لعل واقع الحال بالنسبة لدور القطاع الخاص يشير إلى تواضع اسهامات ذلك القطاع في تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي العربي الافريقي بصفة عامة. وقد لا يُحمّل ذلك القطاع مسئولية كاملة في ذات الصدد إذ أن رأس المال كما هو معلوم لا يعيش إلا في البيئات الخصبة والآمنة استثمارياً.
ولكن إمعان النظر – من زاوية أخرى – في النقاط التي عرضناها سلفاً والمتعلقة بمكونات بيئة التعاون العربي الافريقي ومدخلاته وكذا معوقاته والآفاق الماثلة أمام امكانيات تطويره وتجاوز تلك المعوقات, تشير في بعض منها إلى وجود امكانية عملية لدور هام قد يقوم به القطاع الخاص في تعزيز علاقات التعاون تلك من منطلق الشراكة مع الأجهزة الرسمية ذات العلاقة. ويمكن بصفة عامة الاشارة إلى بعض الخطوات والأولويات التي يمكن أن يتبناها القطاع الخاص العربي والأفريقي في ذات الصدد, وذلك وفقاً لما يلي:
– قيام القطاع الخاص بتشجيع ودعم إيجاد قاعدة بيانات ومعلومات منهجية بخصوص بيئة التجارة والاستثمار في الدول الافريقية والعربية, وكذا تأثيرات ظروفها السياسية والجغرافية والديموغرافية على قرارات التجارة والاستثمار بصفة عامة. وتلك المسألة لا ريب من المفترض أن تحتل أولوية قصوى لتشجيع رأس المال العربي والأفريقي على الانغماس بشكل مباشر وقوي في دائرة تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري العربي الافريقي. وقد حاولنا في ورقة العمل هذه تقديم نموذج عملي لما يمكن أن تضيفه البيانات والمعلومات من ايضاح وجلاء لبيئة الاستثمار في الوطن العربي وأفريقيا وذلك من خلال قيامنا بتجميع بعض البيانات الاحصائية ذات العلاقة بمثل تلك التوجهات. وهناك عموما الكثير من البيانات ذات العلاقة بالأمر يمكن العمل على جمعها وتوصيفها وتحليلها وفق الأسس المنهجية المعتمدة في الصدد ذاته. (يمكن الرجوع إلى جدول البيانات المذكور في آخر الدراسة).
– اهتمام القطاع الخاص بتوطيد روابطه واتصالاته باللجان والاجهزة الرسمية المهتمة بقضايا التعاون الاقتصادي والتجاري في إطار الهيكل المؤسسي الرسمي للعلاقات العربية الافريقية.
– ممارسة القطاع الخاص لدور فاعل في مجال تحفيز المؤسسات التشريعية الوطنية على اصدار التشريعات والحوافز اللازمة لتشجيع الاستثمارات والتدفقات الرأسمالية وحمايتها.
– حرص القطاع الخاص في الطرفين على تعزيز أواصر العلاقات فيما بينهما عبر انشاء قنوات اتصال بين رجال الاعمال واتحاداتهم المتعددة وعقد اللقاءات الدورية المنتظمة وتبادل المعلومات التجارية والاستثمارية المحفزة على التعاون.
– دعم القطاع الخاص لأي جهود حكومية من الطرفين قد تبذل لإنشاء صندوق أو هيئة لضمان الاستثمارات وحرية انتقال رؤوس الأموال وسرعة التحويلات وآلية عملية وفاعلة للتعويضات الملائمة في مواجهة مخاطر الاستثمار بصفة عامة.
– حرص القطاع الخاص على تفعيل دوره المتعلق بمسئوليته الاجتماعية عبر الارتباط المباشر بمشاكل التنمية وهمومها, والاسهام العملي بحسب إمكانياته في تخفيف أعباء الطبقات الفقيرة وتحسين قدراتها المالية وتمكينها من الاسهام في تحريك عجلة الانتاج والتجارة من خلال تحسين قدراتها الشرائية.
– مبادرة القطاع الخاص بإقامة المعارض التجارية الترويجية المشتركة, ولقاءات ومؤتمرات التسويق الاستثماري والسياحي, ورعاية اللقاءات والمنتديات الثقافية والاعلامية المشتركة.
