتوبة بحقوق المجني عليهم من قصاص أو دية أو رد المال؛ لأنها من حقوق العباد، كما لا يخل بتوقيع العقوبات التعزيرية المقررة في هذا القانون أو أي قانون آخر، إذا كان الفعل جريمة معاقباً عليها قانوناً »
کا نصت المادة (105) من المشروع على أنه إذا تحققت النيابة من توبة الجاني وفقاً لأحكام المادة السابقة – أمرت بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى.
مادة (106): إذا لم يكن الجاني بالغا وقت ارتكاب الجريمة، يعزر على الوجه الآتي:
(أ) إذا كان قد أتم السابعة ولم يتم الثانية عشرة، فللقاضي أن يوبخه في الجلسة، أو أن يأمر بتسليمه لوالديه، أو لمن له حق الولاية على نفسه، أو إيداعه إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية المبينة في القانون رقم (31) لسنة 1974 بشأن الأحداث.
(ب) إذا أتم الثانية عشرة ولم يتم الخامسة عشرة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
(ج) إذا أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة، يعاقب بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات.
تعزير الصبي:
يمر الإنسان وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية بمرحلتين قبل أن يصل إلى البلوغ، الذي يفترض أنه قد اكتمل له فيه الإدراك والإرادة وأصبح مسئولاً عن أفعاله بصورة كاملة الأولى: مرحلة عدم التمييز، وهي من تاريخ الولادة حتى قبل إتمامه السابعة، وفيها لا يكون مسئولاً جنائياً. والثانية: وتبدأ من السابعة حتى البلوغ، وفيها يعزر على الجرائم التي يرتكبها بأوجه التعزير المناسبة لسنه، مع العمل على إصلاح شأنه ، وهو ما التزمه المشروع في المادة (106) عند تحديد عقوبات التعزير التي توقع على الصغير . وإذا كانت سن البلوغ – حسبما تقضي المادة (31) من المشروع – هو بإتمام ثاني عشرة سنة هجرية، ما لم يثبت بلوغ الجاني قبل ذلك بالطريق الشرعي – فإنه إذا أثبت للمحكمة أنه قد ظهرت على الصبي أمارات البلوغ الطبيعية قبل تمام الثامنة عشرة – فتوقع عليه عقوبة الحد التي توقع على البالغ، متى توافرت شروط توقيعها.
الإثبات:
مادة (107):
إثبات جريمة الحرابة المعاقب عليها حداً يكون في مجلس القضاء بإحدى الوسيلتين الآتيتين:
الأولى: إقرار الجاني قولاً أو كتابة ولو مرة واحدة، ويشترط أن يكون الجاني بالغاً عاقلاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً منصباً على ارتكاب الجريمة بشروطها.
الثانية: شهادة رجلين بالغين عاقلين عدلين مختارين، غير متهمين في شهادتها، مبصرین قادرين على التعبير قولاً أو كتابة، وذلك عند تحمل الشهادة وعند أدائها.
وتثبت عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.
ويفترض في الشاهد العدالة ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة، ويشترط أن تكون الشهادة بالمعاينة، لا نقلاً عن قول الغير، وصريحة في الدلالة على وقوع الجريمة بشروطها، ولا يعد المجني عليه شاهداً إلا إذا شهد لغيره.
الإيضاح تثبت جريمة الحرابة بها تثبت به جرائم الحدود عامة، وقد أخذت الشريعة الغراء في إثبات جرائم الحدود بنظام الدليل المحدد، حتى لا يترك الأمر فيها المحض تقدير القاضي، والدليل الشرعي المقبول في جرائم الحدود هو الإقرار والشهادة، وهو ما التزمه المشروع في إثبات حد الحرابة.
كما حرص المشروع على النص على أنه يكفي الإقرار مرة واحدة؛ نظراً لاختلاف الرأي فيما إذا كان ينبغي أن يتكرر الإقرار بمقدار عدد الشهود، أم يكفي الإقرار مرة واحدة، وقد أخذ المشروع في ذلك برأي الجمهور من أنه لا حاجة للتكرار إلا في حد الزنا، ولا يقاس عليه. «المبسوط، ج 9 ص 182 ، البدائع ج 7 ص 51 ، ابن عابدين جزء 2 ص 294». كما نص المشروع على أن تكون البينة بشهادة رجلين، وتثبت الجريمة عند الضرورة بشهادة رجل وامرأتين أو أربع نسوة.
