الحرية الأخلاقية تعنى رغبة الإنسان فى أن يكون طيباً .. وهى بتعبير آخر : ( خدمة الإنسان للخير وإنهماكه فيه وبقدر خدمته له تكون حريته لأن من لم يتمسك بالخير فليس بحر ) . والحرية تساوى الحب والمودة والسلام .. وهى حرية الأسوياء والأتقياء فى عالم ينضج بالكراهية والحقد والبغضاء .. وهى صفاء القلب ووضوحه وصدقه .
لقد قدس الإسلام الحرية أعظم تقديس . وان من يتدبر تعاليمه ويتأمل محكم آياته يدرك فى غير عسر أنه يمقت الاكراه والضغط أشد مقت ، ولو كان ذلك طريقا الى حمل الناس على اعتناق الإسلام نفسه ، يقول الله تعالى : ( لست عليهم بمسيطر ) ، ويقول : ( لا اكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) ويقول : ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) .
وعبادة الله وتحكيم شريعته لا يأتيان على الوجه الصحيح الا بعد التحرر من الخوف والتمكين فى الأرض ، يقول العلى الكبير : ( الذين أن مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) .
ولما كان الاعتبار الإنسانى لا يقوم الا بالحرية بأن المسئولية القانونية الكاملة الصحيحة لا تتقرر الا للاحرار . وتنتقص هذه المسئولية اذا انتقصت الحرية ، يقول الله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ) .
وقد جعل الإسلام الشورى – وهى من مقومات الحرية – علامة المجتمع المؤمن ، وقرنها بالصلاة ، يقول تعالى : ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ) . وأمر الله رسوله بأن يشاور صحابته ( وشاورهم فى الأمر ، فاذا عزمت فتوكل على الله ) .
وجعل الإسلام مقاومة الجور والظلم فريضة ، لأنهما من أشق الأمور التى تهدر الحرية ، قال تعالى : ( والذين اذا أصابهم البغى هم ينتصرون ) وقال جل شأنه : ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ، انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق ) ، وقال الرسول عليه السلام : ( أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر ) ، وأضاف سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب : ( ورجل قام الى امام جائر ، فأمره ونهاه فقتله ) .
ولا بد أن تكون الحرية مكفولة للخصوم ، لا للانصار فقط ، فان امتحان الحرية العسير هو الصبر على ممارسة الخصوم لها .
والحرية هى إذن التحرر من الشر بجميع مفرداته والاندفاع نحو الخير والحب ، ومن العوامل التى تعيق الإنسان عن بلوغ الهدف الحقيقى لإنسانيته .. إن تجنب الشرور التى ترتكبها الكائنات البشرية عادة هو الحرية الحقيقية ( فعسير على الإنسان أن يكون حراً وهو ينصاع للأفعال القبيحة الجارة مجرى العادة ) .
والإسلام العظيم يقرر الحرية على اختلاف ألوانها ويحميها ، فحرية التملك والتصرف فى المال مقررة فى الإسلام للرجل وللمرأة على السواء . كذلك حرية العمل وحرية الفكر ، وحرية اعتناق المبادىء ، وحرية الانتقال وحرية الاجتماع .. كل هذه الحريات وأمثالها مصونة فى الإسلام بشرط ألا تضر بمصالح المجموع الذى ترعاه شريعته وتحمه سلطة دولته .
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com