يلعب التشريع الضريبي دورًا محوريًا في محاربة التهرب الضريبي وخاصة بعد أن ازدادت أهمية الضرائب وتعاظم دورها في الأنظمة المالية المعاصرة.
وهذا المقال محاولة لتأثير ذلك الدور ومدى تأثيره في استجابة المكلفين لقانون الضريبة وإجراءات التحاسب الضريبي للوصول إلى التزام ضريبي يمكن خلاله أداء الضريبة المفروضة عليهم , حيث يسعى البحث إلى بيان الإطار ألمفاهيمي للضريبة وطبيعة النظام الضريبي حيث إن كفاءة أي نظام ضريبي، لا يتوقف على قيمة ما يفرض من الضرائب ،
بل بنسبة ما يتم تحصيله من هذه الضرائب، كونها من أهم الموارد لرفد الخزانة العامة بالأموال، ولكي يتمكن التشريع الضريبي من تسهيل عمليات التحصيل والجباية، فلا بد وان تكون مواد هذا التشريع محكمة ومصاغة صياغة مناسبة، وملائمة لظروف المكلف ، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الجباية والتحصيل، وذلك وفقا لقواعد فرض الضريبة
لذلك يجب العمل على مراعاة قواعد الضريبة , ومنها قاعدة العدالة وقاعدة الوضوح بحيث يضمن حقوق كل من المكلف والإدارة الضريبية، ويكون كل منهما على علم ويقين بماله من حقوق وما عليه من التزامات , وبالتالي فان ذلك سيؤدي إلى تحسين العلاقة بينهما , وزيادة المبالغ الضريبية المحصلة , وزيادة الإيرادات الضريبية , أما إذا لم يتم مراعاة هذه القواعد فان ذلك سيؤدي إلى اتساع الفجوة بين طرفي العلاقة الضريبية ، وعليه سيؤثر على الإيرادات الضريبية.
يبحث علم المالية العامة في نفقات الدولة وإيراداتها في تحقيق الموازنة فيما بينها وعلى الدولة ان تزيد إيراداتها بقدر ما تتطلبه حاجاتها لذلك نجد ان الموارد تختلف من حيث الطبيعة من دولة الى أخرى غير ان المتفق عليه هو ان الضرائب هي أهم هذه الموارد .
فالضرائب هي أهم الإيرادات الإلزامية في مختلف الدول في العصر الحديث فهي الأداة المرنة المطواعة التي تستعملها الدولة لزيادة مواردها. ويجب علينا إن نفرق بين المدفوعات والتي هي ضرائب حقيقة بصرف النظر عن مسمياتها وبين الرسوم الحقيقة وهذا ما سيتم تناوله بعد التعريف بالضريبة وبيان أساسها القانوني وقواعد فرضها :
احتلت الضريبة مركز الصدارة بالنسبة للإيرادات العامة للدولة ، لذلك ينبغي تحديد المقصود بها أو تمييزها عن الموارد التي قد تتشابه معها والأسس التي تستند اليها الدولة في فرضها وجبايتها والقواعد التي تنظمها من اجل إن يكون النظام الضريبي محققا لمصلحة الدولة والمكلفين معا وحيث إن الضرائب تتأثر بالظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها
بسبب إن الحدث الضريبي ليس حدثا معزولا عن البيئة المحيطة وإنما يمثل ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية تشكل من البيئة التي طبق فيها ولذلك فان العلاقة المتبادلة بين الكيان الضريبي والهيكل الاقتصادي والسياسي وطيدة ، الأمر الذي يجعل أثارها واضحة من خلال سمات النظم الضريبية المطبقة في الدول . إما بالنسبة لخصائص الضريبة فهي كما يأتي :
أولا- أنها اقتطاع نقدي : أخذت الضريبة صورة نقود تماشيا مع ما فرضه النظام الاقتصادي في العصر الحديث وبالتالي فان النقود قد تم تعميمها سواء أكان ذلك في القطاع العام ام الخاص بحيث شمل ذلك جميع الإيرادات بما فيها الضرائب ، حيث تم تحصيلها بالنقود . والشكل النقدي للضريبة يختلف عن الشكل العيني للضريبة للأسباب الآتية :
1- بسبب التكاليف التي تتطلبها جباية الضريبة العينية عن النقدية مثلاً نقل المحاصيل وتخزينها بالإضافة إلى أنها قد تتعرض للتلف .
2- لا تعد الضريبة العينية مناسبة مع النظام المالي في الوقت الحاضر ، خاصة ان نفقات الدول لا تقدم إلا بشكل نقدي .