شروط صحة الإقرار والشهادة:
کما حرص المشروع على أن تضم نصوصه شروط صحة الإقرار والشهادة، دون إحالة في ذلك إلى كتب الفقه – کما جرت بعض التشريعات العربية -، وذلك التزاماً منه بمبدأ الشرعية الذي يقضي بأن يبين القانون الجنائي كل ما يتصل بالجريمة والعقوبة من أركان وشروط وأحكام، دون أن يكمل في ذلك بها يخرج عن نصوصه، هذا فضلاً عن مشقة الرجوع إلى كتب الفقه، وصعوبة تحديد الراجح بين المذاهب أو داخل المذهب الواحد. وقد تناولت المادة (107) من المشروع شروط صحة الإقرار، وهي أن يكون الجاني عاقلاً بالغاً مختاراً وقت الإقرار، غير متهم في إقراره، وأن يكون إقراره صريحاً واضحاً لا خفاء فيه، تفصح عبارته عن حقيقة المقصود به دون لبس أو غموض، وأن يكون منصباً على ارتكاب الجريمة بكل أركانها وشروطها «تبصرة الحكام، جزء 2 ص 40». کا نص المشروع في المادة (108) على جواز رجوع الجاني عن إقراره آخذاً برأي الجمهور. وفي هذه الحالة يسقط الحد إذا لم يكن ثابتاً إلا بالإقرار « شرح الخرشي، جزء 5 ص 344، حاشية الدسوقي، جزء 4 ص 345، مواهب الجليل، جزء 6 ص 312 ، وأسني المطالب، جزء 4 ص 150 ، والبدائع، جزء 7 ص 88 ، وفتح القدير، ج 4 / ص 258. ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العدالة في الشاهد؛ لقوله سبحانه وتعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ)، ولقوله تعالى: (إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا). والمراد بالعدالة أن يجتنب الشخص الكبائر، ويتقي في الغالب الصغائر. ومن المتفق عليه أن مما يخل بالعدالة ارتكاب أفعال الفسق، والأفعال التي تنال من المروءة، أو تجرح الكرامة. «شرح الخرشي، ج5/ ص 177 ، ومواهب الجليل، ج 6 / ص 150 ، وشرح فتح القدیر، ج 4 / ص 407، وتبصرة الحكام، ج 1 / ص 217».
وقد اختلف الفقهاء في ثبوت العدالة، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب على القاضي التحري عن عدالة الشهود، والتحقق من ثبوتها ولو لم يجرحهم المشهود عليه، لأن عدالة الشاهد شرط لازم للحكم بمقتضى شهادته « مواهب الجليل، ج 6 / ص 150 ، وأسنى المطالب ج 4 / ص 312 ، والمغني، ج 9 ص 165».
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يفترض في الشاهد العدالة ما لم يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة. واستثنى من ذلك الحدود والقصاص فإنه يسأل فيها عن الشهود وإن لم يجرحهم الخصم لأنه يحتال لإسقاطها فيشترط الاستقصاء فيها. (شرح فتح القدير ج4 ص 116، البدائع ج 6 / ص 270 ، المبسوط ج 9 ص 38).
وذهب المالكية إلى أنه يكتفى بظاهر عدالة الشاهد ولا يسأل عنه، إلا إذا جرحه المشهود عليه؛ وذلك استنادا إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الناس عدول بعضهم على بعض، إلا محدودا في قذف». (حاشية الدسوقي، ج 4 / ص 319).
وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع، فنص في المادة (107) الفقرة الثالثة على أنه «فترض في الشاهد العدالة، ما لم يقم الدليل على غير ذلك قبل أداء الشهادة». وقد آثر المشروع هذا الرأي عملاً على سرعة البت في القضايا، ولصعوبة تحقيق صفة تتناول كل حياة الشاهد ولا تقتصر على وقائع محددة، وهو تحقيق قد يطول أمده، ويتعذر في أغلب الأحيان إجراؤه. ولذلك اعتبر المشروع أن الأصل في الشاهد العدالة، ما لم يثبت العكس بأن يجرحه المشهود عليه قبل أداء الشهادة بنسبة وقائع معينة محددة من شأنها أن تحل بعدالته، فإذا ثبت للقاضي من التحقيق صدق ادعائه، رد شهادة الشاهد لانتفاء العدالة.