نماذج ناجحة على طريق التعاون
يمكن لنا أن نشير إلى بعض التجارب والخطوات الناجحة التي تمت في طريق تعزيز التعاون بين الطرفين عبر الأجهزة المعنية بذلك التعاون أو بتحفيز ومبادرة من قطاعات غير رسمية في الجانبين
1- المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا
أنشئ المصرف في فبراير 1974 بهدف توثيق الروابط بين الدول الأفريقية والعربية، ودعم النمو الاقتصادي للدول الأفريقية في إطار التضامن والمصالح المشتركة. وقد بدأ عملياته في بعض الدول الافريقية في مارس 1975 , وقد حددت مهامه بما يلي:
– الإسهام في تمويل التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية.
– تشجيع مساهمة رؤوس الأموال العربية في التنمية الإفريقية.
– الإسهام في توفير المعونة الفنية اللازمة للتنمية في أفريقيا.
ويقوم المصرف بتمويل مشروعات وعمليات عون فني في الدول الأفريقية ويمنح التسهيلات لقروض المشروعات؛ إذ يتراوح سعر الفائدة ما بين 1 و 4% سنوياً ومدة القرض ما بين 18 و 30 سنة وفترة سماح ما بين أربع وعشر سنوات. وتعطى الأولوية في نشاطاته للقطاع الزراعي والبنية الأساسية وتنمية الموارد البشرية.
وقد شملت تمويلات المصرف منذ إنشائه 42 دولة من مجموع الدول المؤهلة للاستفادة من قروضه ومعوناته، كما شملت أيضاً بعض المنظمات الإقليمية. وتتضمن القروض أيضاً نسبة كبيرة تقدم كمنح لا ترد. وقد بلغ – على سبيل المثال – صافى القروض التي قدمت في الفترة من 1975 إلـى عــام 2000 ما قيمته 1590 مليون دولار.
2- المعرض التجاري العربي الأفريقي:
أقيم هذا المعرض في إطار العمل على دعم التعاون الاقتصادي وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية والأفريقية, حيث وافق كل من مجلس جامعة الدول العربية ومجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية آنذاك على توصيات اللجنة الدائمة ( يونيو 1989) بتنظيم المعرض التجاري العربي الأفريقي. وقد أُقيم المعرض الأول في تونس في أكتوبر 1993, والثاني في جوهانسبرج في أكتوبر 1997, وعقد الثالث في داكار في أبريل 1999.
3- أسبوع رجال الأعمال العرب والأفارقة :
اطلق هذا الأسبوع بناء على الرغبة المشتركة في دعم التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الطرفين, حيث وافق مجلس جامعة الدول العربية ومجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية على إقامة مثل هذا الاسبوع فأقيم المعرض الأول في القاهرة في مارس 1995, ولم تتوافر لنا بيانات حول ما إذا كانت قد استمرت اقامة المعرض بعد ذلك العام, ولكن التجربة في حد ذاتها كانت ناجحة.
4- رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي (أسيكا):
تعد الأسيكا كأحد المنظمات الاقليمية الحكومية أحدث مؤسسات التعاون العربي الافريقي نشأةً, حيث تم إنشاؤها في العام 2004 من خلال جهود بذلتها العديد من الأطراف العربية والافريقية. وتتخذ الأسيكا من صنعاء مقراً لأمانتها العامة. والحقيقة أنه بالرغم من حداثة الأسيكا وتواضع امكاناتها المادية إلا أنها قد استطاعت تحقيق بعض النجاحات النسبية وتنفيذ العديد من الأنشطة المشتركة في اطار سعيها لتحقيق أهدافها التي يأتي على رأسها دعم نظام الثنائية البرلمانية ودعم الجهود البرلمانية وتقوية العلاقات بين شعوب الدول الاعضاء والنظر في المسائل والقضايا ذات الاهتمام المشترك واتخاذ التوصيات والقرارات بشأنها.
