النحل يعرف كيف يبنى بيوته السداسية بدون مسطرة وبدون برجل .. والنحلات الشغالة العائدة من الحقل تقوم بعمل خريطة طبوغرافية دقيقة بمكان الزهور ، وذلك عن طريق الرقص وعمل إشارات بحركات بطنها تدل باقى الشغالة على جغرافية المكان بدقة لا تخيب . والفرخ الوليد يعرف أين أضعف مكان فى البيضة لينقره بمنقاره ويخرج . والدجاجة تستطيع أن تميز البيضة الفاسدة بين البيضات التى ترقد عليها فتنبذها وتلقى بها بعيداً ، وتستطيع أن تميز البيضة الغير ملقحة من البيضة الملقحة .. وهى تقوم بإلهام غريزى بتقليب البيض الذى ترقد عليه كل عدد معلوم من الساعات .. ولولا هذا التقليب لماتت الأجنة بسبب التصاقها بالقشرة .
وأعجب من ذلك كله هو ذلك الطب الغريزى الذى يمارسه حيوان ( الوارا ) حينما يلدغه ثعبان ، فإنه يلجأ إلى نوع من العشب الصحراوى يسميه البدو ( الرمرام ) ويحك فيه جرحه . وقد لوحظ أن هذا الحيوان لا يدخل فى معركة مع الثعبان إلا إذا كان على مقربة من هذا العشب ، فإذا لم يجد هذا العشب فإنه لا يدخل فى مواجهة مع الثعبان ويبادر بالهرب .. وقد أثبتت التجارب أن هذا العشب يشفى بالفعل من لدغة الثعبان . ومفعوله العلاجى راجع إلى تأثيره على الجهاز المناعى فى الكبد .وهذه حقائق علمية لم تعرف إلا أخيراً .. فكيف أدرك حيوان ( الوارا ) هذه الحقائق ، ومن أين علم بها .. ذلك هو الإلهام والطب الإلهى بلا شك .
وهو مما وحى به الله للحيوان .. مصدقاً للآية : ( وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذى من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ) وهذا مما حدا بالمسلمين الأوائل إلى الاهتمام بالأعشاب . وخرج من العرب عشابون عظام أمثال ( داود الأنطاكى وابن البيطار وكوهين العطار وعمار الموصلى ) . وقد جاء الوقت الذى نعمل فيه على إحياء تراثنا الطبى العربى . وكانت الحضارة الإسلامية هى الجامعة التى أخذت عنها أوربا علومها الطبية فى عصورها الوسطى المظلمة . واشتغلت المرأة العربية بالتمريض والطب من قديم .. وفى أيام النبى عليه الصلاة والسلام .. كانت رفيدة الأسلمية تتخذ خيمة فى المسجد تداوى فيها الجرحى فى الحرب .. وفى أواخر الدولة الأموية كانت زينب طبيبة بنى أود من الماهرات فى صناعة الكحالة ومداواة آلام العين . وسبق العرب العالم فى ابتكار نظام المستشفيات .. وكانوا فى بيمارستان قلاوون يرفهون عن المرضى بالموسيقى وتلاوة القرآن .. وكانوا يعطون كل مريض منحة مالية عند خروجه حتى لا يعجل إلى العودة إلى عمله فى فترة النقاهة . ومن النظرة الإيمانية أن تبدأ علاج المريض بأقرب الاشياء إلى طبيعته . إنما هى أخلاقيات المسلم الذى يخاف ربه.