أن الطلاق العاطفي هو أحد أنواع الطلاق ومسمياته الحديثة، وأصبح ظاهرة اجتماعية خطيرة جاءت لتصدع كيان الأسرة وتهز استقرارها، ويعرف الطلاق العاطفي بأنه حالة من الفتور وعدم التفاهم بين الزوجين في الأمور الحياتية المشتركة ومن ثم الانفصال في كل شيء حتى يصبحا غريبين متزوجين، يجمعهما السقف الواحد ولا تجمعهما المودة والرحمة والاحترام والإحسان ويصبح واضحا جليا هذا الخلل لجميع أفراد الأسرة وإن ظهر للمجتمع خلاف ذلك.
يعد الطلاق العاطفي حالة مرضية تسري بذور جراثيمها في جسد الحياة الزوجية وروحها ببطء شديد في غالب الأحيان ، حتى تتمكن من أركانها فيلتفت الزوجان بعد غفلة ليشهدا العش الزوجي بالضحكات ودهاليز الصمت الخانق يصيب المشاعر في فؤادها ويتمدد في شرايين التفاعلات الزوجية حتى التي تكاد تهمس بالحياة الزوجية السعيدة باردة هكذا تبدو للرائي ولكنها في الحقيقة قشرة أرضية خادعة يمور تحتها بركان متأجج ينتظر خرقا ينفجر من خلاله في أية لحظة.
فاذا فقدت الحياة الزوجية الكلمات العذبة فليس ثمة التصحر والجفاف الذي يسهم في استنبات شجرة الطالق العاطفي الخبيثة إذ يضعف الترابط بالتدريج ثم يسقط فجاءة، وخلال هذه المرحلة لا يستطيع احد أن يصارح الآخر
أن يبوح له بمكنونه خشية اتخاذ قرار الانفصال الذي لن يكون غالبا في صالح أي منهما وال في صالح الأولاد. ويحدث الطلاق العاطفي نتيجة الضغوط المتتالية للأعمال المختلفة ضمن الحياة الزوجية وتحمل المسؤوليات والتغييرات في طبيعة العلاقة الجنسية عادة ما تكون أقل كمية وأقل عددا مع تآكل الاتصال الإيجابي الذي يؤثر على استقرار الزواج وإجهاده والذي كثيرا ما يكون مصحوبا بانخفاض أو قطع كامل للاتصال الجنسي ويعد هذا النوع من الطلاق أسرع أنواع الطلاق حدوثا، وقد يأتي الطلاق الرسمي بعد مدة طويلة وقد لا يأتي،
أي انه موجود حتى وان لم يكن هناك طلاقا رسميا فيصبح هنا الزواج شكليا ينطوي على التواصل العاطفي وأداة اجتماعية لا غير، ويكون ارتباط الزوجين ميكانيكا خاليا من العاطفة وان بقائهما في هذه الحالة من دون طلاق رسمي يرجع ربما إلى اعتقادهما بمواصلة رعاية أبنائهما ليس ألا ولقد أدى فقدان الأزواج لأسلوب الحوار الهادف، وظهور مستوى مرتفع من الصدامات، وعدم التكيف مع متطلبات الحياة، والسعي إلي استخدام، وسائل الحياة الحديثة لمواكبة التطورات المتلاحقة في جميع مناحي الحياة، إلى نمو ظاهرة الانفصال العاطفي بين الأزواج .
وهذا ما يدفع الأزواج لعدم إشراك كل منهما للآخر في مواجهة المشاكل الحياتية؛ مما يؤدي إلى فقدان الانتماء النفسي والفكري بينهما .حيث إ ن الرضا الزواجي يرتبط بالتلاقي العاطفي بين الزوجين، والذي يضفي ملامح من الاستقرار الزواجي، في حين يكون الطلاق العاطفي نتيجة لغياب الحب المتبادل بين الأزواج إن الطلاق العاطفي من أصعب السلوكيات التي يختبرها الزوجين، التي تجعل الزواج يتغير من الشعور بالرضا والسعادة إلى الشعور بالتعاسة.
وتعد مشكلة الانفصال العاطفي مشكلة العصر عند الكثير من أعظم المشكلات التي تهدد المجتمع بانفصالً الأسرة، وهي الخلية الأولى أو اللبنة الأولى في صرح المجتمع العاطفي ويؤدي إلى نكسة عاطفية بأسره، تؤثر على الصحة العقلية والنفسية من اكتئاب، وغضب، وانخفاض في تقدير الذات، والقلق، يوجد ثلاثة أسباب من وجه نظرنا تؤدي إلي أسباب للطلاق العاطفي تتمثل في الكتمان، وعدم المصارحة بين الزوجين، وكذلك ترك المشكلات والخلافات عالقة دون وجود حل لتلك الأسباب.