وترعى الأسيكا – على سبيل المثال – اجتماعات غرف التجارة الصناعة في افريقيا والعالم العربي, كما تساهم في دعم انشطة مجتمعية تتعلق بالجوانب العلمية والاكاديمية محل اهتمام الأسيكا كمواضيع الثنائية البرلمانية والحكم الجيد والديمقراطية وحقوق الانسان وقضايا السلم والأمن وتحقيق الاستقرار والتنمية في الدول أعضاء الأسيكا. وتنظم الأسيكا كذلك زيارات متبادلة لممثلين عن مجالس الدول الاعضاء كما ترعى لقاءات دورية للسيدات البرلمانيات من الدول الأعضاء. كما ترعى الأسيكا مؤخراً مشروع ريادي في مجال تشجيع شباب الباحثين على تناول القضايا محل اهتمام الأسيكا في مجالات التنمية والاستقرار, حيث تم تدشين المشروع في جامعة صنعاء ممثلة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية, وذلك في ظل شراكة حرصت الأسيكا على انشائها مع المؤسسات الاكاديمية. ومن المنتظر أن يتم تعميم ذلك المشروع لاحقاً على العديد من الجامعات في الدول أعضاء الأسيكا.
5- اجتماع غرف التجارة والصناعة في افريقيا والعالم العربي:
جاء هذا الاجتماع ثمرة لتعاون جاد ما بين الأسيكا وقطاع رجال الاعمال في افريقيا والعالم العربي والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا, حيث عقد الاجتماع الاول في جنوب افريقيا عام 2008, والثاني في البحرين عام 2010, وها نحن نقدم ورقتنا هذه إلى الاجتماع الثالث الذي ينعقد في المغرب أواخر 2012. وواقع الحال يؤكد من خلال النظر في الوثائق الصادرة عن الاجتماعين السابقين بأن لدى هذا الترتيب الحديث نسبياً (الأسيكا) العديد من الرؤى والتوجهات العملية بخصوص تطوير مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بين افريقيا والعالم العربي.
ولعل من أبرز ما يسعى الاجتماع لتأسيسه هو اتفاقية انشاء الكتلة التجارية الأفريقية العربية “آتب”. وهو المشروع الذي قد يضيف الكثير لمحتوى التعاون في حال رأى النور في القريب العاجل. ناهيك أيضاً عن مجموعة التوصيات التي توصل اليها الاجتماعان بخصوص تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين. ولعل ما يميز هذا الاجتماع اعتماده عرض مجموعة من أوراق العمل المتخصصة بغية تأكيد توسيع نطاق نظرته الاستشرافية لمستقبل التعاون إلى الأطر التخصصية والمنهاجية وهذا بلا ريب مما يحسب لهذا الاجتماع.
نماذج لتجارب بعض المستثمرين العرب في أفريقيا
1- مؤسسة موانئ دبي العالمية (الإمارات): قامت المؤسسة في أكتوبر 2007 بتوقيع اتفاقية تشغيل وتطوير محطات الحاويات بدكار في السنغال، وتمتلك الشركة حوالي 90% من أسهم ميناء داكار بجمهورية السنغال باستثمار بلغ حوالي 75 مليون يورو. كما تمتلك عدداً من الفنادق في جنوب أفريقيا.
2- شركة اتصالات (الإمارات): توجد “إتصالات” في السوق الأفريقي منذ عام 2005 حيث تمتلك الشركة تسع شبكات للمحمول في أفريقيا. وتعمل بالشراكة مع الحكومات والقطاع الخاص المحلي. وتقوم بالتفاوض في عدد آخر من الدول الأفريقية للحصول على التراخيص للعمل بها.
3- شركة استثمار رأس الخيمة للمعادن (الإمارات): بدأت هذه الشركة أعمالها بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي في أبريل 2007 باستثمار قدره 30 مليون دولار وامتلكت حق استغلال مناجم النحاس والكوبلت والجير بمنطقة “لوبومباشي” في جمهورية الكونجو الديمقراطية.
4- مجموعة الخرافي (الكويت): استثمرت المجموعة في أفريقيا منذ أوائل عام 1990 في قطاع السياحة وبناء وإدارة الفنادق والمنتجعات, وقطاع الزراعة وقطاع المقاولات بحجم استثمارات يبلغ حوالي 500 مليون دولار.
