اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد هي الصك العالمي الوحيد الملزم قانونيًا لمكافحة الفساد. إن نهج الاتفاقية البعيد المدى والطابع الإلزامي للعديد من أحكامها يجعلان منها أداة فريدة لوضع استجابة شاملة لمشكلة عالمية. وتغطي الاتفاقية الخمس المجالات الرئيسية التالية: التدابير الوقائية، والتجريم وإنفاذ القانون، والتعاون الدولي، واسترداد الموجودات، والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات.
تغطي الاتفاقية العديد من أشكال الفساد المختلفة، مثل الرشوة، والمتاجرة بالنفوذ، وإساءة استغلال الوظائف، ومختلف أفعال الفساد في القطاع الخاص. ومن أبرز ما يميز الاتفاقية إدراج فصل خاص بشأن استرداد الموجودات، بهدف إعادة الموجدات إلى أصحابها الشرعيين، بما في ذلك البلدان التي أخذت منها بطريقة غير مشروعة. والغالبية العظمى من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أطراف في هذه الاتفاقية.
كان في الماضي الفساد يقتصر في الغالب على إقليم كل دولة على حدة ولايؤثر في الدول المجاورة ومع التقدم العالمي في مجال تكنولوجيا المعلومات وقيام الاقتصاد الحر وذوبان الحدود بين الدول لم تعد كل دولة قائمة بذاتها منفصلة عن باقي الدول كما كان في السابق وإنما أصبحت كل دولة تؤثر وتتأثر بما يحدث بباقي الدول فظهرت المنظومات العصابية الدولية والجرائم متعددة القوميات واتساع نطاق ارتكاب جرائم الفساد فلم تعد تلك الجرائم قاصرة على حدود دولة بعينها
وإنما أصبح سهل الانتشار والتوسع من دولة إلى أخرى وخاصة مع غياب التعاون الدولي مما دعي منظمة الأمم المتحدة إلى الدعوة لعقد اتفاقية بين الدول لمكافحة الفساد وإقامة التعاون بين الدول للعمل على تحجيم الفساد والقضاء عليه على المستوى الدولي فلم يكن يوجد أي سبيل آخر للقضاء على هذه الظاهرة
والتي بدأت بالانتشار بصورة كبيرة خاصة في الآونة الأخيرة سوى بإقامة التعاون بين دول العالم لتطويقه ومحاولة القضاء عليه وقد تم عقد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي أبرمت في 2005 وذلك لإقامة التعاون بين الدول لترويج
وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة فعالة ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد وإقامة التعاون بين دول العالم في سبيل ذلك سواء عن طريق أعمال نصوص الاتفاقية فيما بينهم أو أبرام اتفاقات ثنائية أو إقليمية لتدعيم التعاون الفعلي والحقيقي في هذا المجال وكذلك تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشئون العمومية والممتلكات العمومية
حيث دعت الاتفاقية الدول الأطراف إلى إصدار تشريعات داخلية وتنظيم التشريعات الموجودة وذلك لأعمال نصوص الاتفاقية ومكافحة الفساد في الداخل بصورة فعالة بالإضافة إلى التزام كل دولة طرف بتقديم تقارير دورية للمنظمة شاملة توضح ما قامت باتخاذه من تدابير لأعمال نصوص الاتفاقية ومدى التزامها بها وما وصلت اليه في سبيل مكافحة الفساد على المستوى الداخلي والخارجي
تفرقة بين القانون والاتفاقية
يختلف القانون الداخلي لأى دولة والذى يصدر عن السلطة التشريعية بها عن الاتفاقية الدولية التى قد تكون ثنائية او إقليمية أو عالمية والتى يتم ابرامها بين الدول وتلتزم بها الدولة كما هى ولايمكن التغيير في نصوصها الا اذا سمحت الاتفاقية بجواز التحفظ على بعض النصوص ونعرض فيما يلى للفرق بين كل من القانون والاتفاقية..