كما يؤدي إلى صعوبة معا هي الأكثر تأثرا بالانفصال العاطفي؛ لأنها العنصر ً الأساسي للتكيف مع الواقع، وتؤثر على نفسية الأزواج، والبناء والمرأة الأساسي في الأسرة، وللاعتقاد أن أي خطأ في الأسرة هي المسئولة عنه لذا يرى أن الانفصال هو فشل يلحق الضرر بالنساء أكثر من الرجال,
إن تقدير الذات يقع كوسيط بين ذات الفرد و الواقع الاجتماعي الذي يعيشه، و هو بذلك يعمل على المحافظة على الذات من خلال تلك الأحداث السلبية أو الإيجابية التي يتعرض لها، وبذلك انه عندما تحدث تغيرات في بنية الفرد الاجتماعية فان تقدير الذات هو العامل الذي يحدد نوعية التغيرات التي ستحدث في تقييم الفرد لذاته تبعا لذلك،
فقد أشارت العديد من الدراسات إلى وجود أثار متباينة بين تقدير الذات و المجتمع الذي يعيش فيه الفرد وبالحديث عن الأثر السلبي الذي يمس المرأة في الجانب النفسي لها لا يفوتنا أن نذكر أن من اهم هذه الجوانب هو تقدير الذات والذي يمكن للطالق العاطفي التأثير عليه وهذا ما يجعلها تعيش في أفكار سوداوية ويخلق لديها نوع من احتقار الذات وفقدان الثقة بالنفس، وانعدام الاستقرار النفسي، وبالتالي يؤدي كل هذا إلى انخفاض في تقدير ذاتها و إلى وجود آثار سلبية للانفصال العاطفي، منه تدني تقدير الذات، والفزع، واللجوء إلى تناول الكحول والمهدئات، إضافة إلى الخيانة الزوجية .
الأسرة النواة الأولى واللبنة الأساسية في تكوين المجتمع، مصدر استقراره في جميع الجوانب وعلى رأسها الجانب النفسي، وقد حرصت المجتمعات منذ القدم على سلامة هذا الكيان والحفاظ عليه من العواصف لأن سلامته تعني سلامة المجتمع بأكمله. وعلى كثر المهددات التي قد تعصف بسلامة الأسرة إلا أن الطلاق يُعد المهدد الأول لها، مهما كانت صورته وأيما كان مسماه، لما له من نتائج سلبية بعيدة المدى على الأفراد،
وما زال المختصون والباحثون في الجانب الاجتماعي والنفسي يولون الطلاق أهمية كبرى ويبادرون إلى تتبع أسبابه التي تختلف من جيل إلى آخر، والأثر السلبي ثابت لا يتغير.
أن المطلق يمر عاطفيا بمراحل تبدأ بمرحلة عدم الثقة ومن ثم زعزعة وفقدان الحب والاحترام وعدم التقبل والأنانية تجاه الطرف الآخر حتى يصلا إلى مرحلة الصمت الزواجي، وهي المرحلة التي تسبق الطلاق الرسمي إن لم يكن هناك سبب قاهر يلزم استمرارية هذا الزواج بصورته المهشمة داخليا والركيكة خارجيا.
مما لا شك فيه أن آثار الطلاق العاطفي لا تنحصر على الزوجين فحسب، بل تمتد آثارها السلبية على الأبناء وسلامتهم النفسية، وقد يكون هذا النوع من الطلاق أشد وطئا من الطلاق الرسمي لأن الطلاق العاطفي حالة دائمة لا نهاية لها من التشتت وعدم الاستقرار والقلق والضبابية، فهو ليس كأي أزمة تبدأ بالألم وتنتهي بالتقبل والأمل، بل دوامة بداياتها غير واضحة وليس لها نهاية حاسمة
أن أفراد الأسرة المطلقة عاطفيا يعيشون مراحل الفقد الخمس المعروفة من الإنكار ثم الغضب ثم المساومة ثم الاكتئاب بشكل مستمر دون الوصول إلى مرحلة القبول والسلام الداخلي وهي المرحلة الأخيرة من مراحل الفقد حسب تعريف المختصين في سيكولوجية الفقد، وبذلك يعيش الأبناء في حالة مستمرة من القلق وعدم الاتزان النفسي والوجداني والخوف من مستقبلا غير واضح الملامح وغير قابل للتنبؤ به، بعيدين كل البعد عن الهدوء والاستقرار النفسي.