3- إن الضريبة العينية لا تتفق مع مبدأ العدالة من حيث توزيع الأعباء ألعامه كأن يقوم المكلف بتقديم جزء من المحصول ، او عدة ساعات من العمل تسقط من حسابها نفقة الإنتاج واختلافها من ممول الى آخر .
ثانيا- الضريبة تدفع جبرا : أي ان المكلف ليس حراً بدفع الضريبة الى الدولة وانما هو مرغم على دفعها بالاضافة الى انها (الدولة) تتمتع بحق الحجز على أموال المدين عند مقاضاته عن الضريبة المستحقة عليه ، وعنصر الاجبار هنا قانوني حيث ان قانون الضريبة يمثل تعبيرا عن قوة الزام القاعدة القانونية التي تفرض على المكلف بالخضوع لها في جميع تفصيلاتها ويتجلى عنصر الإجبار هذا في استقلال الدولة وهيئاتها بوضع النظام القانوني للضريبة من حيث تحديد وعائها وسعرها وأسلوب تحصيلها
ان هذا لا يعني أن فرض الضريبة وتحصيلها يتم دون ضوابط قانونية محددة وإنما العكس ، حيث ينبغي ان تصدر الضريبة بقانون وليس بناءاً على قانون وتلتزم الدولة بمراعاة احكام هذا القانون عند فرض الضريبة وتحصيلها والا كان عملها غير قانوني كما ان هذا العنصر لا ينفي المبدأ الدستوري الذي يقضي بضرورة موافقة ممثلي الشعب على فرض الضرائب .
ويعد هذا المبدأ احد المبادئ العامة المستقرة في القانون الدستوري التي يجب مراعاتها حتى في غياب نص في الدستور حيث أصبح عرفا دستوريا وخاصة في نطاق القانون العام .
ثالثا- الضريبة تدفع بصفة نهائية : أي ان المكلف يلتزم بدفع الضريبة بصورة نهائية دون ان تلتزم الدولة برد قيمتها للمكلف فيما بعد وبهذا الشكل تختلف الضريبة عن القرض العام حيث تلتزم الدولة برده مع الفوائد في حالة استحقاقه .
رابعا- الضريبة وفقا للمقدرة التكليفية دون مقابل محدد : ان المكلف الذي يدفع الضريبة لا يتمتع بمقابل محدد من قبل الدولة حين يدفعها ، غير ان هذا لا يعني ان ينتفع المكلف بالخدمات العامة التي تقدمها المرافق العامة لا لأنه مكلف بالضرائب وانما كمواطن يترتب على ذلك انه لا يجوز ان يقاس مدى انتفاعه بالخدمات العامة عند تقدير الضريبة التي ينبغي عليه دفعها وإنما على أساس مدى مقدرته على تحمل الأعباء العامة حيث يتعين على المكلف ان يساهم في التضامن الاجتماعي من خلال دفعه الضرائب للدولة اضافة الى ان هذه المساهمة تتحدد ووفقا لقدرته التكليفية على ذلك .
خامسا- الضريبة تحقق النفع العام :
أن الضرائب ترمي الى تغطية النفقات العامة للدولة التي تحتاج اليها لتسيير مرافقها العامة أي ان النفقات هي التي تسوغ الالتجاء الى الضريبة وهي التي تحدد في نفس الوقت نطاقها بالتالي فالدولة لا تلتزم بتقديم خدمة محددة الى المكلف وانما يترتب عليها تحقيق منافع عامة .
وقد أصبحت الضريبة تستخدم مع زيادة درجة التدخل في تحقيق إغراض اقتصادية واجتماعية منها حماية الصناعة الوطنية من خلال الضرائب الكمركية او تشجيع الادخار والحد من الاستهلاك سعيا الى تعبئة الفائض لتحقيق التنمية وتحجيم التفاوت بين هيئات المجتمع . اذن على كل بلد عند فرض ضريبة معينة ان يتحقق من الأهداف المالية والاقتصادية والاجتماعية بصورة متوازنة قدر الإمكان.
القواعد التي تحكم فرض الضريبة
وهي القواعد التي ينبغي على المشرع مراعاتها عند فرض الضرائب ، وتنبع أهميتها من ضرورة التوفيق بين مصلحة المكلف والدولة على حد سواء وهذا ما اكده العالم ادم سمث عند وضع هذه القواعد ( العدالة ، اليقين ، الملائمة، الاقتصاد ) حيث تمثل الدستور العام الذي تخضع له القواعد القانونية التي تنظم الضرائب وتحترمها الدولة عند فرضها للضرائب ، وهذا ما يخفف من ثقل هذه الأعباء ويجعلها مقبولة لدى الأفراد كما أن الإخلال بها يشير إلى التقول بالظلم والتعسف في استعمال هذا الحق.