1 – القانون (1) :
تسرى التشريعات الوطنية على كل من يرتكب جريمة منصوص عليها فى قطر الدولة المصدرة له فالتشريع الداخلى عنوان لسيادة الدولة وينطبق فى جميع انحائها وتباشر عن طريقه سيادتها. فى مصر ينطبق القانون على المصريين والاجانب المقيمين عليها على السواء وهو ما يعرف بمبدأ اقليمية النص او التشريع فينطبق داخل النطاق الاقليمى للقطر ويستبعد بذلك اى قانون اجنبى اخر ومناط تطبيقه هوارتكاب الجريمة داخل القطر المصرى من الشخص الطبيعى المخاطب بالقاعدة القانونية فلا يسرى على الاشخاص المعنوية كالشركات والجمعيات واقليم الدولة هو الاطار الجغرافى الذى يحيا فيه شعب الدولة وتمارس فيه الهيئة الحاكمة مظاهر السيادة على وجه الشمول والاستثمار وبذلك يشتمل معنى اقليم الدولة كل مـن اقلـــيم الارض والبحـرالاقليمـى والسفـن الحربيــة او العامـــة والخاصــة
والسفن التجارية المملوكة للدولة والطائرات كما أنه يجب لانطبــاق القانون المصرى وقوع الجريمة داخل القطر المصرى وهناك استثناءات من مبدأ الاقليمية مثل ما يتعلق بأعضاء مجلس الشعب فيما يعرف بالحصانة البرلمانية ورؤساء الدول الاجنبية وزوجاتهم وافراد عائلتهم وحاشيتهم وقد جرى العرف الدولى على تقرير حصانة لهؤلاء من جميع الافعال التى يرتكبوها وكذلك رجال السلك السياسى لما لهم من صفة تمثيلية للبلاد التى يمثلونها ورجال القوات العسكرية الاجنبية المرابطون باقليم الدولة باذن منها وفى بعض الحالات يؤخذ بمبدأ شخصية القاعدة القانونية فقد نصت المادة 3 من قانون العقوبات المصرى على ان كل مصرى ارتكب وهو فى خارج القطر فعلا يعتبر جناية أو جنحة فى هذا القانون يعاقب بمقتضى احكامه اذا عاد الى القطر وكان الفعل معاقبا عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكبه فيه وكذلك من المبادىء المقررة عدم رجعية القانون اى انه لاينطبق على ما حدث من وقائع قبل صدوره وكذلك مبدأ المشروعية الذى يعنى لاجريمة ولا عقوبة الا بنص فلابد أن يكون النص المطبق على الواقعة محل النظر محددا الجريمة والعقوبة التى توقع فى حالة ارتكابها على نحو واضح ويمكن تعديل النص القانونى بنص قانونى لاحق له .
2- الاتفاقية :
الاتفاقية هى التزام بين الدول والمجتمع الدولى يكون المستفيدون من احكامها الاشخاص الموجودون فى اقليم الدولة والداخلين فى ولايتها وقد عرفت موسوعة الامم المتحدة الاتفاقية بأنها مصطلح دولى يعبر عن اتفاق دولى ثنائى او متعدد الاطراف يمكن ان يكون مفتوحا او مغلقا للدول الاخرى التى لم تساهم فى اعدادها ويدرج فى نطاق الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان (العهد الدولى ) كما فى العهدين الدوليين لحقوق الانسان (1). فالاتفاقية هى صك ملزم بموجب القانون الدولى على الدول والكيانات الاخرى التى لها صلاحية عقد المعاهدات التى تختار ان تصبح طرفا فى ذلك الصك وعموما لايسمح بمخالفة احكام الاتفاقية الا اذا كانت الاتفاقية تسمح بابداء التحفظات بشأن احكامها (2)
فمثلا الاتفاقية بعد اعتمادها فى الجمعية العامة للأمم المتحدة تعرض على الدول للانضمام اليها او التصديق عليها لكى تعبر الدول عن موافقتها على الالتزام بها
كما هو منصوص عليه فى المادتين 14، 15 من اتفاقية فيينا للمعاهدات كما تنص الاتفاقية نفسها على الية الانضمام والتصديق والانسحاب والتحفظ على الاتفاقية موضوع الموافقة ولا يشكل التوقيع على الاتفاقية التزام باحكامها
ولا حتى بالتصديق عليها ضمن مدة محددة وان التزام الدول الموقعة على الاتفاقية هو اصدار قانون عن السلطة المختصة ينص على انضمام الدولة الى الاتفاقية وينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية وتجرى اثاره القانونية وفقا لقانون نشر القوانين المعمول بها فى تلك الدولة الى التشريع الوطنى بحيث تصبح جزءا منه ولكى يكون الجميع على علم ودراية بالاتفاقـية
فالاتفاقية تسرى على كل من يرتكب فعل يعد جريمة فـى قطــر الدول الموافقة عليها او حاملا لجنسيتها او مقيما على اقليمها وبذلك يتسع نطاق انطباقها وكذلك تسرى الاتفاقية على الاشخاص المعنوية ولا يرد استثناءات لاى طائفة من الافراد على اسس سياسية او دينية او عرقية فى مجال انطباق نصوص الاتفاقية ولا تأثير لجنسية مرتكب الفعل فى مجال تطبيق قواعد الاتفاقية عليه كما تأخذ بقاعدة عدم الرجعية اى لاتطبق على افعال حدثت قبل صدورها .
وقد تكون الاتفاقيات ثنائية او اقليمية او دولية وتأخذ بمبدأ شرعية العقوبة الا انها فى الغالب الاعم تضع قواعد عامة مجردة وتترك للتشريعات الداخلية للدول الاعضاء مسئولية تحديدها وتنظيمها وفقا لأوضاع كل دولة وتشريعاتها الداخلية بشرط ألا تخالف ماجاء فى الاتفاقية من قواعد عامة مجردة.