كما اشترط المشروع في الشاهد الإبصار والقدرة على التعبير قولاً أو كتابة، وإنما اشترط المشروع الإبصار رغم وقوع الخلاف عليه في الفقه؛ لأن جريمة الحرابة تقوم على الأفعال المرئية التي تقتضي تمييز الأشخاص والأفعال بالبصر. ويستند المشروع في ذلك إلى ما يراه الحنفية من اشتراط الإبصار في الشاهد عند التحمل وعند الأداء؛ لأن الشهادة تقتضي العلم بالواقعة وتمييزها بأوصافها الخاصة ومعرفة المشهود له والمشهود عليه « المبسوط، ج 16 / ص 129 ، وشرح فتح القدير، ج 6 / ص 29 » كما يستند المشروع كذلك إلى ما يراه الشافعية من عدم جواز شهادة الأعمى في الأفعال المرئية كالقتل والسرقة وقطع الطريق «المهذب، ج2/ ص 33، ومغني المحتاج، ج 4 / ص 44 » أما اشتراط القدرة علي التعبير قولاً أو كتابة، فقد أخذ المشروع فيه برأي المالكية من قبول شهادة الأخرس إذا استطاع أن يؤديها بالكتابة، ذلك أن الكتابة تستوي مع القول في إمكان التعبير عن الفكرة في وضوح. «حاشية الدسوقي، ج4/ ص167، شرح الخرشي ج5/ ص 179 ومواهب الجليل ج6 ص154،،. وإذا كان لا خلاف في الفقه حول قطعية الشهادة وصراحتها وورودها على كافة وقائع الجريمة وزمانها و مكانها، فقد اشترط المشروع في الفقرة الرابعة من المادة (107) لصحة الشهادة أن تكون صريحة الدلالة على وقوع الجريمة بالشروط المبينة في القانون، فلا يكفي أن يشهد الشاهد على بعض وقائع الجريمة وشروطها، ويشهد الآخر على باقيها بحيث تتكامل الشهادتان، بل ينبغي أن يشهد كل شاهد منها على كافة وقائع الجريمة وشروطها المبينة في القانون، أما إذا زاد عدد الشهود عن اثنين، فيكفي أن يتوفر نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة على حدة، فيجوز أن يشهد شاهدان على واقعة، ويشهد آخران على واقعة أخرى، وتثبت الجريمة بشهادتهم جميعاً طالما اكتمل نصاب الشهادة بالنسبة لكل واقعة.
كما أفسح المشروع للجاني مجال الرجوع في إقراره طوال مراحل نظر الدعوى، حتى صدور الحكم النهائي من محكمة الجنايات، إذ بهذا الحكم تخرج الدعوى من ولاية المحكمة.
عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي:
عني المشروع بالنص في المادة (109) على أنه في حالة عدم اكتمال شروط الدليل الشرعي المبينة في المواد (107) من المشروع، أو لعدول الجاني عن إقراره طبقاً للمادة (108)، ولم تكن الجريمة ثابتة إلا به تطبق العقوبات التعزيرية الواردة في قانون العقوبات أو أي قانون آخر إذا كون الفعل جريمة معاقبا عليها قانوناً ، وذلك متى ثبت للقاضي ارتكابها بأي دليل أو قرينة أخرى، وذلك على أساس أن الإثبات في الحدود يعتبر ركناً موضوعياً في الجريمة الحدية، بحيث إذا لم يتوافر انتفت الجريمة لفقدان أحد أركانها، فإذا كون ذات الفعل المادي جريمة معاقباً عليها تعزيراً بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر، وجب معاقبة الجاني عليها على أساس أنها تعتبر جريمة أخرى تختلف عن الجريمة الحدية في أركانها. إذ ينقصها ركن الإثبات وإن اتحدت مع الجريمة الحدية في باقي الأركان، ويكون إثباتها في هذه الحالة متروكاً المطلق تقدير القاضي الجنائي دون التقيد بدليل أو قرينة معينة تمشياً مع ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، من أن إثبات جرائم التعزير – خلافاً لجرائم الحدود والقصاص – لا يتقيد بطرق خاصة « الفتاوی الهندية، ج 2 ص 167». وهو ما يتفق مع مبدأ حرية الإثبات في المسائل الجنائية المعمول به في القانون الوضعي.