أن الطلاق العاطفي آفة خطيرة تصيب الحياة الزوجية وتهدد سلامة الأسرة النفسية وتؤثر على استقرارها وتكاتفها، وهو ظاهرة باتت واقعا ملموسا في مجتمعنا تتطلب التدخل السريع من قبل المتخصصين في مجال الإرشاد الأسري، وهذا المجال يعتبر شبه غائب حاليا في مجتمعنا ومعمول به على يد المجتهدين غير المختصين ولا المؤهلين للعمل في هذا المجال.
لذلك يجب أهمية تفعيل دور الإرشاد الأسري في مجتمعنا؛ نظرا لأهميته البالغة لمواجهة التحديات التي تصيب الأسرة، باحترافية ومهنية، ويتطلب هذا الدور سرعة العمل على برامج التوجيه والإرشاد المعني بها الأزواج في كل مرحلة من مراحل زواجهم بهدف رفع مستوى الوعي بمسببات الطلاق العاطفي وآثاره السلبية على كيان الأسرة ككل وعلى الأبناء على وجه الخصوص وكيفية التعامل معه في أوائل ظهوره وتداركه قبل فوات الأوان، إضافة إلى تزويد الأزواج بفنيات مواجهة المشكلات الزوجية، ورفع الكفاءة الذاتية لديهم وتعزيز دور الحوار الهادف في ما بينهم والتأكيد على الوعي بمبدأ الزواج وأهمية سلامته على الفرد والمجتمع.
أن الحياة تحت سقف واحد في غياب المشاعر والعواطف لها عدة تأثيرات في جوانب مختلفة من حياة الأسرة ككل، فحرص الزوجين على الحفاظ على شكل الأسرة أمام المجتمع، والخوف من فكرة الطلاق المعلن يؤدي إلى أن تصبح هذه الأسرة كالبركان الخامد المملوء بالحمم من الداخل يوشك أن ينفجر،
وكل من في هذه العائلة ينتظر ويترقب بتوتر وقلق. وأوضحت حجازي أن الأساس في العلاقات الزوجية المودة والرحمة والحب فإذا توقفت أو تلاشت لجأ الزوجان إلى الصمت أو المجاملات ومن ثم يعلو صوت النقاشات والمهاترات
التي تبدو وكأنها حقيقية وما هي إلا غطاء لهذه العلاقة الصامتة، وهذا النوع من الأسر وفي ظل الطلاق العاطفي الصامت ينشئ جيلا متوترا قلقا قد يصل لمستويات من الاضطراب النفسي تحتاج إلى فترات طويلة من العلاج؛ نظرا لاهتزاز شخصياتهم وفقدان الإحساس بالثقة بالنفس والمسؤولية والتقلبات المزاجية، وكذلك التخوف من فكرة تكوين أسرة في ما بعد بشكل خاص والقلق من الفشل في بناء علاقات اجتماعية سليمة مع الآخرين عامة.
أن العلاقة الزوجية علاقة سامية تقوم على مبادئ كثيرة؛ منها التفاهم والاحترام والمحبة والترابط والحوار والمصارحة وتقبل شريك الحياة بعيوبه ومحاسنه إذا فُقد بعض منها تتأثر العلاقة الزوجية ويحدث ما يُسمى بالطلاق العاطفي الذي بدوره يؤثر على كيان الأسرة وتماسكها،
أن أسباب الطلاق العاطفي كثيرة ولعل أهمها وأخطرها التي تحتاج الأخذ بعين الاعتبار الكتمان وعدم المصارحة بين الزوجين وترك المشاكل والخلافات بينهما عالقة دون الوصول لحل مرضٍ، وبذلك تتراكم المشاعر السلبية تجاه بعضهما ويبدأ كل منهما بالانغلاق على نفسه ويصبح له عالمه الخاص بعيداً عن الآخر وقد يلجأ البعض للخيانة الزوجية أو الطلاق أو غيره من الحلول التي قد تتسبب في تفاقم المشكلة أكثر وأكثر وتهدم بناء الأسرة وتشتت الأبناء.
دكتور القانون العام والاقتصاد
وخبير أمن المعلومات