-الفن هو جزء مهم من حياتنا اليومية، هو عنوان لحضارات وأزواق عامة لدي المجتمعات المختلفة، الحضارة المصرية القديمة صاحبتها مجموعة من الفنون المتنوعة والتي عبرت عن هوية المجتمع المصري القديم، الفنون عامة هي القوة الناعمة التي تستخدمها الدول الناهضة ليكون لها موضع قدم علي الخريطة الدولية وكثير ما تتغلغل بها في أنسجة مجتمعات أخري وتسيطر عليها وأحيانا تغير لسانها إلي ما تبتغيه هي.
في الأونة الأخيرة عاش جيلينا ما تسمى بالإنتكاسة الفنية بمختلف ألوانها وأشكالها فكانت تاثيراتها أكثر سلبية علي كل نواحي الحياة العامة لأفراد المجتمع بمختلف طبقاته، وبالبحث عن تلك القضية الخطيرة التي ساهمت في تشكيل الوجدان العربي والمصري لأجيال عديدة تمتد من السبعينات وحتي الآن. أدركت أننا ضحية إستراتيجية إستعمارية.. لتعد المسرح المجتمعي لقبول عودة الإستعمار بمختلف أشكاله وألوانه، ولكن كيف؟؟
فقط نعطي نموذج عم المجتمع المصري الذي كان في بؤرة الاستهداف الاولي لكل القوي الخارجية بلا استثناء، فالاحتلال البريطاني مكث في مصر حوالي أربعة وسبعون عاما.. لم يهناء في يوم من الأيام بالاستقرار وفشل في الإستمرار، بل كان خروجه من مصر هو بداية النهاية للامبراطورية البريطانية التي كانت تعرف بأنها الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس، ولكن لم نسأل أنفسنا لماذا فشلت بريطانيا؟؟
-لأنها واجهت في مصر ثلاث حوائط صد صلبه لم تستطع اختراقها رغم حيالها العديدة
اولا:- الازهر الشريف الذي كان سببا في الحفاظ علي الهوية العربية والاسلامية لمصر
ثانيا:- وحدة النسيج الوطني بين عنصري الامة المصرية المسلمين والاقباط وحاولوا مرار الايقاع بينهما طوال فترة الاحتلال حتي ظظهرت القومية المصرية الوطنية في ذروتها عام 1919وما بعدها حتي يومنا الحاضر
ثالثا:-وحدة النسيج المجتمعي وهو الاسرة المصرية ومجموعة القيم المجتمعية والفنيه التي حافظت علي هويتنا المصرية وكان الفن المصري في مقدمة تلك المقومات المصرية التي منعت تغلغل أي قيم مغايرة إلي المجتمع المصر بل أجبرت الآخر علي التعايش معها والايمان بها
-وبعد رحيل الاحتلال البريطاني تحالفت بريطانيا مع الولايات المتحدة من أجل هدم تلك الحوائط الصلبة من السيطرة مرة اخري علي القطر المصري لما يمثله من اهمية كبري لتحقيق السيادة الكاملة علي العالم ثقافيا وحضاريا واقتصاديا وطمس أي معالم للهويات العربية عامة والمصرية بصفة خاصة وكانت بداية خططهم توقيع معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيلي المغتصب وسحب البساط من تحت أقدام الأمة المصرية التي كانت تقود الأمة العربية ولا ننسي إن الحلم الأمريكي كان رفع العلم الاسرائيلي في سماء القاهرة وتحقق لها مع تلك المعاهدة
وثاني تلك الخطط هو هدم مؤسسة الأزهر الشريف الذي كان قبلة أي شخص في العالم لتعلم صحيح الإسلام وزادت الأهمية بعدما قام الرئيس عبد الناصر بتحويل الأزهر إلي جامعة وكان له بالغ الأثر في مناهضة كل الأفكار الوهابية والرجعية ، وشاهدنا في فترة من الفترات كثرة القنوات الدينية المدفوعة من دول بعينها من أجل أن ينالوا من كيان أكبر مؤسسة دينية وهي الأزهر الشريف وتابعنا ظهور مجموعة من الشيوخ ليس لهم ولاء للوطن وإنما الولاء لمن يدفع لهم ويمولهم ومازالوا حتي اليوم
أما ثالث المحاور الخطيرة هو المحور الثقافي والفني لأنه يقصد تفتيت قيم المجتمع مباشرة فقد كان شرط المعونات الأمريكية والغربية عدم إستخدامها في الإنتاج الفني أو الثقافي فتحولت وزارة الثقافة إلي مجرد مجموعة من الموظفين وليسوا مبدعين وتغلغلت فيها ثقافة النفعية أولا بعيد عن أي رؤية ثقافية تعبر عن الهوية المصرية وإختفت تماما ثقافية الإبداع الثقافي والفكري والفني ومن هنا فتح المجال أمام مجموعة من رجال الأعمال للإنتاج الفني والثقافي وتنفيذا.. لمن ساهم بقدر كبير في ظهورهم بشكل سريع في المجتمع فكان إنتاج أفلام ودراما لتغير كل المفاهيم والقيم المصرية فكانت أفلام المخدرات والجنس والبلطجة وغيرها من الأعمال التي تبث ليل نهار علي ألاف القنوات المختلفة وكانت الخطورة الأكبر هي أغاني المهرجانات التي غيرت مزاج وهوية الشباب وأصبحت هي الوسيلة القاطعة لكل علاقة بين الأجيال الناشئة والتراث الغنائي لكبار المطربين المصرين والعرب الذين كان لهم قدر كبير في عبور اللغة المصرية إلي أقطار وشعوب لا تعرف العربية وكانت الموسيقي المصرية هي عنوان للرقي الفني والابداعي وبالتابعية الرقي الاخلاقي.
وهنا كانت صدمتي حين كنت أحاور مطرب شاب يمتلك الموهبة والصوت الجيد ماذا تريد أن تقدم للشباب قال المهرجانات لأن الشباب عايز كدا بيحب الرقص هو لايستمع إلي الكلمة ولكنه يستمع إلي الموسيقي الراقصة فقد!!!
سالته هل تحفظ شيء … لأم كلثوم قال لا!!
سالته لماذا؟؟
قال كان زمن وإنتهي!!!
- هنا كانت الصدمة بالنسبة لي لأن كل هذا الفن الهابط الذي أصبح يضخ عبر وسائل مختلفة هو نتاج تخلي الدولة طوال السنوات الماضية عن الحفاظ علي الزوق العام والحفاظ علي الإبداع الفني المصري والقيم المصرية بالإنتاج الفني الراقي… فقط كانت مصر قبلة أي فنان عربي يريد ان يعترف بة العالم!!
فكانت مصر هي جواز السفر لعبور اي مطرب أو فنان إلي ساحة الغناء… فهل تعود الدولة المصرية إلي ريادتها الغنائية والثقافية مرة أخري؟؟
كاتب مصري