اولا- قاعدة العدالة : هدف أي نظام ضريبي لأي دولة هو تحقيق العدالة إلى جانب اعتبارات أخرى قد يتصور البعض أن العدالة تعني وجوب تطبيق نسبة الضريبة ( الضريبة النسبية) أي أن تكون نسبة الضريبة المقتطعة من وعاء الضريبة واحدة بصرف النظر عن طبيعة الوعاء وسندهم في ذلك هو تحقيق المساواة في المعاملة الضريبية للمكلفين ومنع التحكم بفرض الضرائب من خلال تطبيق السعر المطبق لفئة اجتماعية أخرى.
وإذ كانت الضريبة النسبية تصلح للتطبيق في العصور السابقة فان العصر الحديث قد اظهر عجزها عن تحقيق العدالة ولذلك وجه المختصون في المالية العامة إلى تبني مذكرة الضرائب التصاعدية رغبة في تحقيق عدالة أكثر من خلال التمييز بين المكلفين وفقا لقدرتهم التكلفية.
كما تأخذ التشريعات المالية في عين الاعتبار عندما يقرر فرض الضريبة بشخصية المكلف ومركزه المالي وأعبائه الاجتماعية تحقيقاً للعدالة .
ثانيا- قاعدة اليقين (الوضوح) : ان لقاعدة اليقين دور مهم في استقرار الضريبة حيث انها تولد اعتياداً للمكلف على دفع الضرائب كونه إلف إحكامها وعلى يقين كامل بأمرها ، ومن اجل ذلك ينبغي ان يتوفر امرأن:
1- على الدولة أن تجعل القوانين والأنظمة والقرارات التي تنظم الضرائب تحت يد المكلفين من خلال وسائل النشر المعروفة .
2- إن تتسم التشريعات الضريبية بالوضوح بحيث يفهمها عامة الناس اذ ان هذا يؤثر في وفرة حصيلة الضريبة وكلما كانت التشريعات الضريبة تحتمل تفسيرين مختلفين اختار المكلف التفسير الذي يفيده وعندئذ يضر بحصيلة الضريبة ، ولو اضطر الأخذ بتفسير الإدارة ( قضاء أو إدارة) فان من شأن ذلك إن يطبع اثر سيئاً في نفسه مما يدفعه الى التهرب من دفع الضرائب في المستقبل.
ثالثا- قاعدة الملائمة في الدفع : يجب ان تتلاءم إحكام الضريبة مع أحوال المكلفين والتوغل الى نفسية المكلف وصولا لتطييب خاطره في دفع الضريبة ، كما يقتضي الأمر التفكير ملياً في اختيار الوعاء وأسلوب تحديده وكيفية جباية الضريبة وموعدها وإجراءاتها أي ان يكون موعد تحصيل الضريبة في الوقت الذي يحصل فيه المكلف على الدخل الخاضع للضريبة غير ان هذا لا يعني ان تسبب التسهيلات التي تقدمها الدولة للمكلف ضرراً في مالية الدولة .
رابعا- قاعدة الاقتصاد في التحصيل : يقصد بهذه القاعدة تأمين سهولة التطبيق ومرونته وان نتجنب معوقات الروتين والتعقيد مما يحمل الإدارة المالية نفقات باهظة في سبيل تحصيل الضرائب .
لذا فأن نفقات جباية اية ضريبة يجب ان تكون اقل من إيراداتها لكي تكون الضريبة حصيلة هذا الفرق بين إيرادات الضريبة وتكاليف جبايتها ، وقد أضاف بعض الاقتصاديين مثل باستابل Bastable بعض القواعد هي :
1- قاعدة المرونة : أي ان النظام الضريبي يجب ان يوضع بصورة مرنة وبذلك تحصل على ايرادات اكثر بصورة تلقائية كلما ارتفعت دخول الأشخاص .
2- قاعدة الإنتاجية : أي أن الضريبة تكون مصدر ايراد كافٍ للدولة من دون أحداث أي تأثير غير ملائم على عملية الإنتاج في الاقتصاد الوطني.
3- قاعدة البساطة : أي ان النظام الضريبي يكون سهل الفهم والإدراك وان لا يكون معقدا .
4- قاعدة المناسبة : أي أن الضريبية تكون مناسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الدولة 5- قاعدة التنوع : أي إن النظام الضريبي يجب ان يكون متنوعا بطبيعته ولا يعتمد على ضريبة واحدة لأنه في حالة اعتماد النظام الضريبي على ضريبة واحدة فان عبئها سيتحمله عدد محدود من المكلفين