5- شركة زين (الكويت): قامت الشركة في عام 2007 بشراء 75% من أسهم شركة “ويسترن تيليسيستمز ليمتد” في غانا مقابل 120 مليون دولار. وتعمل شركة زين بالشراكة مع كل من القطاع الخاص والحكومات في 15 دولة إفريقية. وقد استثمرت شركة زين في القارة الأفريقية حتى عام 2008 حوالي 7 مليار دولار ولديها 36,9 مليون مشترك وتعتبر الرائدة في مجال الاتصالات في 11 من أصل 15دولة أفريقية التي تتواجد فيها.
6- الشركة الكويتية الأفريقية للاستثمار (الكويت): استثمرت الشركة في أفريقيا (السنغال) منذ عام
2006 في القطاع المالي والقطاع العقاري والقطاع السياحي ويبلغ حجم استثمارات الشركة في أفريقيا (السنغال، الجزائر، والمغرب) نحو 155 مليون.
7- مجموعة أونا- أومنيوم شمال أفريقيا (المغرب): يشمل مجال نشاط المجموعة في أفريقيا الصناعات الغذائية، وقطاع المناجم والصناعات المعدنية، والمصارف. تعمل شركة مناجم التابعة للمجموعة في جمهورية الكونجو الديمقراطية بالشراكة مع كوستامين الكونغولية والتي لديها رخصتين لتنقيب الكوبالت. وحصلت شركة لسيور كريستال التابعة للمجموعة وبالشراكة مع لسيور فرنسا على نسبة 34% من شركة “مصفاة أفريقيا” المتخصصة في تكرير النفط.
8- اتصالات المغرب (المغرب): اقتنت الشركة 51% من رأسمال “أوناتيل للاتصالات” (بوركينا فاسو) في عام 2006 بقيمة 220 مليون يورو، وفي عام 2007 اقتنت 51% من رأسمال “جابون للاتصالات” (الجابون) بقيمة 61 مليون يورو، كما اقتنت 51% من “”سوتيلما” (مالي) في يناير 2009 بقيمة 252 مليون يورو، وتعمل اتصالات المغرب في تلك الدول الثلاث بالشراكة مع القطاع العام.
9- التجاري وفا بنك (المغرب): لدى البنك فرع في السنغال يحتل المرتبة الأولى بحصة في السوق تعادل حوالي 29% كما أقدم على شراء 51% من رأسمال بنك مالي الدولي، ثاني أكبر بنك في مالي. وقد أبرم البنك في نوفمبر 2008 صفقة لشراء جميع فروع المجموعة الفرنسية “القرض الفلاحي” في أفريقيا. وتمكن البنك عبر هذه الصفقة من شراء حصة الأغلبية في شبكة مصرفية تضم 5 بنوك أفريقية بقيمة 250 مليون يورو.
10- شركة أوراسكوم تيليكوم (مصر): تعمل الشركة في زيمبابوي وأسست في عام 2008 “تيلسيل جلوب” للاستثمار في شبكات الهاتف المحمول في أفريقيا. كما تمكنت الشركة من الاستحواذ على ثلاث شركات في بوروندي وأفريقيا الوسطى وناميبيا.
11- شركة السويدي للكابلات (مصر): استثمرت الشركة في قطاع الطاقة والكهرباء في أفريقيا وأنشأت مصانع في كل من: غانا، زامبيا، إثيوبيا، كينيا، نيجيريا، سيراليون، وأوغندا، لإنتاج عدادات قياس الطاقة الكهربائية وملحقاتها.
12- شركة “المقاولون العرب” (مصر): استثمرت الشركة في مقاولات الطرق والمباني في نيجيريا، غانا، غينيا الاستوائية، بنين، الكاميرون، تشاد، بوتسوانا، رواندا، وأوغندا. بدأت الشركة أعمالها بأفريقيا في عام 1991 برأس مال قدره 100 مليون دولار. وتعمل شركة “المقاولون العرب” بالشراكة مع القطاع الخاص الأفريقي.