العود:
کا عالج المشروع في المادة (110) عود الجاني إلى ارتكاب الجريمة بعد توقيع الحد، عليه. وإذا كان الأصل في القوانين الوضعية هو تشديد العقاب في حالة العود؛ زيادة في ردع الجاني الذي لم تردعه عقوبة الجريمة الأولى – فإن الوضع يختلف بالنسبة للحدود، فالعقوبة الحدية لا يجوز تشدیدها مهما تكرر العود؛ ذلك أن الحدود عقوبات معينة محددة لا مجال للزيادة فيها أو النقص منها، ولا يحل للحاكم أو القاضي تجاوزها، وإلا كان متجاوزاً حدود الله، هذا أمر لا جدال فيه ولا خلاف عليه، وإنما وقع الخلاف في إمكان توقيع حد القطع في الجريمة التالية على الجاني العائد الذي سبق قطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وهل تقطع باقي أطرافه، أو تستبدل بعقوبة القطع عقوبة أخرى؟
ذهب رأي إلى جواز تكرار القطع حتى تقطع كل أطرافه، وحجته خبر روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مضمونه أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في السرقة الثالثة والرابعة، كما يستدل هذا الرأي من القياس بأن الأطراف تقطع جميعها في القصاص لأجل حقوق العباد، فتقطع أيضاً إذا تكررت السرقة، ومن هذا الرأي مالك والشافعي. وذهب رأي آخر إلى أنه بعد قطع يده اليمنى ورجله اليسرى لا تقطع له يد ولا رجل، بل يحبس حتى تستبين توبته. وحجة هذا الرأي أن قطع شيء بعد اليد اليمنى والرجل اليسرى لا يمكن معه أن يقوم المقطوع بحاجاته، ويستند هذا الرأي إلى ما روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من أنه أتي برجل مقطوع اليد والرجل اليسرى، فقال لأصحابه ما ترون في هذا؟ قالوا: « اقطعه يا أمير المؤمنين». قال: « قتلته إذن، وما عليه القتل». ومن هذا الرأي الحسن البصري، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبو سفيان الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل.
وبهذا الرأي الأخير أخذ المشروع؛ لأن فيه إبقاء على حياة الجاني، وحتى يستطيع أن ينال بنفسه المطالب الضرورية لحياته، وفي هذا الأساس جرى المشروع في المادة (110) على أنه إذا ارتكب العائد من أفعال الحرابة ما يستوجب الإعدام أو الإعدام والصلب – وقعت عليه هاتان العقوبتان، أما إذا اقتصر على ارتكاب ما يوجب حد القطع، فإنه لا قطع عليه، ويكتفى بعقوبة السجن.
أما ما نصت عليه المادة (111) بشأن إجراءات التحقق من توبة العائد، فهي إجراءات تنظيمية قصد بها التثبت من حصول التوبة بالفعل، والاطمئنان إلى عدم عودة الفاعل للجريمة مرة أخرى، ولكن كانت التوبة في ذاتها أمراً مضمراً بين العبد وربه، إلا أنه لما كانت الأحكام لا تناط إلا بالمظاهر الخارجية الواضحة – فقد وضعت هذه الإجراءات التحقيق هذه الغاية.
أحكام خاصة في القطع:
وقد يحدث أحياناً أن تكون يد السارق اليمني ورجله اليسرى شلاء أو مقطوعة الإبهام أو الأصبع، وفي هذه الحالة اختلف الفقهاء في شأن القطع، فذهب الحنفية إلى أنها تقطع؛ لأنها لو كانت سليمة تقطع باتفاق، فالناقصة المعيبة أولى بالقطع « البدائع، ج 7/ ص 87». وبهذا الرأي أخذ المشروع في الفقرة الأولى من المادة (115).
كما أن هناك حالات أخرى رأى الفقهاء ألا قطع فيها، وهي الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه المادة.
فبالنسبة للحالتين (أ)، (ب) أخذ فيهما المشروع بمذهب الحنفية؛ لأن القطع شرع للزجر لا للإهلاك «شرح فتح القدير، ج 4 / ص 250 ، المبسوط، ج 9 ص 168).
أما بالنسبة للحالة (ج) فقد أخذ المشروع فيها برأي الجمهور الذي يرى أن القطع يسقط، ولا ينتقل الحد إلى عضو آخر «شرح الخرشي، ج5/ ص 345، حاشية الدسوقي ج 4 / ص 347 ، مواهب الجليل، ج 6 / ص 313 ، البدائع ج 7 ص 88 ، المغني ج 10/ ص 269 .
على أن امتناع القطع في الحالات السابقة لا يعفي الجاني من عقوبة التعزير، ولذلك قضى المشروع في الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أن تستبدل بالقطع في هذه الحالات السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير امن المعلومات
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان